يمر الإنسان المسلم بأيام عصيبة تكاد تزعزع قناعاته وتسلمه لليأس، ثم يحاول الانغماس في اليومي بشكل يفقده الإحساس بكل شيء، وهذا ما يشكل قمة الانتصار للعدو ويسلمنا لحضيض الهزيمة . فهل من سبيل لإعادة الثقة إلينا ؟؟ .
أعتقد -والله أعلم- أن تحكم مجموعة من الآفات في حياتنا وسلوكياتنا قد تكون هي السبب في ما نعانيه، ولا سبيل إلى تجاوز هذه الآفات واستعادة الثقة بأنفسنا إلا بمحاولة وضع ذواتنا تحت مجهر النقد ومعرفة كل أشكال الخلل التي هي مستحكمة في كل حياتنا، وربما كان من أخطرها آفة انطفاء مشكاة الإيمان في نفوس أغلب أفراد الأمة -إلا من رحم الله- وحالات الوهن التي تصيبهم، لأنهم رغم قولهم وتأكيدهم أكثر من مرة في اليوم {إياك نعبد وإياك نستعين} لا يستشعرونها في نفوسهم بشكل مؤثر كي تنسحب على سلوكياتهم، وهذا يعني أن إفراد الله تعالى بالعبودية والاستعانة غير ثابت وغير متمكن منهم حتى يكون في استطاعتهم مجابهة أي طاغوت كيفما كانت صورته، ماديا كان أو معنويا، وغابت عنهم قيمة من أخطر القيم التي قام عليها الإسلام وهي قيمة “التحرر”،أو بمعنى أصح غاب عنهم المفهوم الحقيقي لمدلول “التحرر في الإسلام ” الذي هو بكل بساطة تحرير الإنسان من عبادة غير الله سواء كان بشرا أو شيئا أو هوى، وربما كانت أخطر العبادات هي عبادة الأهواء، وقديما قال ابن عباس :”شر إله عُبد في الأرض الهوى” . ذلك أن الذي أفسد الحياة وأضل الناس كما يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي ليس هو الإلحاد، فقد كان الملحدون الجاحدون لوجود الله قلة لا وزن لها طوال عصور التاريخ، إنما هو الشرك الذي جعل الناس يعبدون مع الله آلهة أخرى، بل الأفظع من ذلك أن الإنسان لا يعلم أنه ساقط في بعض أشكال الشرك حتى يجد نفسه في واقع كالذي قرره تعالى في قوله : {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق} . ألا يمكن أن نقول بعد تمعننا في هذه الآية الكريمة بأن حال الأمة جميعا بما تعانيه يشبه الحالة المقررة في الآية ؟؟ أخشى أن يكون هذا هو حال الأمة اليوم، وما يتبع بعد ذلك من فراغ روحي مهول ، وهذا ما يبعدنا عن حافز مهم يمكن أن يدفعنا نحو الرقي والصمود والتحدي والتغيير، لأن تحرير النفوس من الشرك وتغلغل الإيمان بالله فيها واشتعال جذوتها في الأعماق تجعل للحياة هدفا واستمرارية لا تنقضي بالأجل المحتوم وإنما تمتد للحياة الآخرة التي يجني فيها الإنسان كل مستحقاته كاملة كما وعدنا الله ورسوله إذا عبدناه حق عبادته ولم نستعن بأي كان إلا به تعالى .
ولاشك أن من أهم أسباب انطفاء جذوة الإيمان في النفوس وسقوط الإنسان: الاستعلاء، وهي من الآفات الخطيرة التي أصابت الإنسان المعاصر في مقتل لا يكاد يستفيق منه، ونتيجته السائدة والملموسة عدم الإذعان للهدى الذي فيه خلاصنا .وربما كانت لي وقفة مع هذه الآفة في الأعداد القادمة إن مد الله في عمري ..