إعداد: فخامة الرئيس علي عزت بيغوفيتش رئيس جمهورية البوسنة والهرسك سابقا
هناك خمسة وعشرون مليون مسلم يعيشون في بلدان قارة أوروبا، وذلك بحسب تقديرات عام 1986م ومع نهاية القرن العشرين صار هؤلاء المسلمون يمثلون نحو 3.8% من مجموع سكان القارة.
إن المسلمين في البوسنة والهرسك وألبانيا- أي بلاد البوشناق والألبان – يختلفون في واقعهم عن مسلمي البلدان الأوربية الأخرى، فهاتان الدولتان لا يمثل المسلمون فيهما اقليات عرقية أو دينية، بينما صربيا ومقدونيا والجبل الأسود، فإن المجتمعات المسلمة على الرغم مناعتبارها أقليات، إلا أنها تمثل جزءا كبيرا من مجمل السكان.
أما بالنسبة للجذور التاريخية لوضعهم فيمكن القول إن هناك ثلاث مجموعات رئيسية من المسلمين في أوربا، المجموعة الأكبر توجد في الجزء الأوروبي من الاتحاد السوفيتي السابق، وخاصة في الاتحاد الروسي، والثانية – وهي الأحدث- يعيش أفرادها في دول غربي أوروبا وهم من المهاجرين وأنجالهم والأوربييين المتحولين إلى الإسلام، ونعتقد أنها تزيد في عددها على سبعة ملايين مسلم مع نهاية القرن العشرين، حسب المصادرا لغربية.
وأما بالنسبة للحقوق الدينية والحريات والحياة الثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فإن المجموعة الأولى هي في الوضع الأصعب بلا شك، وذلك نتيجة لمرحلة الإيديولوجية الإلحادية والشوفينية الروسية وتدهور الاقتصاد، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي توسع مدى حقوقهم الدينية، ولكن وضعهم الفعلي لم يتغير بدرجة كبيرة.
أما مسلمو غرب أوروبا فيمثلون عالم الشتات الإسلامي في أوروبا وتختلف أوضاعهم باختلاف أنظمة وثقافات البلدان التي يعيشون فيها، ففي هذه البلدان نجد المهاجرين من الجيلين الأول والثاني يشعرون بالعزلة والوجود المؤقت، ولكن الجيل الثالث، لا يشعر بغربة عن عيشة الاوروبيين، وتشمل هذه المجموعة الأوروبيين المتحولين هم أو آباؤهم إلى الإسلام.
إن الأسباب الاقتصادية هي من العوامل الحاسمة في هجرة المسلمين إلى أوروبا، حيث يعتمد ذلك على البلد المعني، ففي فرنسا نجد معظمهم من بلاد المغرب العربي، وفي بريطانيا أغلبهم من شبه القارة الهندية، وفي ألمانيا فإن معظمهم من تركيا والبوشناق وألبانيا، ويواجه المسلمون هنا المشكلات المختلفة مثل العنصرية والشوفينية والضغط وعدم التحمل، أما وضعهم السياسي فيسخر أساسا تجاه نيلهم للجنسية كي تجعلهم في إطار المواطنة في تلك البلدان، مثلما يحدث في فرنسا، بالإضافة إلى تقوية وسائل إعلامهم، ومن هنا فإن تنفيذ الأعمال النشطة لمفكريهم لها أهمية كبيرة بالنسبة لوضعهم في تلك البلاد.
إن وضع مسلمي البلقان كونهم سكانا أصليين في أوروبا يحظى بأهمية كبرى بالنسبة لوضع الإسلام في أوروبا، وعلاقة المسلمين ككل مع أوروبا، وخاصة مع حرصهم على الحفاظ على التراث الإسلامي رغم الضغوط من حولهم التي كادت أن تقضي عليهم في بعض الحالات كما حدث في البوسنة والهرسك، وفي ألبانيا حاول أنور خوجه ثني الألبان عن الاسلام طوال نصف قرن من حكمه الجائر.
لقد أصبح العالم الحديث أكثر ترابطا بسبب العلوم والتقنية الحديثة والاتصالات والسياسة والاقتصاد والرياضة والسياحة، وأصبح العالم يتقلص جغرافيا، ولكن مع كل أسف لم يؤد ذلك إلى تقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء أو بين مناطق العالم المتطورة وغير المتطورة، بل على عكس فقد أصبحت الفجوة أكبر، فبعد الامبريالية العسكرية جاءت الامبريالية الاقتصادية ونحن الآن نشاهد الامبريالية التقنية.
إن البعض ينظر إلى هذه الظاهرة بشكل مختلف، ويفسرها على أساس صراع بين الحضارات الغربية والإسلامية، وأشهر هؤلاء صموئيل هنتنجتون، ولكن أعتقد أن التاريخ يثبت عكس ذلك، فكثير من الثقافات عاشت جنباإلى جنب، وتمازجت وتعاونت، واستمرت في العيش، ومع ذلك فهناك اعتقاد قوي بأن تاريخ العالم يتحرك من الشرق إلى الغرب وفق ملاحظة بعض المحللين، وإن أهم التطورات في العالم تحدث وتنتقل من أوربا الغربية والسواحل الشرقية لأمريكا الشمالية إلى الساحل الأمريكي الغربي والسواحل الشرقية لجنوب شرقي آسيا، ويشمل ذلك تحرك العلوم ورأس المال والتقنية، ولكن مستقبل الشعوب يتقرر أساسا في مجال الأفكار والدوافع الروحية التي توجه الرغبات والتطلعات البشرية عالية التوعية، وذلك ما يجعلني أعتقد أن العلاقة بين الإسلام والغرب، تحديدا أوروبا، هي من أهم الموضوعات لعالم اليوم والغد.
إن الإسلام وأوروبا هما المصدران والمستودعان الرئيسان للأفكار التي تحدد سلوك غالبية الناس في عالم اليوم، وبعبارات أكثر بساطة فإن الاسلام وأوروبا بما لديهما من رصيد تاريخي وأفكار في المجالات الثقافية والسياسية وغيرها، يمثلان أساس الهوية لغالبيةالبشرية، حيث يتصل ذلك من ناحية بالاعتقاد بالله، ومن الناحية الأخرى بالأساس المنطقي التاريخي للوجود البشري في هذا العالم، وفي هذا السياق الهام للاتصال بين العالم الإسلامي وأوربا، فإن مهمة المسلمين الأوروبيين تحظى بأهمية لا غنى عنها.