إن هذا الموضوع عريض وشائك وعسير، فالأولى في مثل هذه الموضوعات أن تقام فيها ندوات يحضرها ذوو الكفاءات والتخصصات المختلفة.
فلا تنتظروا مني أن أجلو ظلمته أو أكشف غمته.
فمنذ وقع اختيارنا على هذا العنوان وأنا أردد النظر فيه حتى يكل فكري، وأعيد القراءة لعلي أتجاوز العنوان إلى تحديد العناصر الكبرى. التي نستشف من خلالها مضامين الربط والتنسيق، فلا أكاد أدون عنصرا حتى يلوح في مرآة الفكر عنصر آخر يضاهي الأول أو يزحزه ويكثر التردد بين قول وقول، ولست ممن يحسن القول ولا ممن يحسم في سلوك هذه المفازات.
ولكي أحظى منكم بوجه من المعذرة أوجه إليكم بعض الأسئلة التي اضطربت في الاجابات عنها :
- ما المراد بهذه النون في قولنا : (قضايانا) أو (واجباتنا) أو (اهتماماتنا)؟
- هل المراد بها مطلق الأفراد؟ أو المراد بها المؤسسات الوطنية الحرة والحكومية؟ أو الحكومات والدول نفسها؟
وبإجمال : هل المتحدث هنا هم الرعاة أو الرعايا؟
وهل المعنى هم المسلمون أجمعون، أو المغاربة؟ أو بعض المغاربة؟
وإذا ما وقفنا على كلمة : (القضايا) دون نونها، فإن كثيرا من الاحتمالات أيضا، تثار فيها وتعلمون أن هناك تداخلا بين القضايا العامة والخاصة والأخص منها.
- فهل المراد : القضايا الدائمة أو المتغيرة؟
- الواجبات على الرعايا؟ أو الواجبات على الرعاة؟
- هل هي الواجبات الممكنة، التي يجب البدء بها أو البعيدة شبه المستحيلة، التي ترصد ولا تهمل، وتولى من الدراسات المستقبلية ماهي جديرة به؟
- وهل ننظر في هذه الواجبات من باب درء المفاسد، وجلب المصالح؟ وما هي أولى واجباتنا في درء المفاسد، وفي جلب المصالح؟ وهل نحن على علم كاف بالمفاسد، فنحسن تربيتها؟ وعلام نرتبها؟ : على أنها ذاتية أو مستوردة؟ على أسبابها؟ أو على آثارها؟
أو بالنظر إلى إمكانياتنا وقدراتنا على مقاومتها؟ وقل مثل ذلك في المصالح!
- وبما أن الأنظار تختلف بطبعها ومؤهلاتها، فهل نتفق على ترتيب المفاسد والمصالح؟! ثم إن حصل الاتفاق فهل يُتاح للمتفقين المهتمين أن يُعمِلوا طاقاتهم المختلفة بحرية إلى أبعد الحدود المشروعة، لتحقيق المصالح على وجه الأولوية؟
إنكم تعلمون واقع المسملن اليوم في كافة مجالات هذه الحياة(2)، إن هذا الموضوع يشبه عندي سؤال ذلك الصحابي عن الساعة، فنبهه الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مقتضى الجواب، الذي يجب أن يبادِر إليه كل مهتم صادق خائف، >ماذا أعددت لها؟<.
وكما اقترب من القول في هذا الموضوع فإن حال الوهن التي رانت على أكثر قلوب المسلمين اليوم، تشوش عليّ بهذه الأسئلة : ما جدوى مجرد القول دون همّ صادق حافز، ودون إرادة صلبة، ودون إمكانات كفيلة، ودون خطط مدروسة، ودون إحاطة شاملة بمشروع العدو المهاجم، ودون استراتيجية إسلامية متبصرة واعدة.
وإن توالت هذه الأحوال المزرية، وتطاولت هيمنة الأعداء، وبقيت الهمم فاترة، فقد تتكاثف سحب اليأس، وتشتد ريح الاستسلام، ويتأثر بها بعض المهتمين، فهل يسهل على المسلمين. -حينئذ- أن يكونوا أمة ناهضة، عزيزة كريمة.
لاتنسوا أيها الاخوة أن بين يدي المصلحين الصادقين عراقيل قديمة مولِّدة، وأخرى حديثة متدفقة، بعضها داخلي ذاتي من المؤسسات الكبرى، وفي مطلق الأفراد والرعايا، وبعضها خارجي، منها المؤطر المدبر، ومنها المؤثر بالعدوى والذي يهتم بأمر المسلمين ماهي إمكاناته، وما موقعه؟.
ولكن إذا كان واجب لحظتنا اليوم هو القول، فإننا نقتحم ونقول :
أولا : إن الواجبات على رعاة المسلمين تجمل في وجهين :
أ- حماية المصالح وجلبها
ب- رفع المفاسد ودرؤها دينا ودنيا بمنهج رباني لابتخطيط علماني.
ثانيا : وإن الواجبات على علماء المسلمين تختصر فيما يلي :
1- التوحيد الفكري (الإيماني) العقدي بين المسلمين.
2- نسج خيوط التقارب الروحي، والانسجام النفسي، والتكامل العقلي بين المسلمين.
3- إحياء روح الحياء من الله، وإذكاء الإحساس بالمسؤولية الإسلامية، والتنبيه على صعوبة الموقف بين يدي العزيز الجبار.
ثالثا : وإن الواجب الأول على أفراد المسلمين، أن يطلبوا العلم الديني، علم الكتاب والسنة، واللغة العربية، ويضيفوا إليها العلوم المادية، وذلك من أجل عقيدة هادية، وعبادة مطهرة، وأخلاق كريمة، وعلاقات مثمرة، وهمم مرتقية. وهذه لعمري هي أسس القومة المباركة
رابعا : ولمن أولى الواجبات على الجماعات والهيآت الحرة إضافة إلى مايجب على الأفراد مايلي :
1- مزيد من التقارب واللقاءات والتعارف.
2- توثيق صلات التآلف والتحاب.
3- المشاورات وتداول القضايا بإجمال.
4- انتقاء مجموعات كفأة منسجمة، لرصد القضايا التي تحظى بالأولوية وتصنيفها.
5- دراسة تلك القضايا، وتقليب الأنظار فيها من جميع الجهات، وتحرير القول فيها.
6- إعداد الوسط المناسب لممارسة المقررات المحررة بالمنهج ا لرسالي.
7- المتابعة والتقويم بنفس المنهج.
وإني لما رميت بنظري إلى الآفاق أبحث عمن أحسن القول والعمل في قضايا الانسانية كلها، وفي أحوال المسلمين خاصة، لم أجد من يماثل قائد الانسانية في ذلك، ولا في غيره، فتلك سيرته العظيمة، التي تمثل منهجه في الحياة، الذي استخلصه من مواقع القرآن ومقامات السنة.
فذلك القرآن الكريم، يذكر ويعيد، أنه كلما ابتعدت أمة عن جادة المنهج، وضلت الطريق إلى النجاة، أقام الله سبحانه لها المعالم والمنارات على يد الرسل وحملة الرسالات، لتهتدي وتؤوب.
وتلك السنة النبوية التي ما فاتها دقيق ولا جليل إلا وبينت فيه القول، وهدت فيه إلى أقوم سبيل. وبما أن الرسالات السابقة على الاسلام شاء الله عزو جل أن تنسخ برسالة الإسلام الثابتة، الدائمة الشاملة، فلا أرى للمسلمين كافة، واجبا أولى من واجب التوبة من اتباع الضلالات البشرية، والتخلي عن المنهج الإسلامي المتين.
ولئن تطاولت في قولي، وتجاوزت حدي، فإني أجمل- لكل مهتم، أيا كان موقعه- أولى القضايا، أو أولى الواجبات التي سلكها رسول الانسانية، وهي على الترتيب :
1- إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
2- تربيتهم وتزكيتهم
3- تعريضهم للابتلاء والأذى لمعرفة مدى تحملهم وصبرهم.
4- تجربتهم واختبارهم.
5- تكليفهم بمختلف المسؤوليات.
6- استمرار تنميتهم وترقيتهم.
7- دوام تنبيههم وحمايتهم.
وقد أجملت القول ، ولا أدعي حسن إجماله ولا القدرة على تفصيله……