من الصفات الخلقية للداعية إلى الله:
يتبين إذن أن المطلوب توفر الدعاة على هذه الصفات الخلقية المهمة حتى يكون بمقدورهم أداء رسالة الدعوة إلى الله على بينة من الأمر وهم واثقون من نجاح دعوتهم لأنهم قدوة فيما يدعون إليه من أخلاق و فضائل وسلوك،ولذلك نحتاج إلى تربية العاملين في حقل الدعوة إلى الله تعالى على اكتساب الأخلاق الحسنة و الفاضلة لأنهم يمثلون وجه الإسلام في العالم برمته، الدين الذي جعله الله تبارك وتعالى رحمة للعالمين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}(الأنبياء :106).
وإذا كان المطلوب توفر العاملين في مجال الدعوة إلى الله تعالى على مجموعة من الصفات والخصال حتى تنجح الدعوة و تؤتي ثمارها،وهي الصفات الخلقية والصفات العلمية والصفات القيادية والصفات العملية، فإن من أهمها في حديثنا هذا الصفات الخلقية والتي جمعها صاحب كتاب (فقه الدعوة إلى الله) في ست صفات مهمة هي :الورع والإخلاص والصبر والإيثار والتواضع والإحسان.
الورع:
هو منزلة أعلى من الصلاح، والورع المطلوب في الداعية هو ورع المتقين وترك بعض الحلال خشية الوقوع في الحرام.فإذا أمكن أن يصل الداعية إلى ورع المصدقين وهو الإعراض عما سوى الله فإنه يكون قد حقق منزلة يطمح إليها المخلصون من الدعاة إلى الله.
الإخلاص:
هو لب العبادات كلها قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}(الأنعام : 123- 124) وفي الحديث الشريف الذي رواه ابن ماجة بسنده قال رسول الله : >ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم :إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم.
والإخلاص تصفية العمل من كل الشوائب، وحقيقته: التبرؤ من كل ما دون الله، أي أن الداعية إلى الله ينبغي إن يقصد وجه الله بقوله وعمله وجهاده وأن يبتغي مرضاته و حسن مثوبته، وهذا شرط أساسي في الداعية إلى الله،يؤهله للقيام بعمله بكفاءة.
الصبر:
وهو نصف الإيمان، وقد ضمن الله تعالى للصابرين المدد والنصر {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}( السجدة : 24)
الإيثار:
وهو أن تقدم الناس وتوثرهم على نفسك {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}(التغابن :16) والداعية إلى الله مطالب بالإيثار على أعلى درجاته، لأن الداعية في أعلى الدرجات بما يقوم به من عمل في الدعوة إلى الله فإنه يربي ويكون ويعد جنودا لله، يجاهدون في سبيله لا يخافون في الله لومة لائم فلا أقل من أن يؤثرهم الداعية على نفسه محتسبا أجره و مثوبته عند الله.
التواضع:
وهو خفض الجناح و لين الجانب وقبول الحق ممن كان قال صلى الله عليه وسلم :>لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر<(رواه مسلم)
الإحسان:
وهو أن يعبد الله كأنه يراه، وهو لب الإيمان وروحه و كماله، والمحسن محبوب من ربه و مجزي أحسن الجزاء قال تعالى : {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين}(البقرة :195) والمحسن في صحبة الله سبحانه و معيته قال سبحانه :{إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}(النحل : 128)
ومن الإحسان الإجادة والإتقان لكل عمل يقوم به المسلم، لأن الله تعالى كتب الإحسان على كل شيء قال صلى الله عليه وسلم: >إن الله كتب الإحسان على كل شيء<(رواه مسلم).
وكل عمل الداعي إلى الله بحاجة إلى الإحسان بمعنى مراقبة الله فيه وإلى الإحسان بمعنى التجويد والإتقان.
لقد حاولنا فيما سبق تبيان أهمية حسن الخلق في حياة المسلم بصفة عامة وأثره في حياة الداعية إلى الله بصفة خاصة لما لهذه الصفة الحميدة من انعكاسات إيجابية على مسار الدعوة الإسلامية، وتزداد الحاجة إلى حسن خلق الداعية في زمننا هذا لما يشهده واقع الأمة الإسلامية من تحولات و منعطفات انعكست سلبا في كثير من المناحي على حياة الناس بما يكفي لتشويه صورة الإسلام و المسلمين في أذهانهم، فلسنا بحاجة -فقط- لدعاة يحفظون آيات قرآنية وبضع أحاديث من سنة الرسول وبعض متون من سبق أو لحق من الشيوخ، بقدر ما نحتاج في هذه المرحلة العصيبة التي يحاصر فيها الإسلام و المسلمون إلى من تكون لديهم -بما يحملونه من علوم شرعية- القدرة الكافية على تصحيح صورة الإسلام و المسلمين في الأذهان، ومن ثم تقديم الوجه الحقيقي لشريعة الإسلام وعقيدته بالشكل المطلوب الذي يخلص الناس من آفات التيه وجهالة الفكر ويمنحهم امكانات التحكم في بوصلة الطريق إلى الله تعالى. وقد تبين لنا من خلال فقه الواقع أن بعضا من الدعاة يحتاجون إلى حسن الخلق حتى يكونوا فعلا إسوة الرسول في الدعوة إلى الله من جهة، وتنعكس على سلوكهم آثار فقههم للقرآن الكريم الذي يحمل بداخله رسالة لا مثيل لها في باب الأخلاق، وأسلوبا خاصا في صناعة الإنسان، صناعة تكشف له عن سر خلقه و تكريمه و تفضيله بل وتكليفه بما كلف به.
إن الدعوة إلى الله بحاجة ماسة في وقتنا الراهن إلى دعاة من طينة خاصة يتمثلون أسلوب الرسول في تنزيله لخطاب الله تعالى على واقع الناس بشكل يحبب رسالة الله إليهم. ولا نعتقد أن النجاح سيحالف من لا يملكون أخلاق الرسول ، النبي الصادق الأمين الذي قال الله تعالى فيه :{وإنك لعلى خلق عظيم} وقال هو في نفسه مبينا موقع الأخلاق في دعوته : >بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.