رأى الناس الصورة المخزية التي دخلت بها الجيوش الكافرة لعاصمة الخلافة الاسلامية بغداد، هذه المدينة التي كانت تضم في القرن التاسع الهجري وحدها : 30 ألف مسجد، وأصيب عدد كبير من المسلمين بالصدمة والدهشة والغرابة، أدت بهم إلى الاحباط التام وفقدان الأمل في أي نصر على العدو الأمريكي الكافر، وهذا أمر خطير جدا إذ أقل نتائجه أننا سنخلد للراحة، ونسلم بالأمر الواقع، بل ربما يشك بعض الناس في هذا الدين وذلك ما تسعى إليه أمريكا منذ زمان.
لقد مرت أمتنا بنكبات عديدة، وأصيبت بنكسات شديدة، ولكنها خرجت منها سليمة منتصرة لأنها لم تصب بالاحباط يوما، ولم تستسلم للسقوط أبدا، كانت تحاول القيام من سقطتها المرة تلو الأخرى وجيلا بعد جيل إلى أن تقوم. وأول ماكان أسلافنا يتسلحون به هو الأمل في الله عز وجل.. ولقد جاء الوقت لينفض الناس أ يديهم من كل الأصنام : الحاكمة وغير الحاكمة، ويرتبطوا بالله وحده، فإن من توكل على الله كفاه ٍ{ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيئ قدرا}.
إن الارتباط بغير الله عز وجل، والتعلق با لأشخاص أمر من السوء بمكان، ولو كان هذا الارتباط بأعظم الخلق وأشرفهم عليه الصلاة والسلام. فإن كثيرا من ارتبطوا بشخص النبي ارتباطا تقنيا ارتدوا بعد موته. أخرج البخاري في صحيحه أن أبا بكر خرج إلى الناس بعد وفاة النبي وهم لايدرون مايفعلون فخطبهم وقال : أما بعد. من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لايموت. قال الله {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين}.
إن من الأمور الأساسية التي ينبغي ألا نغفل عنها، هو ان الله تعالى يدبر هذا الكون ويسيره بحكمته وعلى وفق مشيئته وهذه مسألة عقدية خطيرة، فلا اعتراض على مشيئة الله، بل إننا لانرى في كل مايقع -حسب عقيدتنا- إلاا لخير، سواء أدركنا ذلك أم عجزنا عن إدراكه. وإن نظرة في مسيرة النبي كفيلة ببيان هذه الحقيقة، سواء حصاره في الشعب أورد أهل الطائف له عليه السلام بطريقة بشعة، أو إخراجه من بلده مكة، أو هزيمته في احد وما إلى ذلك.. ومن الأمثلة الواضحة صلح الحديبية. ذلك أن رسول الله أخبر المسلمين أنهم سيأتون البيت ويطوفون بالبيت والأشد على قلوب الصحابة من ذلك هو مارأوا من أن النبي قد رضخ لضغوط قريش وأعطى الدنية فيالصلح، فقد جاءه عمر وقال يارسول الله؟ ألسنا على حق وهم على باطل؟ قال : بلى. قال أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال بلى، قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا، ونرجع، ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ وقد تضمنت المعاهدة أن من جاء إلى النبي من المسلمين فارا من قريش رده إليهم، ومن جاء إلى قريش فارا من النبي لايردونه إليه وعم المسلمين حزن وكآبة لهذا الصلح. لكن ماهو إلاوقت يسير حتى بان بأن ما حسبه عمر وغيره هزيمة هو نصر من رب العالمين ونزل قوله تعالى {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}.
إننا أمة عمل وبناء، نعمل بمبادئنا، ونبني لأمتنا ولن يحاسبنا الله على النتائج وإنما على العمل. لما أشيع أن رسول الله قد قتل في غزوة أحد مر أنس بن النضر] بقوم من ضعاف الايمان وقد ألقوا مابأيديهم، وهم يقولون : فما مقامنا هنا إن كان قتل الرسول؟ وذهبوا يولون الأدبار. فسألهم أنس بن النضر : ماتنتظرون؟ قالوا : قتل رسول الله فقال : ماتصنعون في الحياة بعده؟ قوموا فموتوا على ما مات عليه…”
فلا ينبغي ولا يجوز أن تخور العزائم بنكسة، أوتنتهي مقاومة الطغيان بنكبة، بل بالعكس يجب أن نضاعف الجهود من أجل إصلاح الخلل حتى تعود لهذه الأمة عزتها وكرامتها. {ويقولون متى هو، قل عسى أن يكون قريبا}
إن نكبة العراق كانت شديدة على قلوبنا، قاسية على نفوسنا وإن آلامها بلغت منا كل مبلغ وإننا إذ نحتسب ذلك عند الله عز وجل نؤكد أننا لانقنط من رحمة الله، ولانيأس من فرج الله لأن اليأس والقنوط كبيرة من الكبائر، ومعصية من المعاصي. قال تعالى : {ولاتيأسوا من روح الله إنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} قال القرطبي تعقيبا على هذه الآية : دليل على أن القنوط من الكبائر، وهو اليأس. وإذا كان اليأس من رحمة الله من صفات الكافرين، فإن المؤمن الموصول القلب بالله الذي يشعر بنفحات ورحمات مولاه، لاييأس ولو أحاط به الكرب من كل جانب، واشتد به الضيق كما هو حاصل اليوم، وإن المؤمن الحق، الصادق في إيمانه ليحس أنه في أنس من صلته بربه وفي طمأنينة من ثقته بخالقه..