حرب سوريالية على العراق، “لا تُؤََشِّر فقط”، لأن مصطلح التأشير ضعيف وقاصر، بل تؤكد بأن جبار وقاهر في العالم استنادا إلى تداعيات بدء الهجوم الغاشم على العراق، وتصريحات زعماء العالم (باستثناءات جد ضعيفة) والتي بدت أربع ساعات على هذا الهجوم جد خجولة تجاه أمريكا بل مستقيلة من مسؤولياتها داخل المجتمع الدولي…
ففرنسا على سبيل المثال، الدولة الأكثر معارضة، لم تستطع أن ترقى إلى المستوى الروسي فتدين بشدة الغزو الأمريكي واكتفت بالقول، إنها تتمنى أن تتم الحرب بأسرع وقت ممكن وبأقل خسائر ممكنة!!…
واليابان التي شهدت أعنف حرب أمريكية نووية تدميرية لمدنها، سارعت لإعلان تأييدها المطلق للحرب على العراق وصرحت باحتشام أنه “كان بالإمكان تجنب الحرب، في حين أعلنت إيران أنها لن تقف لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء؟!…وسارعت باكستان إلى الدعوة لحل سلمي للأزمة وهي تعرف رسومات أمريكا بخصوص العالم العربي الإسلامي بما فيه باكستان، وتعرف أن الأمور حسمت بدقة للإنقضاض على العراق وابتلاع خيراته بعد إفناء مقاومته!!..
وحتى النساء اللواتي قال عنهن الشاعر الفرنسي الراحل “أراغون” بأنهن مستقبل العالم، فقد سارعت إحدى رموزهن النسائية لتعلن -ساعات بعد بدء الغزو وإيثارا لمنطق الحرب- بأنها تساند العدوان على العراق. ويتعلق الأمر برئيسة الفلبين!..
والكويت، يا كويت هي الأخرى، وبعد صاروخين اثنين يسقطان على حدودها مع العراق، تعلن أن الصاروخين ربما يكونان محملين بالمواد الكيماوية!! وفاء لمنطق واشنطن العدواني، والأدهى والأمر، تساؤلها بغضب عن الأشقاء العرب وصمت الجامعة العربية بخصوص هذا العدوان العراقي، مصداقا لذلك المثل العربي “ضربني وبكى، وسبقني واشتكى!!…”
ومن جهة أخرى ينتاب المرء قرف بلا حدود أمام دول عربية لا داعي لذكر اسمها، تنحى باللائمة على صدام، وكأنها لا تريد أن تعرف أن خطة الشرق الأوسط الجديدة تضعها في نفس سلة الديكتاتورية، وكأنها لا تريد أن تعرف، أن صداماً ليس عدوا لأمريكا إلا لنفطه الذي تريده كاملا، و”شعب إسرائيل” الذي تريده آمنا… وبلا نزوع استقلالي لصدام عن الشيخ بوش ومن وراءه الشيخ شارون…
ولا داعي للوقوف طويلا أمام مهزلة دولة عربية فتحت أجواءها للوجود العسكري الأمريكي جَوًّا وبرا وبحرا بلا شروط والنكتة، أن وزير خارجيتها في إشارة تبْريرية لموقف بلاده الشجاع جدا جدا صرح بأن دولته لا تؤمن بمقولة “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، كما تفعل الدول العربية الأخرى في مغازلاتها السرية لواشنطن!!
ولا ننسى دولا عربية وآسيوية دعت إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن لإيقاف العدوان، وكأنها لا تعلم أو لا تريد أن تعلم أن مجلس الأمن برمته لا يساوي في عيون أمريكا إلا صِفْرًا أعزل!!…
وغير بعيد عن السياق، فقد أضحكني، ولم يكن غير ضحك كأنه البكاء، ما استمعت إليه من محلل سياسي عربي بإحدى الفضائيات العربية، عاب فيه على الإخوة العراقيين خطابهم الحماسي، القاضي “بتمْريغ أنوف الأمريكين في الوحل”، واعتبر خطابهم جزءا من منطق البطولات الفارغة، منطق النشامى الذي لا يستقيم ومنطق العولمة، وأبجديات علم السياسة الحديث. سبحان الله، وهل ربحت أمريكا الكثير من معاركها الظالمة إلا بالحرب الإعلامية النفسية التعبوية لجنودها قبل الآخرين، والأعمق من ذلك بكثير، هو حرب الوكالة التي تخوضها العراق الآن، سواء في شقها الدعائي الشفوي، أو المادي البشري، نيابة عن المسلمين أجمعين وعرب المايكروفون (وْبَسْ) لإعادة الكرامة إلى وجوههم المهدورة العِزة منذ أحداث الحادي عشر من شتمبر، لكن كما قال الشاعر فيه وفي الكثير من المتقاعدين المتَحاشين زعل أمريكا :
ليس لجرح بميت إىلام.