عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا قــال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني، قال : >لاتغضب فردد مرارا قال : لاتغضب<(رواه البخاري).
الغضب : الغضب انفعال غريزي يعتري كل إنسان، ولايخلو منه أحد، وهذا الانفعال إذا ضبط بضوابط الشرع والعقل، يساعد الإنسان على مواجهة الصعاب والتغلب على العقبات التي تعترض طريقه ، أما إذا لم يضبط بضوابط الشرع والعقل أدى إلى الطغيان والظلم، وتجاوز الحد في معاقبة الآخرين، والانتقام منهم.ولدلك ينبغي للعاقل أن يسأل نفسه: لماذا يغضب؟ هل يغضب لله عز وجل إذا انتهكت حرماته.. وعطلت أحكامه، وبدلت شرائع دينه؟ وهجر العمل بكتابه والتحاكم إليه؟ هل يغضب إذا امتلأت بيوت المسلمين بالمعاصي والمنكرات؟ هل يغضب لخروج نساء المسلمين متبرجات متجملات متعطرات؟ هل يغضب على أهله وأبنائه إذا ناموا عن الصلاة وتركوها؟ هل يغضب على أعداء الله اليهود والنصارى إذا أعملوا في المسلمين قتلا وتشريدا؟ هل يغضب على نفسه إذا قصر في طاعة الله، وتجافى عن عبادته وذكره وشكره؟ إن كثيرا من الناس لايغضب لهذه الأمور ولايهتم لها، لأنه مشغول بحب الدنيا وجمع الأموال. وتحصيل الملذات. وكأنه خالد فيها أبدا، وبينما لايحرك ساكنا لله عز وجل ودينه وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم. بل يصبح غاضبا لماله، وجاهه، وسلطانه، ويغضب لطعامه وشرابه وشهواته.
ومن هؤلاء من يغضب ويهيج ويسب ويكسر الأواني على أشياء ليست له فيها مصلحة دينية أو دنيوية، بل إن مضرتها ظاهرة لكل مبصر كمن يغضب ويثور إذا مات أحد المعظمين لديه من أهل الكفر والفسق والفساد. كالمممثلين والمغنيين، وأصحاب الفرق من كرة القدم، التي ضاع فيها فوات الصلاة، وكمن يغضب على ناصحه ووعظه إذا أمره بالمعروف ونهاه عن المنكر. فهو دائم الغضب والغيظ والخنق لغير الله تعالى، وليت الأمر يقف عند حد الغضب والغيظ النفسي. كأن دلك مايلبث أن يزول بعد فترة، ولكن هذا الغضب يتعدى إلى الانتقام وإيداء الآخرين في أبدانهم وأموالهم، وقد يصل الحال بالغاضب إلى قتل المغضوب عليه، فكم من غاضب طلق زوجته أكثر من ثلاث ولم ينتبه؟ وكم من زوجة طلقت الطلاق من زوجها في حالة الغضب فندمت ولم ينفعها ندم؟ وكم من أب صب السخط على أبنائه كأول مرة ولم يصبر فترة؟ وكم من واحد جاءه فاسق بخبر عن صاحبه ودويه كادبا. وغضب وثار من غير أن يتحقق ولم يتدكر قوله تعالى: {ياأيها الدين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين}.
لكن إذا كانت هده هي نتائج الغضب، فإن ترك الغضب بالكلية يؤدي – أيضا- إلى نتائج سيئة فليس من الصواب أن نطالب الناس بترك الغضب كليا، فإن ذلك محال، والأولى هو الاعتدال في الغضب، بحيث لايخرج عن الحد المشروع إلى الانتقام والظلم. فمن فوائد اعتدال الغضب : الغيرة على الأعراض من زوجة وابنة وأخت وأم. وعدم احتمال الدل والأدى من أهل الخسة والدناءة والفسق، ومن فوائده الأنفة من دناءة الهمة وصغر النفس. والعمل على رياضتها كاكتساب مكارم الأخلاق، إد لاتتم رياضة النفس إلا بتسليط الغضب على الشهوة فيقمعها، فيغضب علىنفسه عند الميل إلى الشهوات الخسية.
آثار الغضب المذموم :
- على القلب: إنه يهيج ويشتد نبضه وهيجانه، وتعلوه أخلاق السفلة من الحقد والحسد والعداوة والانتقام.
- الرأس : فإن القلب يرسل إليه ذلك الدم المغلى بدخان الغضب. ويصبح مثل كهف اضطرمت فيه نار. فيفقد سلطان العقل حيث يذهب نوره بالكلية، ويصبح أحمقاً.
- اللسان : وأما أثره على اللسان. فانطلاقه بالشتم واللعن، والفحش، والحرام من الكلام الذي يستحيي منه ذو العقل بل يستحيى منه قائله عند سكون غضبه.
- الجوارح : وأما أثره على الجوارح، فالضرب والتهجم، والتمزيق، والقتل عند التمكن من غير مبالاة، فإذا عجز عن إيذاء من غضب عليه، رجع عضبه على نفسه. فمزق ثوبه، ولطم نفسه، وهناك من إذا غضب قام بتخريب وتكسير أثاث بيته.
علاج الغضب :
- معرفة أسبابه وإزالتها بأضدادها، فينبغي أن نزيل الكبر والزهو بالتواضع، ونزيل العجب بمعرفة أنفسنا.
- أن نعرف فضائل كظم الغيظ والعفو، فنرغب في ثواب ذلمك. قال صلى الله عليه وسلم : >ما من جرعة أعظم أجرا من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله<(ابن ماجة بتصحيح الألباني).
- أن نخوف أنفسنا بعقاب الله إن أمضينا غضبنا.
- أن نحذر أنفسنا عاقبة العداوة والانتقام ممن ظلمنا. فالعاقل لايعمل على تكثير أعدائه بغير حق.
- أن نشغل قلوبنا وجوارحنا بمهمات الدين ومعالي الأمور. سب رجل الشعبي عليه رحمة الله. فقال : “إن كنت صادقا فغفر الله لي. وإن كنت كاذبا فغفر الله لك”.
- أن نتفكر في قبحصورنا عند الغضب، ومشابهتنا بالكلب، ومشابهة الحليم الهادئ بالانبياء والعلماء والحكماء.
- أن نستعيذ بالله من الشيطان عند الغضب.
- أن نعلم أن ترك الغضب من أسباب دخول الجنة. فقد قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : دلني على عمل يدخلني الجنة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >لاتغضب ولك الجنة<(الطبراني وصححه الألباني).
- أن نغير الحالة التي نحن عليها حين غضبنا فإن ذلك يسكن غضبنا، ويحد من شؤونه. قال صلى الله عليه وسلم : >إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عليه الغضب وإلا فليضطجع<(أبو داوود وصححه الألباني).
- أن نسكت ولا ننظق بشيئ عند غضبنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم : >إذا غضب أحدكم فليسكت<(أحمد، وصححه الألباني).
اللهم نسألك خشيتك في الغيب والشهادة ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغنى، ونسألك الشوق إلى لقائك، واجعلنا هداةمهتدين .
< ذ. الحسين فليو <