لقد أبلغونا انه سيكون صراعا طويلا وشرسا وهذا ما حدث بالفعل . فقد دخلت الحرب الأمريكية ضد الإرهاب مرحلتها الثانية ، مرحلة اتسمت بنوبات من الجدل والإنتقادات لظروف وأحوال المعتقلين في معسكر اكس راى وقضايا حقوق الإنسان الخاصة بهم وانتقادات ايضا للفشل المحبط الذي يلاحق الولايات المتحدة في العثور على اسامة بن لادن والملا عمر .
والى جانب ذلك فانه إذا قامت أمريكا بشن هجوم على دول أخرى يشتبه في إيوائها للجماعات الإرهابية فإنها ستقوم بالتأكيد بتلك الخطوة بمفردها بدون دعم التحالف الذي ساند العمليات التي جرت في افغانستان . والسبب في ذلك هو ان امريكا وجدت نفسها تواجه خصما ايديولوجيا والذي قد تصبح هزيمته اكثر صعوبة من هزيمة العناصر المسلحة الإسلامية . وهذا الخصم قد نطلق عليه مناهضة الأمركة والذي بدأ يجتاح العالم .
والأخبار الجيدة هى ان تلك الأيام التي تمثل فترة ما بعد رحيل طالبان تعتبر فترة صعبة للأصوليين الأسلاميين .وسواء كانوا أحياء أو أمواتا فان بن لادن والملا عمر هما مثل رجال الأمس ، فرسان اشرار يدفعون الأخرين الى الإستشهاد بينما يفرون بأنفسهم الى التلال . واذا تم تصديق الشائعات المتلاحقة الحالية فان سقوط محور الإرهاب في افغانستان قد يكون قد ساهم في منع حدوث عملية انقلاب اسلامي ضد الرئيس مشرف في باكستان تقودها عناصر على غرار حركة طالبان في قوات الجيش وجهاز المخابرات ، افراد مثل الجنرال المتوحش حامد جول .
والجنرال مشرف ليس ملاكا هو الأخر فقد اضطر إلى إلقاء القبض على الجماعات الكشميرية الإرهابية والتي كان يعمل من قبل على تشجيعها ودعمها . (وقد جرى ذلك بعد مرور عامين وربع فقط على قيامه بإطلاق تلك الجماعات ضد الهند وضلوعه في ادارة الأزمة الكشميرية الأخيرة )
وعلى مستوى العالم فقد تم تعلم الدروس من وراء العملية العسكرية الأمريكية في افغانستان . فالجهاد لم يعد فكرة كما كان في الخريف الماضي . والدول التي يشتبه حاليا في دعمها للإرهاب قد اصبحت تسعى بشكل مفاجئ للتصرف بنوع من اللياقة حيث تحولت وكأنها تحاول تطويق عدد من الأفراد الأشرار . فقد قبلت ايران بشرعية الحكومة الأفغانية الجديدة وحتى بريطانيا تلك الدولة التي كانت ذات قدرة اكثر من غيرها على التسامح واحتمال الأصوليين الإسلاميين ، اصبحت تدرك الأن الفرق بين عملية مقاومة ” الخوف والوسواس من الأسلام ” ومسألة توفير المأوى الآمن لبعض من الأفراد المصنفين كأسوأ اشخاص في العالم . وقد فعلت امريكا في افغانستان ما كان يجب ان تفعله وادت مهمتها بشكل جيد . غير ان الأخبار السيئة تتمثل في انه لم يقابل اى من هذه النجاحات التيحققتها الولايات المتحدة كسب اصدقاء لها خارج افغانستان . وفي الحقيقة نجد ان فاعلية الحملة الأمريكية ربما قد جعلت العالم يكره الولايات المتحدة بشكل اكثر مما كان من قبل . وقد اصاب الغضب الدول الغربية التي تنتقد الحملة الأمريكية في افغانستان والسبب في ذلك يرجع الى ان تلك الدول قد ظهر لها خطؤها في كل خطوة ، فلم تتعرض اي من القوات الأمريكية للمهانة والذل الذي تعرض له الروس . وقد حققت الضربات الأمريكية النتائج المرجوة منها وفي المقابل لم يقم تحالف الشمال بارتكاب المذابح في كابول وقد سقط افراد طالبان مثلهم مثل الطغاة المكروهين حتى في معاقلهم بجنوب افغانستان وفي الوقت نفسه لم يكن من الصعب اخراج العناصر المسلحة من كهوفهم المحصنة وقد نجحت الفصائل المختلفة في التوصل الى اتفاق لتشكيل حكومة جديدة واثار نجاح عمل تلك الحكومة دهشة الغير .
وفي الوقت نفسه نجد ان تلك العناصر على مستوى العالمين العربي والأسلامي التي تلقي اللوم على امريكا وتحملها مسؤلية شعورهم الحالي بالضعف السياسي قد اصبحوا يشعرون الأن بذلك الضعف اكثر من اى وقت مضى . وكالعادة يعمل الأصوليون الراديكاليون المناهضون للولايات المتحدة على اثارة الغضب بشأن القضية الفلسطينية التي تواجه مأزقا . وتبقى حقيقة وهي انه لن يكون هناك شئ يساهم بشكل مكثف في تقويض الحملة الأصولية الإسلامية اكثر من مسألة التوصل الى تسوية مقبولة لقضية الشرق الأوسط . غير انه حتى في حالة حدوث تسوية سلمية لقضية الشرق الأوسط على المدى القريب فان مناهضة الأمركة من المرجح عدم زوالها . فقد اصبحت مناهضة الأمركة مفيدة جدا فهى كستار من الدخان يحجب الكثير من عيوب الدول الإسلامية وفسادها وعدم مواكبتها للدول الأخرى فضلا عن اعمال القمع التي تنتهجها هذه الدول ضد مواطنيها الى جانب حالة الجمود الإقتصادي والعلمي والثقافي الذي تعانيه . وقد اصبحت الآن كراهية امريكا مثل بطاقة الهوية ، وقد تكون كنبضات القلب فهى افعال احتجاجية وكلمات بلاغية تصل الى مستوى حرق الأعلام وتجعل الرجال يشعرون بالسعادة . وكراهية امريكا تتضمن نزعة قوية من الرياء والنفاق حيث يكون هناك شعور بكراهية كل ما تفعله وترغب فيه الولايات المتحدة وتتضمن كراهية امريكا كل عناصر ومكونات كراهية الذات ” فنحن نكره امريكا نظرا لانها صنعت لنفسها ما لم نستطع نحن ان نصنعه لأنفسنا ” . وما تتهم به امريكا الآن هوانها متعنتة ومتحجرة التفكير ونمطية وجاهلة وكل هذه الصفات يتسم بها منتقدو الولايات المتحدة حيث سيرون هذه الإتهامات اذا نظروا الى المرآة . وفي تلك الأيام يبدو ان هناك العديد من هؤلاء النقاد ومروجي الإتهامات للولايات المتحدة خارج العالم الأسلامي كما هو موجود داخله . فأى شخص يقوم بزيارة لبريطانيا و أوروبا أو يقوم بمتابعة المناقشات العامةالتي دارت هناك خلال الشهور الخمسة الأخيرة سيصدم عندما يدرك عمق الكراهية والمشاعر المناهضة للولايات المتحدة التي تسود شرائح كبيرة من السكان فضلا عن وجود هذا التوجه ايضا على مستوى وسائل الإعلام الإخبارية .
وتعتبر مناهضة الأمركة في الدول الغربية ظاهرة سيئة بشكل اكبر من ظاهرة حالة العداء الموجودة في الدول الإسلامية كما ان مناهضة الأمركة في الدول الغربية تأتي في اطار فردي او شخصي . فالدول الإسلامية لاتتقبل القوة والسلطة الأمريكية وغطرسة تلك القوة ونجاحها وفي الدول الغربية غير امريكا ينصب الإعتراض الرئيسي فيما يبدو على الشعب الأمريكي ويوماً بعد يوم وجدت نفسي اعتاد السماع الى الإنتقادات التي يوجهها سكان لندن ضد الحظ العثر الذي ألم بالمواطنين الأمريكيين .
وقد بدا بشكل روتيني التقليل من اهمية الهجوم الذي تعرضت له الولايات المتحدة . (“الأمريكان لايهتمون فقط الا بموتاهم ” ) وهناك قضايا اساسية موضع النقد وهى الوطنية الأمريكية والإنفعالية والإنكفاء على الذات . وقد يكون من السهل على امريكا في ظل المناخ العدائي الحالي الفشل في التعامل مع النقد البناء ، والشئ الأسوء من ذلك : هو قيام الولايات المتحدة بالتعامل مع العالم على انها القوة العظمى الوحيدة وهو ما تتصف به الآن لتتخذ القرارات وتلقي بثقلها وراء هذه القرارات بغض النظر عن المخاوف والعواقب التي تدركها كما هوظاهر حاليا والمتمثل في ذلك العالم المعادي لسياساتها .
وأحد الأمثلة على تلك القرارات التي تتخذها الولايات المتحدة الأسلوب الذي حددته للتعامل مع المعتقلين في معسكر اكس راى . ونجد ان تصريحات كولين باول التي اعرب فيها عن رغبته في منح هؤلاء المعتقلين صفة اسرى الحرب واعطائهم الحقوق الممنوحة للأسرى في اطار معاهدة جنيف ، تعد استجابة من رجل دولة للضغوط الدولية .والشئ الذي يثير القلق هو فشل باول في اقناع الرئيس بوش والسيد رامسفيلد بالمقترحات والتوصيات التي يتبناها .
والشئ الذي نريده من الولايات المتحدة أكثر من اي وقت مضى هو ان تمارس نفوذها وقوتها الإقتصادية بشكل مسؤول . فليس هذا هو الوقت الذي يتم فيه تجاهل باقي دول العالم واتخاذ قرار بالتصرف بشكل منفرد واذا فعلت ذلك فانها ستكون عرضة لخطر الخسارة بعد المكاسب التي تحققت.
ترجمة محمود مختار
————-
(ü)نشر بجريدة الجارديان
(üü) كاتب بريطاني من أصل هندي معروف بعدائه للإسلام صاحب كتاب آيات شيطانية.