بات واضحا للقاصي والداني أن أهداف العدوان والحملة الأمريكية لضرب العراق ليست كما تدعي إدارة الرئيس الأمريكي بوش، بأنها لنزع أسلحة الدمار الشامل من أيدي النظام العراقي الذي يعتبر – في زعم الإدارة الأمريكية- خطرا يهدد جيرانه ويهدد الأمن العالمي.
فهذا السعار الأمريكي والجموح الهائج والتهديد والوعيد والضغوط على دول العالم وعلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لم يكن لسواد عيون الدول المجاورة للعراق أو حرصا على أمنها، أو لنزع أسلحة دمار شامل من العراقيين ،وإنما كان لأهداف ومصالح أمريكية استراتيجية بعيدة المدى،يمكن إجمالها بالتالي:
السيطرة على النفط لتعزيز السيطرة على العالم
وهذا الهدف يعتبر في رأس أولويات الإدارة الأمريكية، التي يعاني اقتصادها ووضعها المالي من عجز كبير، وهي لا تجد حلا لأزمتها الاقتصادية المتفاقمة إلا بالسيطرة المباشرة على آبار النفط الغنية في العالم ، والاحتلال المباشر للعراق ووضع يدها على نفطه وثرواته، وهو ما يمهد الطريق أمامها للتلاعب بأسعار النفط العالمي بما يخدم مصالحها وهيمنتها على العالم، بعد أن كان تحديد أسعار النفط بيد منظمة الأوبك، إضافة إلى أن النفط مازال هو المصدر الرئيسي للطاقة في العالم، وسيبقى كذلك على الأقل خلال المائة عام القادمة، وكل المصادر البديلة التي تمت تجربتها، ومحاولة الاعتماد عليها لم تثبت كفاءتها كما النفط الذي تعتمد عليه الحضارة الغربية وصناعاتها.
وفي هذا الإطار أيضا، كانت الحرب على حركة طالبان في أفغانستان وإزاحتها عن الحكم والإتيان بحكومة تحركها الإدارة الأمريكية كيفما تشاء، الأمر الذي جعلها قريبة من منطقة بحر قزوين الغنية بالنفط وغيره من الثروات، والقريبة كذلك من أكبر سوق في العالم في شرق أسيا؛ ولذا فإن الوجود العسكري في أفغانستان الذي جاء بذريعة القضاء على طالبان، سيبقى ويستمر بذرائع وحجج مختلفة، وسيكون عبارة عن حالة احتلال مباشر ودائم مستخدما بعض الوجوه المحلية كديكور ليس إلا.
وسيطرة الولايات المتحدة على نفط العراق – لا سمح الله – وتلاعبها بأسعار النفط العالمي يعني إفقار الدول النفطية الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تعتبر من أكبر المتضررين من ضرب العراق.
وبكلمة فإن ضرب العراق والسيطرة على نفطه يتيح للإدارة الأمريكية التخلص من أزمتها الاقتصادية والتحكم بالاقتصاد العالمي، وكذا فإنه يعد ضربة مهمة لخصوم أمريكا أو منافسيها من الدول الكبرى ، مثل روسيا والصين و فرنسا وألمانيا.
فالولايات المتحدة التي زرعت العالم بالقواعد العسكرية وكدستها بمختلف أنواع الأسلحة المتطورة وبكميات هائلة من العتاد، تكمل مشروعها بالسيطرة على العالم والانفراد بقيادته من خلال وضع يدها على البؤر الغنية بالنفط والطاقة في العالم.
تعزيز وجود وأمن واستقرار
الكيان الصهيوني
فضرب العراق وتدمير قوته واحتلاله المباشر يعني تخلص الكيان الصهيوني من قوة عربية مهمة كان يحسب لها حسابا، ويعني التواجد العسكري الأمريكي على الحدود السورية وزيادة الضغوط على سوريا وتهديدها ومحاولة إرغامها على التخلص من دعم واحتضان فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله، والضغط عليها للدخول في تسوية مع الكيان الصهيوني بالشروط “الإسرائيلية” والأمريكية.
لذا، فإن الأصابع اليهودية ليست بعيدة أبدا عن النوايا والتهديدات الأمريكية في ضرب العراق، بل إنها محفز ومحرض دائم لها، من خلال الطاقم اليهودي الصهيوني المتعطش للدماء والسيطرة على المنطقة في إدارة بوش.
إعادة رسم المنطقة العربية بما يتناسب والمصالح الأمريكية وهيمنتها على المنطقة
وبعبارة أخرى، فإن عملية فك وتركيب تعتزم الإدارة الأمريكية إجراءها في حال حقق عدوانها على العراق أهدافه، وهذا الأمر ليس تنبؤات بعيدة ، فاللجان المتخصصة في الكونغرس الأمريكي طرحت هذه القضية بكل وضوح وناقشت أفكارا مختلفة لإعادة ترتيب وجه المنطقة في مرحلة ما بعد ضرب العراق الذي سيتم تفكيكه وتقسيمه، والسعودية – حسب التصورات الأمريكية – يمكن تقسيمها إلى عدة أقسام وتغيير النظام الحاكم فيها، وكذا الحال بالنسبة لبقية الدول الخليجية التي سيكون الحال معها أكثر سهولة، حتى المملكة الأردنية التي تعتبر صديقا تقليديا للولايات المتحدة، وحافظت على علاقاتها الحميمة مع العدو الصهيوني، فهي أيضا ليست بمنأى عن رياح التغيير الأمريكي، وهذا ما صرح به مسؤولون كبار في الإدارة الأمريكية. فكما أن أكثر من ستين عاما من العلاقات الوثيقة بين السعودية والولايات المتحدة لم تشفع لها عند الإدارة الأمريكية، وهي تتعرض الآن لضغوط كبيرة ومحاولات ابتزاز مكشوفة و تحريض وحملات إعلامية معادية، وفذا الحال بالنسبة للأردن، فعلاقته مبأمريكا و”إسرائيل” لن تعطيه حصانة أمام التغيير والاستهداف، وأوضح خطر يمكن أن يتعرض له تنفيذ أحلام شارون ووعوده الانتخابية بترحيل الفلسطينيين إلى الأردن.
بـقـلـم : عــزت الـرشــق
إسلام أونلاين