لقد منحنا الله ربنا تبارك وتعالى علينا (بحرية الاختيار) وقدرته أرادته, لنختار الإيمان على الكفر, والهدى على الضلالة, والنور على الظلام, والخلود على الفناء والسعادة على الشقاء…
ثم لنعمر بها أرض الخلافة ومملكتها الممهدة الميسرة المبسوطة كما هو سبحانه يشاء ويرضى
ولكن الغاية المقصودة والهدف الأعلى في نهاية الأمر وخاتمة المطاف يحب وينتظر منا أن نتنازل بكمال إرادتنا وتمام حريتنا حتى عن هذا (( الجزء الاختياري)) كما يسميه مصطلح علم العقيدة الإسلامية نعطيها له عز وجل مشكورين مسعودين, ونسلمها إليه بعزة وسرور, مسجلين على أنفسنا أروع انتصارات الإرادة الإيمانية اليقينية في سبيل رضوان الله جل وعلا, ذلك لأنه تعالى أراد أن يبتلينا بهذا الاختبار الفذ في هذا الكون الموقوت إلى أجل مسمى.
فمثله- والله المثل الأعلى- كمثل أب يعطي ولده هدية جميلة أو لعبة مشوقة أو أي شيء مرغوب محبب إليه ثم يطلب منه – امتحانا واختيارا- أن يعيده اليه فتراه يمتنع كل الامتناع ويتمسك بها كل التمسك, رافضا إياه بقوة وجد وكأنه ملكه ا لخاص له… دليلا صارخا على طفولته وسذاجته وجهله وأنانيته وسلطان غريزته فيه, فلا يقبل بسهولة إعادته إلى أهله وصاحبه ومالكه.
وهكذا كذلك ربنا سبحانه وتعالى, فهو يمتحننا وقد منحنا وآتانا كل شيء… ليرى- وهو أعلم بنا من قبل ومن بعد – ماذا فعل؟ وكيف نتصرف؟ ومن نختار؟ وكيف نرضيه؟ وهل يسمح لنا عقلنا وحبنا وإرادتنا أن نعيد ما أعطينا؟ ونرجع ماقدمه لنا ربنا ابتلاء محضا واختبارا مقصودا؟
فمن وفقه الله وهداه, واختار حب ربه ورضوانه عن قتاعة وإيمان وإيثار فقد أفلح وفاز ونجح.
ومن لم يحالفه التوفيق وأخطأه الهدى فتمسك به ايما تمسك عن بخل وحرص وأثرة فقد بار, وخسر, وضاع.
علىأنه وليكن معلوما عندنا وهو معلوم حتما لايحتاج إلى برهان أو دليل: أننا جميعا في كلا الحاليين سواء شئنا أو أبينا, ينبغي أن نعطي ما أخذناه وأن نسلم ما تسلمناه.. فالملك ملك الله(( والله ميراث السماوات والأرض)) وقد سبقنا , فلم يأخذوا معهم ماآتاهم الله من كل شيء إلا مترا من قماش يستر عوراتنا وشبرا من الأرض يحفظ حرمتنا.
ولكن للإختيار الحر للطاعة والحب والعبودية برضا وشوق معنى أجمل وأكرم وأمجد عند الله وعند الملائكة وعند عباده المحبين العارفين. فهو يدل على الرجولة الكاملة بل يدل على الانسان الكامل, بل يدل بالأحرى والـأولى على حقيقة المسلم الحق والعبد الأعظم.
أما غيره من سواه فهو يتأرجح كالمرجوحة الرقاصة بين الطفولة الإنسانية والحماقة الخاسرة.
وهنا – إذا – يمكن سر السباق للإنسان في عالم المعنويات الجليلة وقد بسط الله له الدنيا بأسرها وبكل أحوالها وأوضاعها.. حلبة ممتازة فريدة لموسم واحد فقط غير قابل للإعادة والتكرار.
ذلك لأن الأمر جد لاهزل, والأمر حقيقة لاوهم.
ولذلك يين البيان السماوي الموحى إلينا من كتاب الله المكنون مشجعا ومبشرا ومثيرا للاشواق والهمم فقال جل شأنه: (( والسابقون السابقون أولئك المقربون)) سورة الواقعة.
فالنهاية والهدف والغاية والمرمى بل الخط الختامي المرسوم لهذا السباق الإلهي الميمون هو:
(( القريبة الخالدة السعيدة في ظلال الله ))
فمن شاء فليتقدم.
ومن شاء فليتأخر.
وما خسر من خسر إلا المعرض والمدبر, والهازل والملتهي أو المنحرف أو القار.
أما العاقبة الكريمة السعيدة الكبرى دائما فهي لأحباب الله وأوليائه وأصفيائه, وعباده الصالحين العارفين المجاهدين.
ملحق:
وهذا هوالمفهوم الصحيح الدقيق لدي لكلمة (( الإسلام)) في أحدث تعريف من تعاريفي وتواصيفي له والله أعلم.
وعلى هذا الأساس وهذه النظرية الجديدة نقول ونعقب على ماسلف بيانه في هذا الفتح الرباني: أن من لم يبلغ مبلغ الرجال بأن يعطي اختياره باختياره المحض عن إيمان وتسليم وحب ويقين إلى ربه الحبيب الكريم عز وجل.. فهو لايزال طفلا, غريرا, لاهيا, لاعبا, هازا, غافلا, لم يستطع أن يتجاوز مرحلة طفولته وفطامه بعد, وأن كان ملكا معظما استولى على عرش او فارسا بطلا على سرج سابح, أو عالما بليغا يعتلي منصة أو منبرا.
اجل إنه – وهو في تلك الحالة – لما يزل لم يكبر ولم ينضج. وكفى به تخلقا وضياعا. وكفى به حرمانا وخسرانا في هذا السباق العظيم المؤقت حيث ينتهي -بعده- كل شيء وتفلت كل فرصة وقد أسدل الستار وأطفئت الأنوار ثم أغلقت الأبواب..فلا يعاد ثانيته ولايكرر كرة أخرى.. فيا للحسرة الكبرى.
> عابدين رشيد (العراق)