الكنز لم يعد موجوداً واللص هذه المرة ليس بشرا ولا آلة وإنما هو الإهمال، ومصالح الحفاظ على هذا الكنز كأنها محايدة للقضية، فاس مدينة أثرية وعلمية هذا هو الشعار المتداول على الألسن فقط، سمعنا مرات أن هذه المدينة مصنفة دوليا في قائمة التراث العالمي، وتلقت المصالح المعنية أغلفة مالية متعددة لانقاذ مدينة فاس العريقة في بحر من التلاعبات الإدارية. الأموال التي تلقتها هيئة انقاذ مدينة فاس أين وصل عملها اللهم بعض الترميمات السطحية والقريبة من المسالك التي يمر منها المسؤولون أحيانا. فعلا مدينة فاس غارقة في استقبال الهجرة القروية بعد سنوات الجفاف المتواصلة، الأمر الذي شوه وجه هذه المدينة من جهة، ومن جهة أخرى تجنيد اليد العاملة المتوفرة لإقامة مشاريع البناء العشوائي بتواطؤ مع بعض منعدمي الضمائر. هؤلاء الذين اتخذوامناصبهم مسلكا للثراء على حساب المواطنين الذين أدوا الثمن غالياً من جراء امتلاكهم شققاً سرعان ما أصبحت مقابر إثر إنهيار عمارة بالحي الحسني والأمثلة لا تعد ولا تحصى. فأصبحت فاس محاصرة بحزام البناء العشوائي والشوارع المتربة المظلمة التي تشكل خطرا على المواطنين. مما أدى إلى ميلاد أوكار الشر وقطاع الطرق لدرجة تفوق التصور.
الكنز بد أ يتهدد رغم “الالتفاتات” المتكررة لإنقاذ المعالم التاريخية التي تعيد هيبة المدينة، أين “أبطال” الثقافة؟ فمن الصعب أن نراها تحتضر في غياب الإسعاف العاجل، عار أن نرى مدينة كفاس تعود للخلف لتفقد طابعها الحضاري والثقافي والعلمي كأنها لم تكن بالأمس القريب عاصمة علمية تستقطب الزوار من كل أنحاء المعمور مما نشط الحركة السياحية والعلمية، لا مفر من التدخل بسرعة للحد من هذا الإهمال وإمعان النظر في الحقيقة المخزنة. إن الإتلاف العمراني أو فوضى السكن حمّل المواطن عبء الخوف من انهيار شقته نظرا للغش والعشوائية. إن أرواح المواطنين أصبحت لا تهم من يملأون حساباتهم البنكية على حساب الدمار والخراب واسترخاص حياة الأبرياء. هذه حرب عمياء يقودها بعض السفهاء، والضحايا طبعا المنحدرون من البادية نتيجة الجفاف. هؤلاء البشر الذين اتخذوا من أبنائهم بضاعة تدر عليهم بعض المال. هؤلاء الأطفال الذين حرموا من التعليم وادمجوا قهراً في سوق العمل. الشيء الذي ساهم في الجهل والتعذيب لهؤلاء الأطفال الأبرياء، وهل يتوقع أحد الغد الذي ينتظرهم.. طبعا لا أحد يتكهن بالنتائج.. لكن بعضها بدأ يظهر بجلاء بعدما كبر الجيل الأول وأصبح في مستوى “الانتقام” والرد على هذا المجتمع الذي لم ينصفه يوم كان في حاجة للتعليم واللعب كباقي الأطفال. هذه ظاهرة خطيرة. من حين لآخر تتوتر الأعصاب بين فئتين فليعب الجهل والفقر دوره لتتطور المجادلات إلى مبارزة قاتلة بالسلاح الأبيض يذهب ضحيتها المئات من الشباب اليافع رغم التحركات الأمنية وتدخل السلطات المحلية. لابد أن تعمل كل الجهات الحكومية والمدنية ووداديات الأحياء وفاعلو الخير على معالجة ظاهرة العنف حتى نسيطر على الموقف. لابد من حد للهجرة والبناء العشوائي والصمت عن المنكر والتآمر على مصالح الوطن.
إن المواطن يخجل من ذل الإهمال الذي أصاب مدينته، حتى السواح بدأوا يتخوفون من السطو ويشكون في صحة ومتانة مآثرنا التاريخية، لابد من ترميم عاجل لكل المعالم بما فيها البعيدة عن العيان.
على واحد منا مسؤولية الحفاظ على هوية هذه المدينة التي أعطت للوطن فطاحل المقاومة ومشاهير العلماء والأدباء والفنانين “حرام أن تنتهي الحفلة بكارثة” شبابنا واع بالأمر ينتظر الالتفاتة والعناية ليعود لنفسه وحقيقته. لا أحد في هذه الدنيا يختار الجحيم إلا إذا أرغم عليه. كل هذا يحصل في غياب دور الشباب وملاعب كرة القدم وإدماج الأطفال في التعليم كي نتفرغ لبناء المدينة من جديد بناء ثقافيا حضاريا أخلاقيا. لابد من استقطاب مستثمرين للحد من البطالة أو التقليل من وطأة الفقر على الأقل. إن حدة البطالة في العاصمة العلمية تُؤجج الشر وتخلق منحرفين ومشردين وقطاع الطريق وملاحقة السواح والنهب في أسواق مزدحمة وفي حافلات النقل الحضري، إن زمن المعجزات ذهب وولى “والباقيات الصالحات” هو العمل الصالح. بقي لنا أن نتصرف كل على طاقته وبمعرفته وأسلوبه كي ننقذ مدينة فاس بشريا أولا لأنه هو الأهم ثم نفكر بعد ذلك في الأسوار والمعالم والمدارس، العنصر البشري هو الطاقة الفعالة في كل مجتمع صالح، ولابد من بناء أخلاقي للتجاوب مع هذه المطالب. إن لغة الشارع الفاسي تغيرت بالمرة حتى عدنا لا نفهم مصطلحات الشباب والتي تكتسي طابع السفاهة والفجور، هؤلاء الشباب حاولوا الدخول إلى قلوبنا لكنهم وجدوها مغلقة، حاولوا الاندماج ففوجئوا بالتصدي، الأمر الذي دفعهم للسكر والتخدير بقوة للهروب منا واتخذونا أعداء دون خصام. نحن من دفعهم للبلاء بصمتنا عن حقوقهم المشروعة وعدم توفير منصب شغل. أليست هذه دوافع لحقدهم علينا؟ من الإنسانية أن نحاورهم ونساعدهم ولو بالموعظة والعطف لأنهم مواطنون كباقي عباد الله ومن الممكن إصلاح العديد منهم لو نساعدهم على الإصلاح.
الصورة بدأت تتآكل ونحن ننتظر في صمت، نساهم في اندحار الأخلاق نملأ المدينة باللافتات نكتب شعارات ولا ندخل عمق القضية بالعمل والفعل والحركة، الشباب انهار وهو في حاجة لبناء مستقيم يعيد له دوره الذي خلق من أجله. حماية شباب فاس هي حماية فاس لأنه الطاقة التي تحرك المدينة اقتصاديا في مركبات الصناعة التقليدية والصناعة الحديثة بسيدي ابراهيم وعين نقبي،محن كبيرة وحلول منعدمة وشباب غريق يطلب النجدة، فهل هناك من يكون له الشرف في إنقاذ مايمكن إنقاذه بعد الحالات التدمرية التي راح ضحيتها عدد كبير من الشباب العاطل وأصبحوا مشردين في الشوارع يكسبون من الحلال والحرام لأجل العيش والاستمرار؟؟.
بوصف لحسن