لقد كتبت البطار أو البطاريون أو من يكتب لها، أو لعله اسم مستعار، لست أدري، أقول كتبت “تلك” مقالين في الرد علي في “الأحداث المغربية”، فكتبت في الرد “المعركة تحت راية البخاري!!، وأرسلت به إلى “الأحداث”، وانتظرت طويلا، فلم ينشروه، لأن فيه فضيحة لهم ولأعوانهم من شياطين الإنس والجن
لقد انتهى التواقح بالطاعنة على الإمام البخاري، بعد ادعائها البصر بالحديث وعلومه، إلى ادعاء التجديد زورا وبهتانا وذلك صريح قولها الذي نربأ بالقلم أن ينقل منه حرفا، بيد أننا في مقام المناضلة والحجاج، والمنازعة واللجاج، فلابد من حكاية كلام الخصم، حذو القذة بالقذة، قالت “المجددة” بعد أن أتحفتنا بمعايير وأسس التجديد في الدين، وبعد أن أقرت عيوننا بما يجب أن يكون عليه المجدد -: “… وعملا بهذه القواعد العلمية التي أثبتها الشرع الإسلامي، وبينها علماء الأصول، سنعمل إن شاء الله على متابعة نقد أحاديث البخاري، ومن قلده ومن جعله صنما، أولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه… والعياذ بالله، ولم لا، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة وجود من يجدد على رأس كل مائة سنة، ولا يتبع وإنما يخترق ويكسر الجمود السلفي الاتباعي، ويهدم أركانه وأسسه الذهنية اللاشرعية المنبوذة عقليا، لقد تحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر تجديد الدين، ولم يخل عصر من الأعصار، ولا جيل من الأجيال، من حجة الله، قائم بتمحيص الروايات المنقولة، ومن كشاف للحقيقة الدينية، لا تهدأ نفسه ولا تلين إلا بمشاهدة الحق وسطوع أنواره…”، إلى أن قالت: “… والبخاري نفسه لم يقبل جميع الروايات التي سمع، وإنما ميز وأخذ منها ما رأى فيه ما يوافق موازينه وعقيدته، وسمى ما لم يوافق مذهبه: “ضعيفا” أو “متروكا” … ونحن كذلك لنا الحق في الأخذ من رواياته ما يتلاءم مع الشمائل المحمدية والقواعد والأصول العلمية ومع القرآن وندع ما تم تلفيقه، وما ظهر سقم معناه في الروايات الموجودة عنده في صحيحه، أو في غير صحيحه”
وهكذا قررت الكاتبة أنها ماضية في نقد أحاديث البخاري وأن الباعث لها على ذلك، إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بضرورة وجود من يجدد الدين على رأس كل مائة سنة، أفليس هذا ادعاء للتجديد؟!! وفيم التجديد؟ أليس في التصحيح والتضعيف، والتعديل والتجريح؟ أو ليس في فهم الأحاديث فهما “معاصرا” “حداثيا” ينزع عنها الهيبة في نفوس المؤمنين، وترضى عنه بعض المنظمات الدولية التي تتبرم مما في بعض السنن من تشريع في الصداق والقوامة والولي، والزنا…؟ !!
وكم في “الدنيا” من مضحكات
وحسبك “البطار” فيها(1)؟!!
وأنت أيها القارئ الكريم، فلا يذهبن عنك أن الكاتبة ادعت “التجديد”، وقد تَسَوَّرَتْ على ذلك، وهجمت عليه بالباطل والبهتان، فمن باطلها في ذلك:
1- دعواها أنها أهل للتصحيح والتضعيف، لأن معرفتها بهذا الشأن تامة، وعلمها فيه إليه المنتهى، واحتجاجها برد مقالة ابن الصلاح في إغلاق باب التصحيح في الأزمنة المتأخرة، ونحن نقول: فأما ادعاؤها أهلية التصحيح والتضعيف، فظاهر البطلان، ذلك لأنها لا تعرف التخريج ولا التبويب ولا التعليق، وغير ذلك من مبادئ هذا الفن، فكيف بتلك الدقائق التي لا يسمو إليها إلا الكُمَّل من المهرة الكرام البررة، وقليل ما هم، وأما قولها إن ابن الصلاح غلق باب التصحيح، وأن بعض الأئمة اعترضوا عليه في ذلك، فهو صحيح بالنسبة إلى فهمها القاصر، وجدها(2) العاثر، ذلك أن الذي حققه السيوطي أن “لا مخالفة بين قول ابن الصلاح، وبين فعل أهل عصره ومن بعده، وأن الفريقين لم يتواردوا على محل واحد، بل ابن الصلاح مانع من التصحيح لذاته، وهؤلاء مجوزون التصحيحلغيره، وابن الصلاح لا يمنع ذلك”، ولقد أطال السيوطي النفس في تقرير هذا المعنى بما لا مزيد عليه في رسالته النافعة الماتعة التي حقَّقتُها في سن الحداثة:”التنقيح في مسألة التصحيح”، فلتنظرها من هجمت على “التجديد”، لتستكمل أدوات”التحديث”
2- كذبها على بعض أهل العلم، وتزيُّدُها عليهم، وتقويلها الأئمة ما لم يقولوه: فمن ذلك: قولها:”… وفي القرن السابع كان ابن تيمية فبحث وجدد، وأعلى من شأن العقل كما أمر الله تعالى…” وقولها: “إن المجدد في الدين مأمور شرعا بإعلاء شأن العقل، وبتقديمه على النقل”، ثم نقلت عن ابن تيمية أنه قال: “فلا يعلم حديث واحد يخالف العقل أو السمع الصحيح، إلا وهو عند أهل العلم ضعيف، بل موضوع، بل لا يعلم حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي أجمع المسلمون على تركه إلا أن يكون له حديث صحيح، يدل على أنه منسوخ ولا يعلم عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح أجمع المسلمون على نقيضه، فضلا عن أن يكون نقيضه معلوما بالعقل الصريح البين لعامة العقلاء، فإن ما يعلم بالعقل الصريح البين، أظهر مما لا يعلم إلا بالإجماع ونحوه من الأدلة السمعية”.
وأعجبُ أحوال الكاتبة عندي، حالُها هنا إذ هي تحتج بابن تيمية، وهي هي الكوثرية الزاهدية؟!! فكيف يكون هذا؟!! والكوثري يقول في ابن تيمية:”إن كان ابن تيمية لا يزال يعد شيخ الإسلام، فعلى الإسلام السلام”، ويقول فيه أيضا :”ولو قلنا لم يبل الإسلام في الأدوار الأخيرة، بمن هو أضر من ابن تيمية في تفريق كلمة المسلمين لما كنا مبالغين في ذلك…” (انظر مقدمة شرح العقيدة الطحاوية ص:47 و 49). أو تدرين من نقل ذلك عن الكوثري؟!! إنه شيخك الألباني؟!! ومن أطرف الطرائف: ألبانية كوثرية تيمية!! وليس – والله يتخالجنا شك في أنك لست من هؤلاء في كبير ولا صغير، وأن هؤلاء برآء منك، بلى أنت “حداثية” “عقلانية”، فبينك وبين هؤلاء مفاوز!!
وحقيقة الحال في موقف ابن تيمية في العقل والنقل، هو ما عبر عنه بقوله: “إذا قيل تعارض دليلان سواء كانا سمعيين أو عقليين، أحدهما سمعيا والآخر عقليا، فالواجب أن يقال: لا يخلو إما أن يكونا قطعيين أو يكونا ظنيين، وإما أن يكون أحدهما قطعيا والآخر ظنيا، فأما القطعيان فلا يجوز تعارضهما سواء كانا عقليين أو سمعيين أو أحدهما عقليا والآخر سمعيا، وهذا متفق عليه بين العقلاء، لأن الدليل القطعي هو الذي يجب ثبوت مدلوله، ولا يمكن أن تكون دلالته باطلة… وإن كان أحد الدليلين المتعارضين قطعيا دون الآخر، فإنه يجب تقديمه باتفاق العقلاء، سواء هو السمعي أو العقلي، فإن الظن، لا يدفع اليقين، أما إذا كانا جميعا ظنيين، فإنه يصار إلى طلب ترجيح أحدهما، فأيهما ترجح كان هو المقدم سواء كان سمعيا أو عقليا… (درء تعارض العقل والنقل (1/79-80))
والكاتبة – لندامتها وقلة بضاعتها في العقليات والسمعيات- لن تفهم هذا النص الجامع لشيخ الإسلام ابن تيمية، حتى تكون فيمن يختلف إلينا من طلبة كلية بني ملال – الذين أحسنوا فهم اصطلاح الترمذي في التحسين والتصحيح!!
بيد أننا سنتحفها بتقريب هذا النص الجامع المانع، تكرمة لها، كيف وهي “مجددة هذا الزمان”!!
ولنستمد شرح نص ابن تيمية، من بحث الدكتور سعيد شبار، الذي أحسن وأفاد في إفهام ما التبس، من كلام شيخ الإسلام، وذلك من خلال هذا الرسم البياني :
ومجموع الأدلة – كما يقول الدكتور المذكور آنفا – أربعة:
- الدليل القطعي السمعي، أرمز إليه بـ (ق س)
- الدليل القطعي العقلي، // // (ق ع)
- الدليل الظني العقلي، // // (ظ ع)
- الدليل الظني السمعي، // // (ظ س).
وهذه الأدلة الأربعة قد تتعارض مع أدلة أخرى، لا تزيد عن 16 دليلا، وبيانها يكون على هذا النحو:
1- الدليل القطعي السمعي:
(ق س) (ق س) ممتنع
(ق س) (ق ع) ممتنع
(ق س) (ظ س) (ق س)
(ق س) (ظ ع) (ق س)
2- الدليل القطعي العقلي:
(ق ع) (ق ع) ممتنع
(ق ع) (ق س) ممتنع
(ق ع) (ظ ع) (ق ع)
(ق ع) (ظ س) (ق ع)
3- الدليل الظني السمعي:
(ظ س) (ظ س) ترجيح
(ظ س) (ظ ع) ترجيح
(ظ س) (ق س) (ق س)
(ظ س) (ق ع) (ق ع)
4- الدليل الظني العقلي:
(ظ ع) (ظ ع) ترجيح
(ظ ع) (ظ س) ترجيح
(ظ ع) (ق س) (ق س)
(ظ ع) (ق ع) (ق ع)
(انظر النص الإسلامي في قراءات الفكر العربي المعاصر ص: 42-43)
وبهذا يندفع ادعاء الكاتبة أن ابن تيمية يعلي من شأن العقل مطلقا، ومما يزيد ذلك تهافتا وسقوطا أمران:
< الأول : أنه إذا تعارض دليل قطعي عقلي – عند ابن تيمية مع دليل سمعي، فإنه يصار إلى الدليل القطعي العقلي – و عسى أن تفرح الكاتبة بذلك – بيد أن ابن تيمية يستدرك فيقول: “تقديم القطعي لكونه قطعيا لا لكونه عقليا، ولا لكونه أصلا للسمع” (درء تعارض العقل والنقل (1/80))
< الثاني : الحالات التي يمتنع فيها تعارض الدليلين أربعة؛ كلها في القطعيات، ويمكن تتبعها مما سلف، ولذلك يقول الحافظ ابن خزيمة: لا أعرف أنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحين متضادين؛ فمن كان عنده شيء، من ذلك، فليأتني به لأؤلف بينهما” (انظر فتح المغيث للسخاوي(3/71) قال السخاوي معلقا على قول ابن خزيمة: “وانتقد عليه بعض صنيعه في توسعه” يعني في التأويل
3- دفعها للحديث الصحيح:” إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما، اتخذ الناس رؤوسا جهالا، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا”.
ونحن هنا لن نعبأ بحكم الكاتبة على هذا الحديث بالوضع -وذلك من المضحكات المسليات – لأن الحديث صحيح رغم أنفها، وحسبنا هنا أن نكشف للقارئ الكريم لم أقدمت الكاتبة على هذا الصنيع، وما أخال اللبيب من القراء، والأريب منهم، إلا قد فطن للسر المكنون، ذلك أن الكاتبة لا حظ لها من العلم الشرعي، وليس عندها منه إلا غبرات(3)، زعمت أنها تسعفها في “التجديد”، و”التحديث” و”نفي الكذب عن رسول الله”، فلا جرم أن تدفع كل حديث فيه التنفير من اتخاذ أمثالها مراجع للافتاء والتعليم والإفادة، فإذا سقط حديث قبض العلم، تصدر الجهلة المتعالمون، ورأستهم الكاتبة !!
وأنت أيها القارئ الكريم، فدعك من تخاليط” المجددة”؛ في حديث قبض العلم، وأن عائشة رضي الله عنها أنكرته، وأن فيه ظلما للعباد إلى آخر ما ذكرت، فإن أهل العلم قتلوا الحديث المختلف فيه بحثا، وأوسعوه شرحا، ودونك “فتح الباري” (13/282-290)، فقد جود الحافظ ابن حجر الكلام عليه حتى أربى على غيره في ذلك، فاظفر به تربت يداك.
4- متابعة الكاتبة لمن تجاسر على حمى الصحيحين، فتكلم في حديث أو أحاديث وردت فيهما، كمحمود أبي رية الطاعن على أبي هريرة في “أضواء على السنة المحمدية”، و”شيخ المضيرة أبو هريرة”، والمفتري على البخاري لأخبار لأخطام لها ولازمام، وردت في كتب لا حفل بها، كشذرات الذهب، والسيرة الحلبية، وربيع الأبرار، والمضاف والمنسوب للثعالبي…(أضواء على السنة المحمدية (ص:16)).
ولقد والله أحسنت الكاتبة – أو من يكتب لها، لأننا لا ندري أبطار هي أم بطاريون؟- صنعا بذكرها مصادر استمدادها، إذ كشفت لنا عن علة بلواها، وذلك يبعثنا على أن نقول: البلاء من أبي رية الهالك في أبي هريرة !!
وأما من سردت الكاتبة أسماءهم من المنتقدين لشيء في الصحيحين، أو أحدهما، فليس الأمر على ما قدرت وتخيلت، إذ لهؤلاء النفر من أهل العلم أنظار خولفوا فيها، وهم مع ذلك يعظمون “الصحيحين”، ولم يثبت قط أن واحدا منهم سب البخاري أو مسلما، كما هو مشهور صنيعك، ومرذول قولك !!
ثم إذا نحن تنزلنا للكاتبة، فقلنا: إن هؤلاء يطعنون في “الصحيحين”، وهم العلماء – خلا أبارية – أ فيجوز للكاتبة أن تقتدي بهم؟ !! أهي من أهل العلم؟ !! سبحانك هذا بهتان عظيم !!
والكاتبة لا تفتأ تذكر الألباني، تريد أن نقع فيه، ونحن نقول لها: والله لن نُنِيلَك طِلْبَتَكِ، ولن نسعفك في رغبتك، فنذكره بما هو أهله، ونترحم عليه، ولا نجفو عنه ولا نهلك فيه.
ومن أعظم التوبيخ، تشييخ من لا يصلح للتشييخ !!
على أن أعجب ما في حال الكاتبة عندي: ادعاؤها “التجديد” لبضعة أحاديث في البخاري لم تفهمها فنقدتها !! وإذ برزت علينا الكاتبة بهذه الدعوى فلا مناص من أن ندخلها في طبقات المحدثين أو المحدثات ونقول:” “الشيخة المسندة”، و “المحدثة الراوية الناقدة” و”المصلحة الهادية المجددة”؟ !! ثم نفاخر بها أهل المشارق، ونباهي بها في المجامع الفقهية العالمية في جدة والبحرين، والهند، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، ونزهو بها في مجامع اللغة العربية، في القاهرة ودمشق وغيرهما، ونفاخر بها في المراكز والمعاهد الإسلامية التي لها ولع “بالتجديد” و”إسلامية المعرفة”، في أمريكا وأوروبا ونملأ الدنيا بخبرها !! ولعمر الله لئن فعلنا ذلك، لضحك الناس منا، ولسخروا بنا أن توجد فينا “مجددة” لا تعرف معنى التعليق الممرض من التعليق المجزوم !!، ولا تعرف أن شيخها الكوثري معظم لصحيح البخاري. الذي يقول فيه: “إن الجامع الصحيح للإمام الحافظ أمير المؤمنين في الحديث أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري مفخرة خالدة للأمة الإسلامية، حيث احتوى أصح الأحاديث ثبوتا عند العلماء الأعلام…” (مقدمات الكوثري ص: 378).
واعتبر أيها القارئ الكريم ما ذكرته لك من أن الكاتبة ليست من أهل التجديد، بقراءة ردودها على خصومها، فإنك واقف منها على سب كثير، وشر مستطير، بكلام واه سخيف، لا ينهض ولا يتماسك، بل هو مضطرب النسج، مبتذل المعنى، سوقي ساقط. وعامي تافه، والكاتبة كلما أمعنت فيه، سقطت من أعين الناس، فلتستكث أو تستقل، فقد سقطت !! فقط سقطت !!
د. محمد بن زين العابدين رستم
—————
1 – هذا البيت غير متزن لمعنى لا يخفى على الأريب اللبيب
2 – الجد: الحظ
3 – الغبَّرات: البقايا.