س : كيف يمكن أن تقدموا مسيرة الأدب الإسلامي في العصر الحديث كماً وكيفاً؟
ج : في الواقع إن هذا السؤال طويل عريض لكن أقول ما يشبه الانطباع عن مسيرة الأدب الإسلامي المعاصر.
إن مسيرة الأدب الإسلامي ولله الحمد يمكن القول عنها بأنها على خير على وجه العموم، فمنذ أن قيّد الله لِهذه الأمة أن تدخل في مرحلة الصحوة، رافق هذه الصحوة صَحْوة في ميدان الأدب، فشمر عدد من الأدباء الاسلاميين على ساعِد الجد لإبداع أدب إسلامي أصيل لا ينتمي إلا لنفسه، وهكذا كما تعلم فإن الحصيلة جَيِّدة، فهناك عشرات من الأدباء يكتبون في جميع الأجناس الأدبية برؤية إسلامية من رِوائيين وقَصّاصيين ونُقاد ناهيك عن الشعراء فهم كُثُر لأن الأمة العربية هي أمة شعر، وهناك منابر إعلامية للأدب الإسلامي كالمشكاة ا لمغربية ومجلة الأدب الإسلامي وغيرهما وهناك قبل كل هذا رابطة الأدب الإسلامي العالمية، إلا أن المسيرة تحتاج باستمرار إلى جُهودٍ وجهود، فثمة مشاكل تظهر بين الحين والحين منها مثلا ما تعرفه القصيدة العربية من انعطاف، نحو ما يسمى قصيدة النثر التي هي ظاهرة أدبية غربية وخطيرة على الأدباء الإسلاميين أن يتحمّلوا مسؤولية تصحيحها وليس غيرهم بأقدرَ على ذلك، لأنهم أصحاب الأصالة والتراث والمحافظين على الوجه الحقيقي لأدب اللغة العربية، فهذه مسألة تحتاج إلى جُهود تنظيرية وإلى جهود إبداعية لتصويبها، ثم هناك بعض الأجناس الأدبية التي لازالت تشكو من الفقر الإبداعي مثل ما هو حاصل في المسرح، فلحد الآن أنا أعتقد أنه ليس لنا نصوص مسرحية إسلامية نطمئن إلى جودتها بالدرجة التي يمكن أن تكون مؤسسة لمسرح إسلامي جيد، فهذا الميدان مازال فقيرا، كذلك الرواية فهي أيضا وإن كان هناك بعض الإنتعاش فإنه يبقى محدوداً، إذن فلابد من التركيز على الرواية والقصة والمسرحية وما إ لى ذلك، أما الشعر فهو ديوان العرب، وهو لله الحمد بخير، ويمكن القول عنه إنه يهز الشعر الحداثي كمّاً أما كيفا، فنحن نعتبر أن شتان بين الشعر الإسلامي الملتزِم بأمور وقضايا الأمة وبين هذا الشعر الحداثي الغارق حتى أذنيه في الهواجس الذاتية الضيقة المرضية، فالشعر الإسلامي حقيقة يتربع على عرش الشعر العربي والإسلامي.
س : لنَعد إلى المسرح الذي هو مزيج بين النص الأدبي المكتوب والفُرجة التي تبدو في الأداء المسرحي، كيف تُقَوِّمون التجربة الإسلامية المسرحية على عِلاّتِها؟
ج : نحن قلنا بأن المسرح الإسلامي لازال في حاجة إلى تأسيس على مستوى كتابة النص، فأحرى على مستوى العرض، أنا لا أعرف نشاطا مسرحيا على مستوى العروض المسرحية لأن العُروض المسرحية ا لغالبة اليوم هي.. عروض المسرح السائد، ا لمسرح الذي يعتمد على تصورات لبرالية، علمانية أو حداثية، ناهيك عن هيمنة الفراكفونية والمفاهيم العولمية على هذا المسرح، ولهذا فبالنسبة للمغرب نحن لحَدِّ الآن لا توجد لدينا فرقة مسرحية إسلامية بهذا المعنى، ولكن هناك اجتهادات ومقاربات مسرحية أولية تُعرض في الجامعات أو في دور الشباب وهي جهود متفرقة في أنحاء الوطن، وفي الحقيقة يظهر أن هناك إرهاصات لظهور مسرح إسلامي مغربي وأن هناك طاقات إبداعية مسرحية قادرة على إنجاز العروض المسرحية، ولكننا لحد الآن وهذا هو الغريب ونحن في الألفية الثالثة لم يستطع رُواد أو مُبَشِّرو المسرح الإسلامي في المغرب أن يُخرجوا هذا المسرح إلى النور، والحقيقة أن هذه ظاهرة غريبة من نوعِها لأننا نعرف أن الحركات السابقة، كالحركة الوطنية مثلا، رغم أنها متقدمة عن الحركة الإسلامية وكونها كانت تعيش تحت وطأة الاستعمار وضيق ذات اليد ثم الاضطهاد الذي كانت تعيش فإننا اليوم نقرأ ونُطالع ما نسميه بالمسرح المغربي على عهد الحماية، له أسماؤه وله رموزه، الشيخ محمد القري رحمه الله له عروضه، فلا أدري كيف أن الحركة الإسلامية وهي حركة واعية بشمولية الإسلام لجميع مناحي الحياة، بما فيها الحياة الفنية، كيف أنها لحد الآن عاجزة عن خلق مسرح خاص بها في الوقت الذي نعرف فيه أن المسرح يُشكل جناحا قويا من أجنحة الحركات التاريخية بل إنه مثلا بالنسبة للحركة الوطنية والحركة اليسارية أو التقدمية نجد أن المسرح يشكل فيها جناحاً قويا فاعلا، ولهذا فإنه بالنسبة لليساريين فهم يُعنون غاية العناية بهذا الفن لأنه فن جماهيري، قادر على تحريف الجمهور وإيصال الخطاب السياسي وما إلى ذلك.. ولذلك فهذه اشكالية معقدة لابد أن نبحث في أسبابها، ولربما من أسبابها أن هاجس التحريم لدى الإسلاميين قد طغى إلى حدٍّ جعلهم يحجمون عن التفكير تفكيراً شرعيا في هذه المسألة فكأنما اختاروا أن يتركوا هذه القضية الشائكة لأن فيها قضية المرأة وقضية الاختلاط.. فكأنهم آثروا أن يتركوا هذا البعبع وعناءه من باب الحرج الديني، وأعتقد أن هذا موقف سلبي، فإسلامنا ولله الحمد دين إيجابي فهو دين كل المواقف فهو جاء بالحلول لكل الأسئلة ولهذا فلن نُعدم في الاسلام جوابا شافيا لمسألة المسرح.
س : سمعتُ بأنكم بصدد إنشاء فرقة وطنية، هل هذا صحيح؟ وما هي الجهود المبذولة في هذا الصدد؟
ج : المهم :أن الجهود المبذولة الآن، جهود متواضعة مما جعل الحصيلة تكاد تكون صِفراً للأسف الشديد، صحيح أنه كانت هناك بعض الجهود وكانت هناك بعض التداريب، فنحن في جمعية البلاغ بسلا مثلا قمنا بتأليف، مجموعة من الشباب المهتم بالمسرح، دام ثلاثة أيام وأطّرها مسرحي، من قيدوميي المسرحيين بالمغرب وهو الأستاذ حسين المريني، وصحيح أيضا أننا قمنا بالمحاضرات التحسيسية بمفهوم المسرح ا لإسلامي وبخصائصه وبمحاولات تجميع الطاقات المسرحية المتفرقة هنا وهناك، إلا أن أزيد من عشر سنوات مع بعض الإخوان الغيورين والمحبين للمسرح إلا أنه للأسف فهذه الجهود القليلة لم تُثمِر عن المأمول، وتأتي تداريب اليوم في دورة جنين للملتقى الثالث للأدباء الشباب لجمعية الهدى بالدار البيضاء بمثابة أمل في أن تستأنف هذه الجهود مسيرتها. فنحن ا لآن بصدد إقامة تدريب وتكوين مسرحي فيه عُروض نظرية حول المسرح الإسلامي وفيه ورشات مسرحية مؤطرة من قِبل مسرحيين متمكنين والطلبة الآن منخرطون في هذه الورشات.
س : نعود إلى الكتابة المسرحية، على الأقل إذا لم يكن هناك عرض للتقييم والتقويم فإلى أي مدى وصلت الكتابة المسرحية لدَيكم وهل استطاعت أن تستفيد من التراث الإسلامي في هذا الباب؟
ج : يا أخي أنا قلت لك بأن النص الإسلامي المسرحي الجيِّد في بلادنا يظهر أنه لم يولد، بعد رغم أن هناك بعض النصوص القليلةجدا، مثل النصوص الشعرية، للأستاذ المنتصر الريسوني رحمه الله، وبعض النصوص المسرحية لبعض الطلبة، أما بالنسبة لي، فسأكون واضحا، فأنا لم أستطع لحَدِّ الآن أن أألِّف نصّاً يُرْضيني، ولهذا فإن معلوماتي عن الحصيلة لحَدِّ الآن، أنه ليس هناك نص مسرحي إسلامي في المغرب يمكن أن يقف على قدميه من الناحية الفنية أمام النصوص المسرحية المغربية الأخرى، وهذا هو التحدي الذي يجده المهتمون بالمسرح الإسلامي في المغرب أمامهم قائما، وعليهم أن يتجاوزوه، هذا بخصوص النص المسرحي أما بالنسبة للعرض المسرحي فهذا أمره أكثر غُموضا، فليس هناك عروض مسرحية الآن، ولكننا نتمنى على الله أن تشهد السنوات المقبلة ظهور مسرح إسلامي بنصِّه وعرضِه.
س : كنتم قد تحدثتم عن موقِع المرأة في المسرح الإسلامي…
ج : الحقيقة أن المرأة هي قضية القضايا في المسرح، ويظهر أن حواء تأبى إلا أن تُثير الزّوابِع من حولها أينما حلّت وارتحلت وفي أي ميدان دخلته (ضاحكاً)، فلا أكتمك أن مما يعسر أحيانا ف المسرح هو عنصر المرأة لأنه عنصر صعب أمره، طبعاً ويصبح هذا الأمر صعبا صعوبة ملموسة بالنسبة للإسلاميين الذين يجعلون مسألة التحليل والتحريم مسألة أساسية، فلا يُقدمون على عمل حتى يعلموا أمر الله فيه، ولهذا فمسألة المرأة إذن أكرر بأنها تشكل إشكالية مركبة ومعقدة، ولكنها ليست مستحيلة. فبالنسبة لي أرى والله أعلم أن ظهور المرأة مبدئيا على خشبة المسرح لا غُبار عليه من الناحية الشرعية شريطة أن يكون هذا الظهور إيجابيا ومُشرِّفاً، أي أن تظهر في المواقف الإيجابية والمشرّفة بوصفها أستاذة أو معلّمة أو أمّاً أو جدّة أو مجاهدة أو محامية، إلى غير ذلك من المواقف الإنسانية المشرّفة، فأنا لا أرى حرَجاً في ظهورها على خشبة المسرح مادامت تظهر في الواقع. فنحن الآن نشاهد على الشاشة أمهات فلسطينيات وفتيات فلسطينيات يجاهدن في اليهود إمّا كأمهات أو كأخوات يحتجبن، فما المانع أن تنقل تلك المشاهد إلى خشبة المسرح. هذا يبقى مسألة طبيعية جدا وعادية جدا، الذي يثير الإشكال والصعوبة هو كيفية تعاملنا مع المواقف السلبية غير المشرّفة، كأن تكون الفتاة لا قدّر الله خادمة في مقهى أو في حا نة، كأن تكون في موقف سلبي، فهذا بالنسبة لي أرى أنه من المحرم أن تصعد بناتنا وأخواتنا ليُمثلوا هذه الأدوار اللا أخلاقية المشينة لأن تلك الأدوار لا يمكن أن يرضى أي مسلم لنفسه أو لإحدى أخواته أن تقوم بها، فلا يمكن أن ندفع بناتنا وأخواتنا إلى مثل هذه المواقف، فما هو البديل بالنسبة لهذه الأدوار غير المشرفة..؟
وقبل أن أطرح البديل، أريد أن أعبِّر عن حقيقة فنية، فحواها أن الفن أحيانا ينتعش في ظِل المنع والتحريم بطريقته الخاصة، لأن التحريم ليس شرطا كله على الفن، فالفن مثل المياه المتدفقة لا تلبث أن تجدمنفذا لها، هذا المنفذ الذي قد يكون منفذا جديدا مبتدعاً، مبتكراً لا عهْد للناس به من قبل، فيكون بذلك هذا التحريم قد سَاعَد على تفجير مكامن الإبداع والتجديد والتأسيس، بحيث أنه يؤدي إلى ظهور فن جديد تماما عما ألفته الإنسانية. هذا ما حَدَث بالنسبة للفنان المسلم، فحينما وجَد تحريم فن النحت والتشكيل، ابتكر شكلا جديدا وهو الفن التجريدي أي فنون الخط والمنمنمات أي فن الارابيسك وما إليه.. وأصبحنا أمام فن هو الفن الإسلامي، وهذا مكسب، فانظر كيف أدى التحريم إلى الإبداع. فهذه ملاحظة أأكد عليها حتى نرى بأن التحريم في الواقع ليس قتلاً للفن. ثم أشير إلى أن الفنان المسلم وهو يجد نفسه مُحْرَجاً بل ممنوعاً عليه أن يجعل المرأة تصعد فوق الخشبة لتمثل دوراً ما، فسيجد نفسه مضطرا إلى اختلاق حيل فنية لسدّ هذه الثغرات، ومن أنواع هذا السّد الاعتماد على الكراكِز أو على اللّعب.. أن تكون اللعبة مثلا في شكل المرأة ويمكن أن يسلّط عليها كل الخصال الدنيئة دون أن نورط المرأة في ذلك أو أن يُلحقنا حرجٌ في ذلك، لأنها مجرد لعبة من قشِ وثياب وما إلى ذلك، وأنا أتذكر أن فنانا يسمى الحسين وقد توفي منذ سنوات بالمحمدية، حضرتُ له عرْضا تحت عنوان “الحِرباء” وهذا العرض يقوم على المسرح الفردي تقريبا، فاستغنى عن المرأة وجَعل محَلَّها لُعبة كبيرة سمّاها “أم نعيم” فوالله لقد استطاع أن ينفخ في هذه الكركوزة اللعبة الكبيرة، من روحه الفنية حتى أن المتلقي يحسبها مِن لحمٍ ودم، هذا هو الفنان، وهذه هي مسؤولية الفنان وهذا هو الفرق بين الإنسان العادي والفنان، فهناك ألف طريقة، وما على الفنان إلا أن يكِدّ في إيجاد بدائل لسدّ أدوار المرأة. وسنجد أنفسنا في نهاية الأمر، قد أضفنا للمسرح العالمي مسرحا جديداً هو المسرح الإسلامي الذي يتميز بخصائصه الفنية وليس تابعاً فقط للمسرح الغربي.
حاوره : محمد البنعيادي