> إلى أي حد يمكن للإسلامية أن تحقق للأدبية مفهومها الإبداعي؟
< الاسلامية والإبداعية حدان متكاملان، يخدم أحدهما الآخر، فهما الجسد والروح، ومعلوم أن نشاط الروح يؤثر في نشاط الجسد، وكما قال البوصيري رحمه الله :
وإذا حلّت الهداية قلباً
نشطت للعبادة الأعضاء
إن النص الإبداعي بحاجة إلى روح تجعل منه أثراً فاعلا ومؤثرا، وما من روح هي أشد تأثيراً وأقوى من روح الإسلام، على أن الفن ليس تقريرا للحقائق، ولا بسطا لها، بل هو امتزاج العناصر وتكاملها، وعلى هذا تجد الروح متوثبة في النص الأدبي عند شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم عند عدد من الأدباء والشعراء الاسلاميين عبر العصور، حين تمتزج التجربة بالدم وتخالط العظام، في حين تجد نصوصاً أخرى باردة، ولا تملك القدرة على أن تسري في شرايين الأمة، على الرغم من اعتنائها الشديد بالمعاني الإسلامية.
> كيف يمكن للأدب الإسلامي أن يكون مخلصا لرسالته ومتواصلا مع الآداب الأخرى ومؤسسا للبديل الذي يتوق إليه القارئ؟
< حين نجد الأديب المسلم نجد الأدب الإسلامي الذي يحقق كل ذلك، أهمّ سمة ينبغي أن يتسلح بها الأدب/الأديب هي الصدق : صدق التجربة، وصدق التعبير، أو ما يسميه بعض النقاد : الصدق الواقعي والصدق الفني، على أنه لابد من أن تكون الموهبة من وراء كل ذلك متحفزة ومهيأة لاقتحام العقبات أما التواصل مع الآداب الأخرى فهو يعكس الفهم الصحيح لرسالة الأديب، حين يتحقق ذلك الفهم تسعى الآداب الأخرى إلينا، أرأيت إلى محمد إقبال وجلال الدين الرومي وعمر الأميري، وما حازه هؤلاء من شهادات عالمية؟ إن مردها إلى الإخلاص إلى حسن الإبداع، وهو إخلاص رهين بالإخلاص العام للأديب.
> هل تتفقون مع الرأي القائلبأن الأدب الحداثي، بقدر ما حقق قفزة نوعية وكمية، بقدر ما كرس الفرقة والقطيعة مع شريحة عريضة من القراء الفاعلين الذين لم يجدوا بعد في هذا الأدب ضالتهم المنشودة؟
< ما أدري طبيعة القفزة النوعية التي حققها الأدب الحداثي، إلا أن تكون تلك القفزة استجلاب النموذج الغربي، وإحداث قطيعة مع وجدان الأمة، أدبيا وفكريا، وتلك أزمة عبر عنها الأدباء الكبار، واستنكروا التبعية لمظاهرها : نجيب محفوظ، وعبد المعطي حجازي، ونزار قباني، وسواهم.. مثلت بهؤلاء لأنهم ممن رحب بالحداثة في صورتها الأولى، أما الذين اتخذوا موقفا عدائيا من الحداثة منذ المنطلق فلا حاجة بنا إلى عدهم، وهم كثير.
إن أعظم وجوه أزمة الحداثة فعلا هو هذه الفرقة والقطيعة بين الأدباء والشريحة العريضة من القراء، بل بين الأدباء فيما بينهم، وربما طال هذا الأدب الحداثي وأصابه نوع من البريق فترة من الزمن ولكنه إلى زوال بكل تأكيد، لأن القاعدة الربانية لا تتخلف، وهي صالحة في مجال الآداب كماهي صالحة في المجالات الحياتية الأخرى : {فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}.
> ما حدود التقاء النقد الأدبي مع المرجعية الإسلامية؟
< كانت مرجعية النقد الكبرى، في تراثنا كله، هي المرجعية الإسلامية، ولذلك كانت الاستفادة من التراث اليوناني، على سبيل المثال، استفادة انتقائية ومنخلة وتصحيحية، وكم رد نقادنا عدداً من آ راء اليونان وسفهوها، وذلك لسبب واحد، وهو اتكاؤهم في النقد على الرؤية الإسلامية، وهذا هو الذي جعل النقد الأدبي عندنا يؤسس ويتخذ صورته المتميزة، فلما انسلخنا في العصر الحديث عن هذه المر جعية، لم يعد عندنا “نقد” خاص بنا، لقد صرنا نجتر النظريات الغربية و نسعى إلى تطبيقها على آدابنا، في غفلة عن الفروق القائمة بين الحضارتين والمجتمعين، هذه ليست دعوة إلى الانغلاق ولا إلى الانعزال، ولكنها دعوة إلى الانفتاح الواعي الرزين الرصين، ألا ترى أنك تقف أحيانا أمام تجارب نقدية تطبيقية، ومن شأن النقد أن يأخذ بيد القارئ ليكشف له مجاهيل النص ومغاليقه، فإذا بهذا النقد يزيدك ضلالةً وعمى، يسهم في مزيد من استغلاق النص.
إنه لا ملجأ إلا إلى الاعتصام بالرسالية التي تجعل الأديب والناقد على وعي تام بأن الإنسان مسؤول تلك المسؤولية الكبرى التي نطق بها كتاب الله عز وجل : {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا}.