الدين إما أن يكون للإنسان أو عليه، وتفصيل ذلك يأتي كالتالي، من له دين على الغير فلا زكاة عليه حتى يقبضه، وهذا الدين لا يخلو إما أن يكون دينا مِن سلف، أو دَيْنا من فائدة، أو دَيْنا من تجارة.
أ- أما دين السلف، وهو أن يُسلِفَ المرء رجلا مبلغا من المال، فلا زكاة عليه فيه حتى يقبضه، وإن بقي أعواما عند المستقرض، فإذا قبضه يُزكيه لعام واحد فقط عن كل ما مضى من الأعوام، إذا كان ما قبضه نصابا، أو كان عنده ما يكمله نصابا وقد جمعه وإياه الحول، فإن لم يجمعهما الحول زكاه لحول الثاني أي لحوْل المال ا لذي عنده وازداد عليه الدّين المقبوض..
وإن تركه تهربا من الزكاة عند المستقرض أعواما، زكاه لكل سنة مضت من السنوات عقاباً له لقصده السيء.
ب- أما دين ا لفائدة، وهو أن يقرض مالا أو عرضا مما استفاد من إرث، أو صدقة أو إرش جناية، أو هبة، وغير ذلك مما يدخل تحت تعريف الفائدة، كأن ورث مالاً ولم يقبضه، أو ورث من هبة، أو صدقة، بقيت بيد مهديها أو متصدقها، أو صداقا بقي بيد الزوج أو بَدَل خلْع بقي بيد دافعه، أو إرش جناية بيد الجاني، فلا زكاة عليه في كل ذلك إلا بعد حول من قبضه، ولو بقي أعواما.
ولو بقيت العطية بيد معطيها قبل القبول والقبض أعواما، فلا زكاة فيها لما مضى من الأعوام على واحد منهما، لا على المعطي ولا على المعطى له، فعلى الدائن إذن أن يستقبل حولا جديداً بما يقبض من الدين، أو من ثمن العَرْض، فإذا أكمل حولا بعد القبض زكى ما قبض عن سنة واحدة لكل ما مضى من الأعوام.
ويدخل في حكم دَيْن الفائدة، أُجْرة الأجير بيد المستأجر، ورواتب الموظفين مع الدولة، ومالُ العامل عند رَبِّ المعمل، فلا زكاة عليهم في مالهم إلا بعد حول من يوم القبض مع تمام النصاب.
جـ- وأما دين التجارة، فهو ما كان أصله عرض تجارة، كمن كان عنده سلعة للتجارة وباعها بدين، ومعلوم أن حكم دين التجارة كحكم عروض التجارة التي إما أن تكون للاحتكار أو للإدارة :
< فإن كان التاجر محتكراً : -المحتكر هو الذي يشتري السلعة أيام الرخاء وينتظر بها الغلاء- فهذا لا زكاة عليه، وإن أقام الدين أعواما عند المدين حتى يقبضه، فيزكيه عن عام واحد لما مضى من الأعوام بعد القبض، إن كان نصابا، أو بلغ النصاب مضافا إلى ما عنده قد جمعه وإياه الحول.
< وإذا كان مديرا : -المدير هو الذي تكون تجارته دائرة- فكما أنه يقوِّم عروضه ويزكيها كل عام ولو باع بدرهم واحد -لا إن لم يبع بشيء- وكذلك دينه ولو لم يقبضه، فإنه يزكيه كل عام إما عدداً -500 درهم مثلاً- إن كان الدين نقدا حالاًّ مرجوّاً، وإما قيمة إن كان الدَّين عرضا، -كطن من الطحين مثلا كم يساوي- ومن أودع مالا وجب عليه تزكيته لكل حول.
ومن ملك نصابا فأكثر من ذهب أو فضة، أو عُمْلة متداولة، وعليه دَيْن بمقدار المال الذي عنده، أو يَنْقُص ما عنده من النصاب فلا زكاة عليه. لما رواه السائب بن يزيد قال : سمعت عثمان رضي الله عنه على المنبر يقول : >هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دَيْنُ فليؤده حتى تخرجوا زكاة أموالكم<، وفي رواية : >فمن كان عليه دين فليقض دينه وليزك بقية ماله<(رواه مالك والشافعي وسحنون وابن أبي شيبة وأبو عبيد والدارقطني وجماعة كما في مسالك الدلالة ص 124.)
مثال : أن يكون عنده عشرون ديناراً، وعليه دين نصف دينار مثلا، فلا زكاة عليه، وهذا إن لم يكن عنده من العروض المقتناة ما يسد دينه، فإذا كان عنده مما لا يُزكي من عروض مقتناة كالعقار، والرباع، والحبوب، والثمار، والحيوان، ما فيه وفاء لدينه، فعليه تزكية جميع ما بيده من المال، وذلك لأن هذه العروض مقابل ما عليه من الدين بشرطين :
< أن يحول على هذه العروض المقتناة الحول، وحول كل شيء على حسبه.
< وأن تكون مما يباع مثلها في الدين، كما يشترط في الدين الذي عليه، أن يكون دينا بعوض، سواء كان ثمراً أو طعاما، أو ما أشبه، أو غيرها، وسواء كان حالاً أو مؤجلاً، ولو كان مَهْرَ امرأته التي في عصمته
وهذا مثال لما تقدم، رجل عنده مائتا درهم فضة، وعليه دين ثمن داره التي اشتراها للسكن بعشرة آلاف درهم، وعنده من الإبل والبقر والغنم مثلا ما تساوي قيمتها عشرة آلاف درهم، فهي إذن تسُدُّ دينه، وعلية فإن تزكية المائتين واجبة عليه، فإذا لم تف عروض المدين بدينه، بأن سدت بعض الدين وبقي منه، فإن كان الباقي من الدين ينقص ما عنده من النصاب، فلا زكاة عليه، وإن لم ينقصه عن النصاب ففيما بقي الزكاة، فإذا كان عنده ثلاثمائة درهم، وعليه دين خمسمائة مثلا : وعنده أربعة رؤوس من الغنم، كل رأس بمائة فتجعل قيمة الغنم مقابل ما عليه من الدين فيبقى عليه مائة، فإذا انقصناها مما معه، بقي لديه نصاب ففيه الزكاة، ولا يُسقِط الدينُ زكاة حَبٍّ لا ثمر ولا ماشية، ولا معدن، ولا ركاز، فإذا كان عنده من هذه المذكورات ما تجب فيه الزكاة، وعليه دين يستغرق ما عنده، فتجب عليه الزكاة فيما عنده ولا يسقط الدين.
والأصل في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده، بعثوا الخُرَّاص والسُّعاة، فخرجوا على الناس، وأخذوا زكاة مواشيهم، ولم يسألوا هل عليهم دين أم لا< قال محمد ابن سيرين : كانوا لا يرصدون الثمار في الدين، وينبغي للعين أن ترصد في الدين. رواه سحنون، انظر مسالك الدلالة ص 124.
ذ. محمد حطاني