أعلنت أمريكا حربها الصليبية الظالمة على دولة أفغانستان المسلمة، وقام الغرب الصليبي لدعمها بكل قواه، خصوصا بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتناسى خلافاته، وأوقف تناقضاته وحساباته ولو إلى حين، فدخلت روسيا مع كل ما بينها وبين أمريكا من مشاكل على الخط مؤيدة ومدعمة، لكن الغريب في هذه الحرب “القذرة” هو أن أمريكا ما إن أعلنت عن بدايتها حتى بدأت “أخطاؤها” تترى وتتوالى، بل إن “أخطاء” هذه الحرب بدأت قبل بدايتها الفعلية، فقد أعلن الرئيس الأمريكي جورش بوش أن هذه الحرب امتداد للحروب الصليبية القديمة، وما هي إلا ساعات حتى سارعت عدة جهات أمريكية لتعلن بأن الرئيس لم يكن يقصد ما قاله، وأن ذلك لا يعدو كونه “خطأ وزلة لسان”! ونسي المعتذرون عن الرئيس “الخاطئ” بأنه قطع إجازته لحضور قداس “ديني” في إحدى كنائس واشنطن، ليعلن بعد خروجه من الكنيسة مباشرة عن بدء الحرب في أفغانستان.
بدأت الحرب، وبدأت “أخطاؤها” المقصودة تتوالى، ومن “أخطاء” الأمريكيين المتعمدة في هذه الحرب أنهم :
1) قصفوا المساجد ودمروها عن طريق “الخطإ”.
2) قصفوا المستشفيات ودمروها على من فيها من مرضى وأطباء وممرضين في كابول وقندهار عن طريق “الخطإ” وكذلك فعلوا مع مراكز الهلال الأحمر الأفغاني عن طريق “الخطإ” أيضا.
3) قصفوا مخازن الحبوب والأغذية التابعة للأمم المتحدة في كابول وقتلوا النائمين فيها، ولكن دائما عن طريق “الخطإ”.
4) قصفوا قرى نائية و دمروها بالكامل، بل محوها من الخريطة تماما عن طريق “الخطإ”.
5) قصفوا الأحياء السكنية، وهدموا المنازل على رؤوس من فيها من أطفال رضع، وشيوخ ركع، ونساء لا حول لهن ولا قوة، فقتلوا وجرحوا مالا يعلم عدده الحقيقي إلا الله تعالى، ولكن عن طريق “الخطإ”.
6) قصفوا الشاحنات والحافلات الحاملة الفارين من جحيم هذه الحرب الظالمة والتي لا تبقي ولا تذر فقتلوا جميع الركاب تقريبا عن طريق “الخطإ”.
7) بل حتى البهائم لم تسلم من قصفهم المدمر، وقنابلهم الانشطارية وأسلحتهم الكيماوية ولكن عن طريق “الخطإ”.
8) وبعد ذلك كم من قرية حولوها إلى مقبرة؟ ثم قالوا، إنه خطأ.
9) بل كم من عرس حولوه إلى مأتم؟ وكم من عروس حولوه إلى جثة على نعشه؟ و الحجة وقوع خطأ!!..
هذا غيض من فيض، وقليل من كثير من “أخطاء” أمريكا في حربها الصليبية على أفغانستان، فهل يا ترى ظنت المخابرات الأمريكية صوامع المساجد الشامخة ومناراتها الشاهقة صواريخ عابرة للقارات أو حاملة لرؤوس نووية؟
وهل حسبت أمريكا المستشفيات قواعد عسكرية؟ والجرحى الذين قطعت أوصالهم وبطرت أطرافهم، ومزقت أجسادهم شبابا يتدربون على فنون الحرب، ويتعلمون أحدث طرق القتال؟ وهل ظنت أمريكا مخازن الحبوب والغذاء مخازن للذخيرة ومصانع للسلاح؟ وهل ظنت أمريكا الأحياء السكنية جبهات قتال؟ والقرى التي محتها من الوجود قواعد عسكرية لإقلاع الطائرات الحربية؟ والأطفال والعجزة والنساء جنودا شرسين؟ وهل حسب الأمريكيون الشاحنات والحافلات المحملة بالفارين والهاربين مدرعات حربية ودبابات عسكرية؟ فهل من مصدق “لظنون” أمريكا وأوهامها؟ إن هذه الظنون والأوهام لا أساس لها من الصحة، وإن ما قالت -أمريكا بأنه أصيب عن طريق “الخطإ” باطل، ولايصدقه إلاجاهل، أو غبي.
إن المتأمل في “أخطاء” أمريكا يجد أنها تستهدف ثلاثة أمور هي عصب الحياة في أفغانستان وهي كل ما يملكه الأفغان : دينهم وأرزاقهم وأرواحهم.
فهي أصابت الأفغان في دينهم بتدمير المساجد -وفي هذا ما فيه من حقد دفين على الإسلام- وترجمة فعلية وحقيقية لما قاله بوش عن حرب صليبية جديدة، خصوصا وأن الصوامع بعلوها وشموخها تزعج أمريكا وحلفاءها في العالم كله- التي لم نسمع عن تدميرها إلا على يد اليهود في فلسطين والهندوس في الهند.
وأصابتهم في أرزاقهم بتدمير مخازن الحبوب والأغذية وهي التي تلقي لهم طعاما قالت طالبان : إنه طعام مسموم، وحتى لو لم يكن كما ادعت طالبان فهو لا يعدو أن يكون مثل العلف الذي يُقدم لخراف العيد قصد تسمينها للذبح.
وأًصابتهم في أرواحهم مباشرة بتدمير المستشفيات، والأحياء السكنية، والقرى النائية، والحافلات والشاحنات الهارب أصحابها.
وعلى افتراض تصديقنا لأمريكا في كذبتها وفريتها “خطأ” فإن لنا الحق في أن نسائلها عن أخطائها في آ خر حرب خاضتها في البلقان لا رغبة في الدفاع عن المسلمين، إنما من أجل مصالحها التي يمكن توضيحها في مقال آخر بإذن الله فنقول : كم من كنيسة هدمت في صربيا عن طريق “الخطأ”؟ وكم من مستشفى دمر عن طريق “الخطإ”؟ وكم من مخزن للحبوب والأغذية والأدوية قصف عن طريق “الخطإ”؟ وكم من حافلة أو شا حنة ضربت عن طريق “الخطإ”؟ وكم من عرس حول إلى مأثم عن طرق الخطإ؟ وكم وكم…؟
ثم أين هي التكنلوجيا المتطورة جدا جدا؟ والمتفوقة جدا جدا؟ أين الطائرات المجهزة بأشعة الليزر والقادرة على تحديد الأهداف بدقة متناهية مثل ف15 و 16 التي تخترق أجساد المجاهدين في فلسطين ولا تخطئهم؟ وأين التكنلوجيا التي استطاعت تحديد مصنع الشفاء للأدوية في السودان وضربه مباشرة دون أن يكون هناك “خطأ”؟ وأين الأجهزة التي قتلت ابن الزعيم الليبي دون خطأ؟..
وعلى كل حال، فإن أمريكا أخطأت بالفعل، ولكن، في حساباتها بالدخول في هذه الحرب، وستدفع ثمناً غالياً لهذا الخطإ القاتل {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون}، {ولله العزة ولرسوله وللمومنين ولكن المنافقين لا يعلمون}.
محمد العمراوي
مدير مجلة رسالة المعاهد