رغم أن نتائج اقتراع يوم الجمعة الماضي، لم تكن مفاجئة، إلا أنها خلطت الأوراق داخل الساحة السياسية المغربية، وفتحت الباب أمام عدة سيناريوهات بخصوص التحالف الحكومي المقبل.
وتفيد جل المؤشرات بأن الائتلاف الحكومي المقبل لا يزال وضعه معلقا بالنتائج النهائية، ويتعلق الأمر بـ41 30 مقعدا تهم اللائحة الوطنية للنساء.
وعند استقراء النتائج الجزئية التي أعلن عنها ادريس جطو وزير الداخلية المغربي، يمكن تسجيل عدة ملاحظات :
أولا : احتفاظ حزب الاتحاد الاشتراكي متزعم الائتلاف الحكومي الحالي بمركز الصدارة من خلال حصوله على 45 مقعدا، يليه حزب الاستقلال حليفه داخل نفس الائتلاف (43 مقعدا)، وهو ما يعني أن الحزبين الرئيسيين داخل الا ئتلاف مازالا يتمتعان بثقة كبيرة لدى الناخبين، وأصبح ينافسهما على هذه الثقة حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، الذي حصل على 38 مقعدا، حسب نفس البيانات الجزئية.
أما أحزاب اليمين والوسط التي كانت توصف بأنها من “صنيعة الإدارة” وظلت على امتداد عقد تتبوأ المراكز الأولى في الاستحقاقات التي شهدها المغرب خلال السنوات الماضية، فقد سجلت تراجعا ملحوظا خاصة بالنسبة لحزب الاتحاد الدستوري، الذي كان يمثل القوة الأولى في برلمان عام 1984، إذ لم يحصل إلا على 13 مقعدا، يليه الحزب الوطني الديمقراطي حليفه في “الوفاق الوطني” بـ 12 مقعداً.
زما حزب التجمع الوطني للأحرار التي يتزعمه الوزراء الأسبق، أحمد عصمان، فقد تراجع إلى المركز الثالث (38 مقعدا)، مع أنه مازال يتصدر قائمة المقاعد الممثلة داخل مجلس المستشارين (الغرفة الثانية داخل البرلمان)، الذي ينتخب أعضاؤه بطريقة غير مباشرة، لكن وضع هذا الحزب يختلف عن أحزاب “الوفاق” كونه يعتبر ورقة مهمة في ترجيح التحالفات المقبلة.
أما الأحزاب ذات النزعة الأمازيغية المنتمية إلى عائلة أحزاب “الحركة الشعبية” التي تأسست عام 1958، فقد حافظت على مواقعها داخل المناطق البربرية بحصول الحزبين الكبيرين داخلها وهما “الحركة الشعبية” على 24 مقعدا يليه حزب “الحركة الوطنية الشعبية” بـ 14 مقعدا.
أما الأحزاب اليسارية الصغيرة فقد راوحت مكانها عدديا محافظة على تمثيليتها الضعيفة داخل مجلس النواب الجديد، بيد أن اخفاق زعيمي حزبين في الظفر بمقعدين نيابيين، يؤشر إلى تراجع كبير، وكانت أكبر صفعة هي تلك التي تلقاها المنشقون عن حزب “الاتحاد الاشتراكي” قبل سنتين، وأسسوا حزب “المؤتمر الوطني الاتحادي” الذي لم يحصل، إلا على مقعد واحد.
وبناء على نفس البيانات غير الرسمية وغير النهائية فإن أربعة أحزاب جديدة لن تكون ممثلة داخل البرلمان المقبل وهي “التجديد والانصاف” وحزب “العمل” و”الوسط الاجتماعي” وحزب “مبادرة المواطنة والتنمية”.
وحسب قانون الاقتراع الجديد فإن الأحزاب التي ستحصل على نسبة أقل من 3 في المائة من الأصوات المعبر عنها في اقتراع يوم الجمعة سيكون مآلها الاندثار، ويبقى احصاء عدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب مقياسا أساسيا لمعرفة مدى تجذر كل حزب، ومناطق نفوذه ومدى قوته على التعبئة والتأطير.
وتفيد المعطيات الأولية المعلن عنها أن الائتلاف الحكومي الحالي المكون من ثمانية أحزاب هي “الاتحاد الاشتراكي” و”الاستقلال” و”التجمع الوطني للأحرار” و”الحركة الوطنية الشعبية” و”جبهة القوى الديمقراطية” و”التقدم والاشتراكية” و”الاشتراكي الديمقراطي” و”الاتحاد الديمقراطي”، مازال محافظا على غالبيته بحصوله على 169 مقعدا من بين 284 معقدا، التي كشف عن نتجائها وذلك في انتظار الاعلان عن النتائج الرسمية والنهائية.
وحتى قبيل الاعلان عن النتائج النهائية كان من الصعب وضع تكهنات بخصوص مستقبل الائتلاف الحكومي الحالي والخريطة السياسية المقبلة، لكن هناك عدة معطيات أفرزتها النتائج الأولية التي يمكن من خلالها قراءة مستقبل التحالفات.
وأول هذه المعطيات هو تقدم الحزب الاسلامي الوحيد المشارك في هذه الانتخابات، الذي تحول إلى رقم صعب داخل كل معادلة سياسية محتملة. كما أن وضع حزب “الاتحاد الاشتراكي” رغم تصدره حتى الآن قائمة الفائزين في الاقتراع الأخير، سيكون حرجا وسيتطلب منه أي تحالف مستقبلي تقديم الكثير من التنازلات للأحزاب التي ستتحالف معه.
أما حزب “الاستقلال” الذي ظل يشكل مع حزب “الاتحاد الاشتراكي” النواة الصلبة داخل الائتلاف الحكومي الحالي، فإنه يجد نفسه في وضعية مريحة، مقارنة مع “الاتحاد الاشتراكي”. وهو ما سيجعله يفاوض على مركزه في الائتلاف الحكومي والبرلماني المقبل، من موقع قوة، فهو يعرف أن لا حل بدونه وكل الحلول معه صعبة.
وفي رد فعل قيادتي الحزبين على النتائج الجزئية، اظهرتا حذرا شديدا في التعليق عليها، وفضل محمد اليازغي الأمين العام المساعد لحزب الاتحاد الا شتراكي التريث إلى حين إعلان النتائج النهائية، وحينما سألته “الشرق الأوسط” عن شكل الائتلاف الحكومي المقبل اكتفى بالقول “إن الاتحاد الاشتراكي يظل القوة السياسية الأولى في البلاد وأن التحالفات المقبلة ستخضع للنقاش والتحليل والحوار على ضوء النتائج النهائية”.
بينما علق مصدر قيادي في حزب الاستقلال قائلا أنه يفضل انتظار النتائج النهائية، وستبقى الاحتمالات مفتوحة، و”حزب الاستقلال متمسك برسم التحالف الحكومي المقبل على أساس تحقيق المشروع الديمقراطي والاصلاحات الجذرية التي كشفت عنها اتجاهات التصويت في الاقتراع”.
وفي انتظار الكشف النهائي عن النتائج ستبقى مقاعد النساء البالغ عددها 30 مقعدا حاسمة في رسم التحالفات المقبلة، ومن الواضح أن الأحزاب المتصدرة للترتيب وخصوصا من سيحصل منها على أكبر عدد من الأصوات المعبر عنها، ستكون المستفيد الأكبر من نتائج اللوائح الوطنية.
وعلى إيقاع الدور الضاغط الذي لعبه مجلس المستشارين خلال السنوات الخمس الماضية، على الائتلاف الحكومي، فإن عنصر التوازن بين غرفتي البرلمان سوف يظل قائما في ترجيح كفة التحالف الذي ستتشكل منه الحكومة المقبلة.
الشرق الأوسط ع 30 شتنبر2002
المؤتمر الوطني الاتحادي يعلن رفضه نتائج الانتخابات التشريعية ويقرر الانسحاب من مجلس النواب ويقول :
الفاشستيون والجلادون الجدد يدفعون بالمغرب والمغاربة إلى الهاوية
لم يكن يوم 27 شتنبر، تاريج إجراء الانتخابت التشريعية، يوما عاديا في تاريخ المغرب المعاصر، وهي أول انتخابات تجري مع بداية الألفية الثالثة.
لم يكن عاديا بكل المقاييس ليس لأنه سيشكل قطيعة، مع العهود السابقة من استعمال كلوسائل التزوير من مال حرام والقيام بالحملات الانتخابية يوم الاقتراع وتدخل أطراف من هنا وهنا لتوجيه الناخبين أو الضغط عليهم وعدم الاهتمام بالشكايات الواردة؛ حيث تبين أن هناك آلة جهنمية جندت كل ما يمكن تجنيده للتحكم في النتائج وفبركتها، لم تلتجئ أبدا لتطبيق القانون والاجراءات الزجرية للحد من سيل الخروقات والتجاوزات سواء قبل بداية الحملة الانتخابية أو في إبانها أو يوم الاقتراع.
وبذلك ضاعت كل الخطابات حول الديمقراطية والشفافية والنزاهة والقطع مع الممارسات المنتمية لعقود سالفة، فهل يحق لنا اليوم القول، بأن ماجرى كان أبشع مما يمكن أن نتصور، لا يكفي أن نسرد الحالات وهي كثيرة في مختلف جهات مناطق المغرب، والتي ستظل أصداؤها تؤرخ ليس فقط ليوم الاقتراع وإنما لمرحلة عسيرة من تاريخ المغرب طغى فيها منطق الانتقام والمؤامرة والحقد.
وهكذا لم تسلم أية جهة من جهات المغرب، من توزيع المال يوم الاقتراع، واستعمال الورقة الفريدة للتصويت، وابتزاز المواطنين والمواطنات، وتزوير محاضر التصويت، وعدم استعمال المداد في العديد من المكاتب، وكثير ما كان مدادا عاديا.. وهي صورة قاتمة لما وقع، والتي يعرفها أفراد الشعب المغربي الذين لم يتوجه أغلبهم لصناديق الاقتراع وقاطع الانتخابات بسبب تبخر كل الوعود وخيباته المتكررة، وظهر كل هذا من خلال العزوف الكبير للشعب المغربي وغضبه من الحصيلة الحكومية الفقيرة، ومن سلوكات الحكوميين.
حكومة لم تنتج سوى القمع والاقصاء والتهميش، وهي الحكومة التي لم تنبثق من صناديق الاقتراع، وإنما كانت نتاجا لآلية التزوير، فكانت وفية ومخلصة لهذه الآلية، بل عملت على تطويرها، رغم كل الاجراءات الشكلية من قوانين انتخابية وحملة دعائية ضخمة.
لقد كا نت تبدو ملامح النتائج المزورة منذ بداية نهار 27 شتنبر، وهذا ما تنبه إليه مناضلو المؤتمر الوطني الاتحادي في كل جهات المغرب وأيضا كل ا لأصوات الشريفة بهذا الوطن والجمعيات الحقوقية، والملاحظون النزهاء.
وإثر تلقيه العديد من حالات التزوير التي كانت تنبئ بكارثة انتخابية يوم 27 شتنبر أعادتنا عقودا من الزمن إلى الخلف، سارع المكتب السياسي لحزب الؤتمر الوطني إلى بعث مراسلات في الموضوع طيلة يوم الاقتراع، ولكن بكل أسف تبين أن لا أحد يريد تغيير هذا المنكر.
هذه صورة لمغرب شاء له الجلادون والفاشستيون الجدد أن يتدحرج مرة أخرى إلى أسفل مستنقع التاريخ.
المؤتمر الوطني ع 30 شتنبر 2002
الأحزاب المغربية المنبثقة من “الحركة الشعبية” تبحث إقامة فريق موحد في مجلس النواب الجديد
علمت “الشرق الأوسط” من مصادر متطابقة في الأحزاب المنبثقة عن الحركة الشعبية المغربية، أن هذه الأحزاب ستبحث إقامة فريق نيابي موحد يضم نواب الحركة الشعبية التي يتزعمها محند العنصر، والحركة الوطنية الشعبية، التي يتزعمها المحجوبي أحرضان، والاتحاد الديمقراطي، بزعامة بوعزة يكن، الذي انشق أخيرا عن حركة أحرضان.
وأضافت المصادر ذاتها أن هذه المبادرة ربما تطال أيضا الحركة الا جتماعية الديمقراطية، التي يتزعمها محمد عرشان، الذي أخفق في الفوز بدائرة “تيفلت -الرماني” الواقعة شرق الرباط، إضافة إلى إخفاق حركته في الحصول على نتائج مشرفة، إذ لم تحصل إلا على خمسة مقاعد. بينما يتوقع المراقبون أن تندثر حركة عرشان إذا انضم نوابها الجدد إلى أحزاب الحركة.
واستبعد مصدر قيادي في الحركة الشعبية، أن تشمل مشاورات حول تشكيل فريق نيابي موحد، حزب العهد، الذي تيرأسه الدكتور نجيب الوزاني. وسبق للوزاني أن انشق عن الحركة الشعبية ليلتحق بالحركة الوطنية الشعبية، قبل أن ينشق عنها ويؤسس حزبا جديدا.
وبمقتضى النتائج لاقتراع يوم 27 شتنبر التي أعلن عنها إدريس جط، وزير الداخلية، فإن الأحزاب المنبثقة عن الحركة الشعبية حصلت مجتمعة على 58 مقعدا نيابيا، إذ حصلت الحركة الشعبية على 24 مقعدا، والحركة الوطنية على 14 مقعدا، والاتحاد الديمقراطي على 10 مقاعد، والحركة الديمقراطية الا جتماعية على 5 مقاعد، وحزب العهد على 5 مقاعد.
وقبيل اعلان وزير الداخلية للنتائج الرسمية النهائية للاقتراع توقعت مصادر الحركة الشعبية أن يرتفع عدد نوابها من ضمن الدوائر التي تم التأخر في الاعلان عن نتائجها إلى 27 أو 28 نائبا، بينما توقعت مصادر حركة أحرضان أن يرتفع عدد نوابها إلى 17 أو 18 نائبا. هذا دون احتساب النتائج التي ستفرزها اللائحة الوطنية للنساء، التي تضم 30 مقعدا.
وعلمت “الشرق الأوسط” أن العنصر قد يكون التقى مع بوعزة يكن، أمين عام الاتحاد الديمقراطي، للتشاور بخصوص تكوين فريق نيابي موحد.
وبينما قال المحجوبي أحرضان، أمين عام الحركة الوطنية الشعبية لـ”الشرق الأوسط” أن التنسيق بين حركته وحركة العنصر ستمضي قدما، فإنه لم يستثن منه حركة يكن وحركة عرشان، بيد أنه شدد على أن ذلك يجب أن يقوم على أساس متين حتى لا يتم تكرار تجارب الماضي، وحتى لا يكون التنسيق ظرفيا. بل يجب إنجاز عمل مشترك يستمر إلى الأبد، مستشهدا بالمثل القائل : من لدغه الثعبان يخاف من الحبل”.
ومضى أحرضان قائلا : “نحن سنعمل كل جهدنا من أجل تنظيم مؤتمر لتجميع الحركات، وسوف نبدأ من الآن العمل من أجل ذلك. (الشرق الأوسط ع 30 شتنبر 2002)