حدثني صديق لي، أيام الحملة الانتخابية، فقال :
كنت بالأمس في بعض أزقة المدينة القديمة، فالتقيت ببعض الشباب من حملة الشهادات المعطلين، وهم يوزعون منشورات في إطار الحملة الانتخابية ولما سلّموا لي بعضا منها، دفعني الفُضول -باعتباري منتميا إلى الحزب الذي هم بصدد الدعاية له- إلى السؤال عنهم فقلت لهم : هل أنتم من مناضلي الحزب؟ فقالوا، لا فقلت لهم : هل أنتم من أقرباء وكيل اللائحة، أو أحد مرشحي الحزب، فقالوا : لا، فسألتهم :هل تزكون -باعتباركم شبابا- هؤلاء المرشحين أو أحداً منهم، وهل تشهدون لهم بالصدق والأمانة والاخلاص، فقالوا : لا بل بالعكس من ذلك تماماً، بل وأكثر من ذلك نقول لك -بيننا وبينك- : هؤلاء مرشحو الحزب، لكن لا تعط صوتك لهم. فقلت لهم أليس عيبا وعاراً عليكم أن تقولوا هذا وأنتم تقومون بالدعاية للحزب. فقالوا : اسمع منا : نحن معطلون وحاملو شهادات، لا نجد مصروف الجيب وأحيانا لا نجد ما نأكله، وقد ضمن لنا هذا الحزب مصروف الجيب و ملء البطن طوال أيام الحملة الانتخابية. أَلَيْس هذا مبرراً للقيام بما تشاهد؟!
قال لي صديقي :والله لقد أفحموني ولم أجد لقولهم ردّاً.
وبعد يوم الاقتراع بأيام التقيت بحامل شهادة معطل، كثيراً ما كا ن يتردد علي، فسألته أين غيبتك، فأجابني : لقد كنت أقوم بحملة ا نتخابية، فقلت له :وهل نجح مرشّحك الذي كنت تدعو له. فقال : وكيف ينجح وأنا لم أصوّت عليه. سألته باستغراب : كيف تقوم بالدعاية لحزب ثم لا تصوت عليه؟؟! فقال : لقد كنت “موظفا”، آخذ 50 درهما في ساعة واحدة، أوزع الأوراق، وأذهب إلى حال سبيلي وقد أنتقلُ إلى مكان آخر لأبحث عن “وظيفة” أخرى ويوم التصويت انتهت كل وظائفي، واخترت من آ راه مناسباً، لاَ مَنْ كنت “مُوَظَّفاً” عنده.
من الأكيد أن هاتين الحادثتين ليستا الوحيدتين في دُنْيا الحملات الانتخابية الحزبية أو الفردية، بل ربما تمثلان القاعدة الغالبة. وما يَبْدُو أصْلاً، أو هكذا يتصورونه ليس إلا استثناءً.
الأمر الذي يُفَسِّر عُزُوفَ الناس عن التصويت، وفقدانهم الثقة في العديد من البرامج الحزبية السياسية.
< د. عبد الرحيم بلحاج