عمل ألكسندر ويب قنصلا للولايات المتحدة في مانيلا عاصمة الفلبين عام 1891م، وأبدى اهتماما بالدين الإسلامي، وكان ممن اهتم به السلطان عبد الحميد، وكذلك عملاق النقل البحري في مدينة جدة عبد الله عرب – يرحمه الله – الذي كانت له خطوط بحرية إلى الشرق الأقصى وأمريكا، ووضع في سجل الشرف في أرشيف النقل البحري في الولايات المتحدة.
لا أعلم كيف تم التنسيق بين عبد الله عرب والسلطان عبد الحميد، إلا أن المعلومات التي لدي، هي أن عبد الله عرب سافر إلى مانيلا، حيث أسلم ألكسندر ويب على يديه واتخذ اسم “محمد” واستقال من منصبه، وعاد إلى نيويورك ومر في طريقه إلى حيدر آباد بالهند، وألقى محاضرة طويلة عن الإسلام أحتفظ معي بنسخة منها.
قام عبد الله عرب بإنشاء أول وقف للدعوة الإسلامية في الولاياتالمتحدة لدعم نشاطات محمد ألكسندر ويب، حيث أ نشئ له مركز إسلامي في نيويورك من أربعة طوابق، أحدها مسجد وآخر للنشاط وطابق للسكن، وأصدر مجلة “العالم الإسلامي” وكتيبات أخرى عن الإسلام، كما أنه مثل الدين الإسلامي في أول برلمان للأديان في شيكاغو.
ومن جملة ما كتب، رسالة عنوانها: “الإسلام في أمريكا” طبعت عام 1893م وشرح فيها كيفية دخوله الإسلام، كما شرح مبادئ الإسلام، وفي الفصل الأخير أسهب، في شرح الوقف الإسلامي للدعوة الإسلامية، وهذا ما كتبه في الفصل الذي عنوانه. وقف الدعوة الإسلامية في أمريكا
: The American Islamic Propaganda
{اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى} (العلق).
لقد نشرت أقاويل باطلة بشأن خطط المسلمين في الشرق للتعريف بالنظام الإسلامي في أمريكا، مما يستوجب علينا أن نضع النقاط على الحروف ونذكر بالتفصيل ما أوجزناه من قبل.
إن وقف الدعوة الإسلامية في أمريكا هو مشروع تعليمي تربوي خالص، رغم أن الدعاة المحمديين ” المسلمين” سيأتون ويقومون بالدعوة في مختلف أنحاء البلاد عندما يتطلب الأمر ذلك، إلا أننا في الوقت الحاضر سنركز جهودنا على تعريف الجماهير الواعية بشخصية محمد والتعاليم التي جاء بها، والرد على الأكاذيب المفبركة والأغلاط التي و ضعها ونشرها الكتاب المتعصبون ضد الإسلام لقرون عديدة.
إنه لا يوجد شخص مثلي ممن يدركون جيدا حجم هذه الهجمة، إلا أنني على ثقة تامة بذكاء وعدالة الشعب الأمريكي وبرغبته الصادقة في إعطاء أذن صاغية ونزيهة أي فكرة تقدم له بصورة مناسبة.
إن أول خطوة في هذا الاتجاه هي إصدار مجلة أسبوعية توضح التعاليم الإسلامية وقوانين الشريعة، ومناقشة المسائل ذات العلاقة، كما تقوم بتسجيل الأخبار التي تهم المسلمين في بقاع الأرض.
إننا نأمل أن تكون هذه المجلة وسيلة لإقامة وتشجيع الحوار بين العالم المحمدي، “الإسلامي” وغالبية الجماهير الواعية في بلدنا، إنها ستضم مقالات بأقلام أكبر علماء الهند ومصر وتركيا وترجمات لكتب ومقالات من العربية والفارسية والأردية والكوجراتية لم يسبق لها أن ترجمت للإنجليزية، وستؤدي هذه الأعمال إلى إثارة الاهتمام في دراسة الإنتاج الثقافي العربي والفارسي، وعمل أبحاث تجعل العالم الغربي على معرفة أكبر بالتاريخ “المحمدي” والقوانين الإسلامية، ولا يستطيع الحصول عليها بالوسائل الأخرى.
وبالإضافة إلى المجلة المذكورة فسوف تفتح للجمهور قاعة للمحاضرات ومكتبة يتمكن فيها من يشاء من الاطلاع على الكتب الإسلامية والتخاطب مع متمكنين من المتوقع وصولهم إلى نيويورك في شهري أغسطس وسبتمبر، كما سيتم إقامة دار نشر تطبع الكتب والنشرات الإسلامية.
إن هذه التحركات تمت دراستها بعناية في بلاد المشرق، وهي نتيجة لدراسات ناضجة.
إن كل الظواهر تشير إلى تفسخ المسيحية الكنسية وانسلاخ الكثير من المثقفين والتقدميين من النظام الكنسي في أغلب المدن الأمريكية الكبرى، وهذا ما يشجعنا على الاعتقاد بأنه قد حان الوقت لتمدد العقيدة الصحيحة من العالم الشرقي إلى العالم الغربي.
إن اعتناق الدين العالمي يبدو أنه مسألة وقت قصير، منذ خمس سنوات مضت بدأ هذا الدين مسيرته الحثيثة في إنجلترا، حيث اتبعه عدد قليل من الإنجليز في ليفربول، ويوجد هناك مسجد، ملحقة به مدرسة إسلامية وسكن داخلي، وإن أعداد المسلمين الإنجليز في تزايد مستمر، ويبدو أنه لا يوجد أ ي دليل معقول للشك في أن تقدم هذا الدين في أمريكا سيكون أسرع مما هو في بريطانيا.
إن الرجل الذي وراء الدعوة الإسلامية في أمريكا ومحركها والمتهم بها منذ بدايتها هو الحاج عبد الله عرب من أهالي المدينة في جزيرة العربالذي توجد له مصالح تجارية في جدة وبومباي وكلكتا وسنغافورة، وهو ذو إخلاص قوي لدينه. إنه أعلى وأنبل مثل للرجولة صادفته في حياتي، وإنه مثل رائع لحقيقة أنه في إمكان الرجل أن يكون غنيا ورجل أعمال ناجحا، وفي نفس الوقت يكون في صفاء أفكاره كالطفل، ويكون بإخلاصه في عبادة الإله الواحد الأحد كأقصى، ما يتصوره الإنسان.
في أغسطسط “آب” 1891م كنت أراسل السيد بدر الدين عبد الله كر، عضو المجلس البلدي في بومباي، وهو عالم على مستوى نادر، وجرت هذه المراسلة من أجل تبادل المعلومات، وبدأت بواسطته أراسل الحاج عبد الله عرب الذي زارني في مانيلا في مارس “آذار” عام1892 م وفي منزلي، حيث كنا نناقش تفاصيل وقف الدعوة الإسلامية في أمريكا.
وهنا قرر عبد الله عرب أن يوقف ثلث ثروته لهذا الوقف، وكان على ثقة بأن هناك آخرين سوف يشاركون بسخاء في هذا المشروع، ولم يكن مخطئا، ففي ديسمبر “كانون الأول” الماضي تشكلت لجنة في بومباي انتخب السيد بدر الدين عبد الله كر سكرتيرا لها، وتعهدت اللجنة أن تقوم بنشر العقيدة الإسلامية وتوفير المبالغ اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وأعضاء اللجنة هم من أغنى وأشهر التجار “المحمديين” في بومباي، ونذكر هنا مجلس إدارة هذا الوقف.
الرئيس: الشيخ جان محمد يوسف المحترم
نواب الرئيس: خان بهادر قاضي شهاب الدين فضل بهاي وحاج يوسف محمد سليمان
مجلس أمناء الوقف:
الحاج خان محمد يوسف وفضل بهاي وحاج يوسف محمد سليمان والحاج هاشم عبد الله صاحب نوراني
أمين الصندوق: حاج هاشم نوراني
السكرتارية :
بهاء الدين عبد الله كر، ومحمد علي دهرماسي
أعضاء الوقف :
1- موسى بهاي تاريا توبان
2- الحاج عبد الرحمن قدواني
3- الحاج سليمان الياس
4- حاج آدم صديقي
5- دانيال بهاي
6- موسى بهاي سليمان عبد الواحد
7- رحمة الله داود باي قضا
8- حاج عمر جميل
9- مولوي عبد القادر باي قضا
10- كريم بهاي إبراهيم
11- حاج عبد الله عرب
12- حاج يوسف حاج عبد الستار
وقد تشكلت لجان فرعية في كل مدينة مهمة في الهند وبورما، وتم وضع مخطط كامل للجان متشابهة في كل من مصر وتركيا وجزيرة العرب.
لقد ذكرنا هذه الحقائق والتفاصيل في أمريكا ليس مشروعا عابرا ومؤقتا وقابلا للزوال خلال سنة أو سنتين، بل إنه أنشئ على أساس دائم ومدعوم من قبل رجال أتقياء مخلصين لا لأنهم صادقون في اعتقادهم، بأن الإسلام هو دين الحق فحسب، بل إنهم كذلك عندهم الرغبة والإمكانات لأن يساهموا بأموالهم بكل سخاء من أجل نقل نور الحقيقة إلى العالم الغربي. إن هدفهم هو ألا يكونوا متصفين بالعنف في دعوتهم بل دعاة معتدلين، وأن يمدوا ذراع الحنان لتطويق رقاب كل الذين عندهم رغبة في الإحساس بهذا الحنان وكل الذين ينظرون بعين الاهتمام والعدل نحو المبادئ التي أُوحيت للنبي العربي صلى الله عليه وسلم.
ألكسندر ويب