“من عادى وليا لله فقد حارب الله”
7) الأشياء التي تقرب العبد إلى ربه :
أولا : الاهتمام بتعلم العلم النافع، ومعرفة المسائل الشرعية، وأدلتها من الكتاب والسنة، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : >تفقهوا قبل أن تسودوا< وقال البخاري: > وبعد أن تسودوا، وقد تعلم الصحابة وهم كبار، وقال الإمام أحمد: حاجة الناس إلى العلم أكثر من حاجتهم إلى الطعام والشراب، فالطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه بعدد الأنفساس -انظر البخاري (باب العلم قبل القول والعمل).
ثانيا : المحافظة على مجالس الإيمان : والمداومة عليها، كالمحافظة على الجمعة والجماعات، والأعياد وغير ذلك.
ثالثا : تعمير الأوقات بالطاعات : ومما يقرب العبد إلى ربه معرفة قيمة الوقت وتعميرها بالطاعات، قال صلى الله عليه وسلم: >لن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه<(رواه الترمذي).
رابعا : الثقة بنصر الله، ومما يتقرب به العبد إلى الله: الثقة بنصر الله، واليقين بوعده قال تعالى: {وإن جندنا لهم الغالبون} ، فطبيعة الحرب بين أوليائه وأعدائه أن تكون سجالا، ينتصر المومنون في جولة، فتقوى شوكتهم، وتزداد قوتهم، ويذال عليهم في جولة أخرى. فيمحص الله ما في صدورهم ويبتلي ما في قلوبهم، ويتخذ من يشاء من الشهداء. ولكن الجولة النهائية لابد أن تكون لأولياء الله عز وجل والعاقبة في الدنيا والآخرة للمومنين وحزب الله. إذن فلابد أن يتربى الشباب المسلم على الثقة بنصر الله، واليقين بوعده، كما تربى الصحابة رضوان الله عليهم.
خامسا : تدبر القرآن الكريم،وسنة نبيه: ومما يقرب العبد إلى الله تدبر القرآن الكريم وأحاديث محمد صلى الله عليه وسلم، فإن من صفات المتقرب إلى الله، أن يزداد إيمانه بسماع القرآن الكريم، وبتلاوته، {وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا} ولذا ندبنا الله إلى قراءة القرآن وسماعه وتدبره، قال تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن}.
سادسا : التفكر في مخلوقات الله: ومما يقرب العبد إلى مولاه التفكر في مخلوقات الله، قال تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}، لأن التفكر يثمر في القلب من الإيمان بعظمة الله وقدرته والخوف منه أكثر مما يثمر قيام الليل.
سابعا : الإكثار من النوافل: ومما يقرب العبد إلى الله، الإكثار من النوافل بعد استكمال الفرائض، >ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه< فالفرائض هي رأسمال المومن، فإذا استكمل العبد فرائضه، وأراد أن يترقى في درجات الإيمان ورعاية الرحمان، يفتح على نفسه أبواب النوافل، والنوافل هي ما عدا الفرائض من أجناس الطاعات “صلاة، زكاة، صوم، عُمرة.
ثامنا : الخلق الحسن، ومما يقرب العبد إلى الله عز وجل، الخلق الحسن، وبما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة الحسنة، فقد اتصف بالأوصاف الخلقية المحمودة، كالعلم، والحلم، والتواضع، والكرم، والصدق، و الوفاء، وشدة الحياء، وحسن المعاشرة، وغير ذلك، عن أنسرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : > إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة مجالس، أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة أسوأكم أخلاقا، الثرثارون والمتفيهقون والمتشدقون<(رواه أحمد وابن حيان وصححه الألباني في الصحيحة 3395).
وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: >رأيت رجلا من أمتي جاثيا على ركبتيه، وبينه وبين الله عز وجل حجاب، فجاء حسن خلقه فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل<(الوابل الصيب في المنجيات).
تاسعا :الدعوة إلى الله: و مما يقرب العبد إلى ربه معرفة مراحل الدعوة إلى الله عز وجل، والعبودية المطلوبة في كل مرحلة، فحين كان الصحابة الكرام بمكة، لا دولة لهم ولا شوكة، كانت العبودية في الصبر على الأذى وكَفِّ الأيدي وإقامة الصلاة وغير ذلك من العبادات، مع الاجتهاد في نشر الدعوة، وبعد بيع العقبة الثانية أمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان بمكة بالهجرة إلى المدينة لإقامة الدولة الإسلامية، وتقوية الشوكة، فصارت العبودية المطلوبة في هذه المرحلة في ترك الأهل والوطن، والمال، والهجرة إلى المدينة امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك أذن في الجهاد والجلاد فالواجب على الداعي إلى الله أن يكون بصيرا بزمانه، فيحدد المرحلة التي تعيشها الدعوة، والواجب عليه في كل مرحلة أن لا تحركه العواطف الهوجاء، والحماسات الغوغاء، ولا التصفيقات الجوفاء، بل ينبغي أن ينظر بعين الشرع لا الهوى، وأن يتحرك لإعزاز دين الله إذا تيقن أن فيما يقوم به فيه إعزازاً لدين الله ورفع رايته. وهذا أيضا من البصيرة الواجبة في هذا الزمان، حتى لا تضيع الجهود، وتزهق النفوس دون ثمرة يجنيها المسلمون. كما يعلم أن الله مُكَلّف بالنتائج، وأنه لا يتخلى على دينه وأوليائه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته<(صححه الألباني : 244).
وأخيرا إذا تُبْتَ إلى الله، وأردت أن تتقرب إليه بما ذُكِر أو بعضه، فلا تحزن على ما فعلت قبل التوبة وخلطت عملا صالحا وآخر سيئا (دون حق العباد) فسوف تعود سيئاتك حسنات، إن شاء الله.
اسمع إلى هذا الحديث العظيم: سأل حكيم ابن حزام (1) النبي صلى الله عليه وسلم عن: عتاقة، وصلة، وبر، فعله في الشرك، هل يثاب عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : >أسلمت على ما أسلفت من خير<(رواه البخاري ومسلم وجاء فيهما أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : >من أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما فعل في الجاهلية، و من أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر< .
فقوله صلى الله عليه وسلم : >أسلمت على ما أسلفت من خير< يقتضي أن الإسلام الصحيح أعاد عليه ثواب تلك الحسنات التي كانت باطلة بالشرك فلما تاب من الشرك، عاد إليه ثواب حسناته المتقدمة، فهكذا إذا تاب العبد توبة نصوحا صادقة خالصة أحرقت ما كان قبلها من السيئات وأعادت عليه ثواب حسناته. اللهم قربنا إليك بأداء الفرائض وكثرة النوافل، واجعلها صالحة وخالصة آمين والسلام.
< ذ. الحسين فلييو <
——-
1- حكيم بن حزام صحابي جليل عاش مائة وعشرين سنة كحسان بن ثابث (ستون في الجاهلية وستون في الإسلام).