تنقسم الأمارات إلى قسمين : حسية، ومعنوية :
أ- الأمارات الحسية :
تتلخص فيما يلي :
1- اليُتْم :
أشار الله تعالى إلى هذه الصفة بقوله : {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى}(الضحى : 6).
يدُلُّ على أن الصفة كانت متداوَلة بين أهْل العلم بالكتب السابقة -بصفتها علامة مميزة-، ما أوْرَدَتْهُ كتب السنة والسيرة عن لقائه بالراهب (بَحِيراَ)(1) أثناء سفره إلى الشام مع عمه أبي طالب عندما كان في الثانية عشرة من عمره، فقد سأل الراهب عمّه : ما هذا الغلام منك؟ قال : ابني. قال له بحيرا : ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال أبو طالب : فإنه ابنُ أخي، قال : فما فعل أبوه؟ قال : مَاتَ وأمُّه حُبْلى به. قال الراهب : صَدَقْتَ، فارجع بابن أخيك إلى بلده، واحْذَرْ عليه يَهودَ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت لَيَبْغُنَّهُ شراً(2).
2- خاتَم النبوة :
قال الدكتور محمد أبو شهبة : قد وردت روايات عدة تفيد أنه صلى الله عليه وسلم كان في جسده قطعةُ لحم ناتِئة، عليها شَعَرٌ عند كتفه الأيسر كَزِرّ الحَجَلة(3) كما في صحيح البخاري، ومسلم، أو كبيضة الحمامة كما في صحيح مسلم، وهي ما كان يعرف بخاتَم النبوة.
والروايات تدل على أن هذا الخاتم كان من علامات نبوته في الكتب السابقة، كما تدل على ذلك قصة بحيرا الراهب، فقد تَحَايَلَ حتى رآه، ثم قال لعمِّه أبى طالب ما قال. والصحيح أن هذا الخاتم تكوَّن بعد الولادة، وأنه على الأصح كان بعد قصة شق الصدر، وأما القول بأنه وُلِد به، أو خُتم به عَقِبَ الولادة فضعيف(4).
روى الشيخان في صحيحيهما بسندهما عن السائب بن يزيد، قال : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : يا رسول الله، إنّ ابْنَ أخي وَجِعٌ، فَمَسَحَ رأْسِي، ودعا لي بالبركة، ثم توضأ فشربتُ من وضوئه، وقمتُ خلف ظهره، فنظرتُ إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زرّ الحجلة.
وروى مسلم بسنده عن جابر بن سمرة، قال : >رأيت خاتما في ظهر رسول الله كأنه بيضة حمام<(5).
قال الشيخ محمد أبو زهرة : هذه الصفاتُ الجسديَّةُ -سبق الكلام عنها في كتابه- كُلُّها صفاتُ كمال وجمال، وقد يشاركه بعض الناس في بعضها، ولكن لا يشاركونه في كلها، فلديه صفة جسمية لا يشاركه فيها أحد، وهي جزء بارِزٌ بين كتفيه، وهو مِنْ نَوْع جسمه، وإن كان بارزاً فيه، ويظهر من مجموع الروايات أنه كان صغيراً بحيث لا يظهر من وراء الثوب ناتِئاً نتوءاً واضحا، فقيل : إنه كبيضة الحمام، وقيل إنه كالتفاحة الصغيرة، وقد قال سلمان الفارسي : أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت الخاتم بين كتفيه مثل بيضة الحمامة. وقد تكاثرت الروايات في ذلك، حتى بلغ الخبر في ذلك حد المشهور المستفيض، وكأنه وصف جسدي معلم للرسالة، لا يُمَاري فيه من رآه، ولله تعالى آيات في خلقه(6).
والتوراةُ أيضا تتحدث عن الخاتم :
قال الماوردي : وفي الفصل السادس عَشَر منه -من السفر الخامس- >لِتَفْرَحْ أرض البادية العطشى بمنتهج البراري… فإنها سَتُعْطى بأحمد محاسن لبنان، ويكمل حُسْن الدَّساكر والرياض، وسترون جلال الله تعالى بها< قال أشعياء : >وسُلْطانُهُ على كَتِفِهٍ، يُرِيدُ : عَلاَمَةَ نبوَّتِهِ على كَتِفِهِ، وهذه صفة محمد، وبادِيةُ الحجاز<(7)، أي هذا الخاتم هو صفة محمد، والحجاز هو صفة للبلدة التي سيُبْعث فيها محمد صلى الله عليه وسلم بنعوته الواضحة.
قال السهيلي : والحكمة في خاتم النبوة على جهة الاعتبار : أنه لمَّا مُلئ قلْبُهُ حكمة ويقينا -يَقْصِدُ بعد شقِّ الصَّدْر- خُتِم عَلَيْه كما يُخْتَمُ على الوعاء المملوء مِسْكاً أو دُرّاً، الدر : الذهب(8).
يكتبها :
ذ. المفضل فلواتي
———-
1- بحيرا بفتح الباء وكسر الحاء، واسمه جر جيس بكسر الجيمين، ويقال سرجس، كان حَبْراً من أحبار تيما، وقيل كان نصرانياً من عبد القيس انظر الروض الأنف 205/1 وغيره.
2- السيرة النبوية لابن هشام ج /1 ص 180، والقصة واردة أيضا في سنن الترمذي ووقعت فيها مناقشة كثيرة من حيث السند، والمهم عندنا هو اليتم ولا يجادل فيه أحد.
3- الحَجَلة بفتح الحاء والجيم، الخيمة المزيّنة بالسُّتور، وزِرُّها هي : البكرة التي تربط بها الحِبال، وقيل : الحَجلة، طائر صغير، وزِرُّها بيضتها.
4- شرح المواهب ج 192/1 . نقلاً عن كتاب “السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة’ لأبي شهبة 203/1.
5- صحيح البخاري -كتاب المناقب، باب : خاتم النبوة، وصحيح مسلم، كتاب : الفضائل، باب صفة خاتم ا لنبوة، المرجع السابق.
6- خاتم النبيئين للشيخ أبي زهرة 326/1.
7- أعلام النبوة للمَاوَرْدي 174.
8- الروض الأنف 161/1.