عندما اراد المؤرخ السينمائي العالمي المعروف جان لوك التعبير عن اعجابه بإبداع المخرجة الايرانية سميرة مخمالباف، الفائزة بجائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان كان لعام 1998، قام باهدائها حجابا، وعلقت مخمالباف على الهدية بان ” السيد لوك يعلم انني مسلمة ارتدي الحجاب، وهذا لا يمنع المراة من الابداع “. اما في مصر فتبدو الصورة مختلفة، حيث تم تصوير ارتداء عدة فنانات شابات للحجاب على انه ” يأتي في اطار استهداف مصر من بعض القوى المعادية لها، ولان الفن رمز قوي لمصر في كل المنطقة العربية فقد وقع الاختيار عليه لتوجيه ضربة قوية “.
وتكشف تلك المفارقة بين نظرة المرأة الايرانية للحجاب وبين ما يثيره ارتداء الحجاب بالنسبة لبعض المنتمين للوسط الفني في مصر بعمق عن اختلاف مفهوم ودور الفن في كلا البلدين.فالسينما الايرانية – بخمارها الاسود الشهير – احتلت مكانة دولية مرموقة، فيما لا زالت السينما المصرية تدور في فلك المنافسة بين نجمة الجماهير ونجمة مصر الاولى !! وكانت الساحة الفنية المصرية قد شهدت مؤخرا جدلا عنيفا في اعقاب القرارات المتتالية لاربع فنانات شابات باعتزال الفن وارتداء الحجاب، وزاد من حدة هذا الجدل كون النجمات المعتزلات مازلن في بداية مشوارهن الفني، وان كن قد وضعن اقدامهن بقوة على بداية سلم الشهرة والنجومية، ولعب بعضهن ادوار بطولة مطلقة بعد مضي اقل من عامين على دخولهن مجال الفن.
ولعل ذلك النشاط الفني الصاخب هو ما اصاب الكثيرين في الساحة الفنية بالصدمة، حيث كانت قرارات الاعتزال في السابق تقتصر على اسماء فنية كبيرة ذات تاريخ فني طويل، وهو ما كان البعض يفسره بانه محاولة لجذب الاضواء التي انسحبت عنهن لصالح فنانات صغيرات، فيما نظر البعض الاخر للامر باعتباره امرا طبيعيا بالنسبة لنساء بلغن من العمر ارذله، ويبحثن عن نهاية هادئة لرحلة العمر، وليس هناك راحة للروح والجسد افضل من الخلود للعبادة والتدين. وهذا ما تم تداوله في اعقاب اعتزال شادية وسهير البابلي وشهيرة وشمس البارودي وغيرهن من الفنانات المعتزلات.
اما في هذه المرة فالامر مختلف، ولعل هذا ما عبرت عنه صحيفة صوت الامة المصرية، والتي تعد من اشد المنتقدين للفنانات المعتزلات، حيث اعترفت الصحيفة بان اعتزال الفنانات الشابات مثل ميرنا ونادين ومايا وموناليزا سوف يربك الساحة الفنية، مشيرة الى ان هؤلاء الفنانات قدمن تجارب تحسب لهن، ولم تقدم واحدة منهن ما يسيء للفن ولم يرتبط اسم واحدة منهن بشائعات هي اقرب الى الحقيقة.
بدأت الممثلة الشابة موناليزا قرارات الاعتزال الاخيرة، وكان قرارها مفاجأة اذهلت الكثيرين، فـ موناليزا مزدوجة الثقافة، والدها مصري وامها انجليزية، كما انها قضت فترةطويلة من عمرها في بريطانيا. وخلال رحلة فنية قصيرة لم تتجاوز اربعة اعوام، ثبتت موناليزا اقدامها بقوة في بورصة النجوم، حيث رشحها المخرج سعيد حامد والمنتج محمد العدل للمشاركة في فيلم ” همام في امستردام ” امام النجم محمد هنيدي، ثم اقتسمت بطولة فيلم ” عمر 2000 ” مع خالد النبوي ومنى زكي، واقتربت من دور البطولة الكاملة امام المطرب مصطفى قمر في فيلم ” اصحاب ولا بيزنس “، وعلى خشبة المسرح كان لها تجربة واحدة مع الفنان علاء ولي الدين في مسرحية ” حكيم عيون”، وجاءت طلتها الاخيرة عبر الشاشة الفضية من خلال المسلسل الرمضاني ” حديث الصباح والمساء “، وبعدها سافرت موناليزا الى السعودية لأداء العمرة، ويبدو أن أضواء ” مكة والحرم ” كانت أكثر جذبا من أضواء السينما والمسرح، لذا عادت موناليزا لتعلن للجميع اعتزالها وارتداء الحجاب.
وكعادة الوسط الفني انتشرت الشائعات حول أسباب الاعتزال، وتحدث البعض عن أن موناليزا قررت الاعتزال لأنها محبطة بعد الانتقادات العنيفة التي وجهت لدورها في مسلسل ” حديث الصباح والمساء ” بزعم انها فشلت في تقمص الشخصية التي قامت بدورها، ونمنم البعض الآخر بأن النجمة الشابة منذ البداية منطوية وانعزالية ولذلك لم تستطع التكيف مع عالم الفن المليء بالحركة والنشاط.
وردت موناليزا على تلك الشائعات، مؤكدة أنه من غير المعقول أن ترتدي فنانة الحجاب وتغير مسار حياتها لمجرد تعرضها للنقد بسبب أحد الأدوار التي قامت بها. كما نفت موناليزا شائعات الانطواء والانعزالية، مؤكدة أن علاقتها جيدة مع الجميع لكن في الحدود التي لا تسبب لها أو للآخرين أي حرج، و قالت ” اعتقد البعض أنني فتاة متحررة لأنني عشت فترة طويلة في الخارج، ولكن عندما تأكدوا أنني ملتزمة بتقاليدنا وعاداتنا ربما أكثر من التزام مَنُ لم تعش خارج بلدها يوما واحدا صدموا واتهموني بالانطواء والعزلة”.
وكشفت موناليزا عن أنها كانت تشعر بقلق وتوتر وتفتقد الإحساس بالأمان والطمأنينة طوال فترة عملها في الفن، وخلال وجودها مؤخرا في السعودية لأداء العمرة، دعت الله بعدة أشياء فاستجاب لها بأسرع مما كانت تتوقع، عندها شعرت أنه من الواجب عليها أن تستجيب لأوامر الله، فقررت الاعتزال وارتداء الحجاب، مؤكدة أنها شعرت براحة وطمأنينة طالما افتقدتهما.
وقطعت موناليزا الطريق على اي تأويلات عن اسباب الاعتزال والحجاب، مشيرة الى ان انسحابها من ساحة الفن وهي مازالت نجمة شابة مطلوبة من المنتجين اكبر دليل على ان القرار نابع من داخلها، ولفتت إلى أنها لم تتخذه مثلا لأن الاضواء انسحبت من حولها أو لانها لم تعد مطلوبة مثلما يتهمون بعض الفنانات اللائى اتخذن هذا القرار في سن متأخرة، وتابعت موناليزا ” وان كان هذا لا يمنع انني تأثرت كثيرا بكل من سبقني من الفنانات الكبار اللاتي اكتشفن رغم كل ما حققنه من نجومية ان الاعتزال والابتعاد عن الفن اقوى، لذلك قررت ان ابدأ به بدلا من انهي حياتي به “.
وبعد فترة قصيرة من اعتزال موناليزا، جاء قرار ميرنا المهندس بالاعتزال ليثير ضجة اخرى، خاصة وان ميرنا اختفت لفترة طويلة عن الساحة، ثم عادت للظهور من خلال المسلسل التليفزيوني ” بنات أفكاري “، وبعدها بفترة نقلت المجلات الفنية خبر اعتزال ميرنا وارتدائها الحجاب.
وتناولت الصحف والمجلات الفنية اعتزال ميرنا بأسلوب جارح للغاية، حيث ركزت جميعها على حالتها الصحية، وكيف أنها قررت الاعتزال بعد رحلة علاجية فاشلة في الخارج، ووصل الأمر بإحدى الصحف الى نشر صورتين لميرنا إحدهما قبل الحجاب والثانية بعده، وأخذت الصحيفة توضح مدى التعب والإعياء الواضح على وجه ميرنا في الصورة ذات الحجاب. كما أسهبت الصفحات الفنية في الحديث عن تفاصيل المرض ورحلتها مع العلاج، ولم تجد ميرنا أمام ذلك الانتهاك الصارخ لأبسط خصوصيات الإنسان سوى أن تؤكد ” أن الأعمار بيد الله “.
والربط بين مرض ميرنا واعتزالها بشكل أتوماتيكي هو محاولة لقلب الحقائق، إذ أن قصص معاناة الفنانين مع المرض عديدة ومتنوعة سواء كانوا رجالاً او نساء، ومع ذلك استمروا في مجال الفن ولم يعلنوا الاعتزال، حتى ميرنا نفسها قامت بأداء دورها الأخير في مسلسل ” بنات أفكاري ” وهي تعاني من الآم المرض.
ولكن هذا لا ينفي ان محنة المرض تجعل الإنسان أكثر قدرة علىإادراك المعاني الحقيقية للأشياء، وهو ما اكدته ميرنا في أحد أحاديثها بعد الحجاب ” سعادتي الحقيقية في التقرب إلى الله وليست في مشواري الفني “، مشيرة إلى أن ما تحلم به من أعمال وشهرة تجعلها تتنازل عن أشياء كثيرة قد تندم عليها فيما بعد، كما أنها لم تجد السعادة في الوسط الفني ولا الحب الحقيقي ولا الصداقة، فمجال الفن مليء بالنميمة والحروب، والناس ينظرون للفن وللممثل نظرة سيئة، على حد تعبيرها.
وجاء انضمام الفنانة عبير صبري إلى قافلة الفنانات المحجبات المعتزلات ليثير صدمة هائلة في الوسط الفني، فعمر عبير الفني لم يتجاوز عشر سنوات قدمت خلالها ثمانيه أفلام واثني عشر مسلسلا وأربع مسرحيات، ومع ذلك فقد لعبت العديد منأادوار البطولة المطلقة ولمع اسمها بشدة في بورصة النجوم، وكان طريقها لذلك خليط من أدوار الإغراء والملابس المكشوفة، واحتلت عبير صبري مكانة متقدمة في قائمة ممثلات الإغراء والجسد في السنوات الخمس الماضية، وأجندتها الفنية حتى يوم اعتزالها كانت مليئة بالأعمال سواء في السينما أو المسرح او التليفزيون، وفيلمها الاخير ” فلاح في الكونجرس ” ينتظر عرضه خلال الموسم الصيفي القادم.
ولعل تلك المقدمة هي ما دفعت عبير لكي تؤكد انها اتخذت قرار الحجاب وهي تتمتع بكامل صحتها وبكامل قواها العقليه وهي تعيشوسط أجواء الشهرة والمال ومتع الدنيا كلها، واضعه كل ذلك تحت قدميها لتتجه بكل وجدانهاإللى الله، وسخرت عبير من اتهام الفنانات المعتزلات باستخدام الحجاب كوسيلة للشهرة والدعاية، مؤكدة أنهن لسن في حاجة لذلك.
وعلى الرغم من ان أعتزال عبير شكل صدمة للكثيرين إلا أن المقربين من الوسط الفني كانوا يتوقعونه منذ فترة، حيث بدأت عبير صبري في الاستماع إلى دروس الداعية عمرو خالد، خاصة ما يدور حول التوبة والصلاة، وخلال تصويرها لأعمالها الاخيرة لاحظ البعض حرص عبير على أداء الصلاة، ثم كان قرار الاعتزال الذي أكدت عبير أنها لن تخسر شيئا بسببه، لأن كل فلوس الفن كانت تنفقها في الملابس والاكسسوارات، وأن المكسب الحقيقي هو مرضاة الله التي لا شئ قبلها ولا شئ بعدها.
وبعد أيام قليلة من اعتزال عبير صبري فوجئت الساحة الفنية بانسحاب هادئ وتام من جانب الفنانة غادة عادل، لتنهي خمسة أعوام قضتها في دنيا الفن، شاركت خلالها بقوة في مجموعة من أنجح أفلام ما يطلق عليها ” السينما الشبابية “، حيث شاركت مع محمد هنيدي في فيلم ” صعيدي في الجامعة الأمريكية “، ثم اقتسمت معه بطولة ” بليه ودماغه العالية “، ثم مثلت البطولة النسائية أمام علاء ولي الدين في فيلم ” عبود على الحدود “، وتكرر الأمر في فيلم ” 55 إسعاف ” مع أحمد حلمي ومحمد سعد. وعلى الشاشة الفضية وقفت غادة امام سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في المسلسل الرمضاني ” وجه القمر”.
وعلى الرغم من أن غادة بدأت مشوارها الفني كفتاة اعلانات، إلا أنه سرعان ما انفتحت أمامها أبواب الشهرة، حيث تزوجت المنتج والمخرج السينمائي مجدي الهواري، وهو ما جعل البعض يؤكد أن غادة دخلت دنيا الفن وفي فمها معلقة من ذهب، فترى لماذا ألقت غادة بتلك المعلقة، وفضلت عليها أن البقاء في البيت لتربية أبنائها والتفقه في أمور الدين ؟ !.
مصطفى عبد الجواد