تتلاحق الأحداث بعضها تلو بعض، داخل الوطن وخارجه، بعضه يترك حرجا عميقا لا يندمل، وبعضه يترك صدى، وبعضه يمر مر السحاب. جرح فلسطين أعمق من أن يندمل، لأنه قلب الأمة، والقلب مضغة إذا فسدت فسد الجسد كله. أحداث فلسطين جسيمة، جسيمة بشعبها المشرد الجائع الخائف الحيران الوحيد، ولك أن تضيف ما شئت من الصفات، إذ لم يتحمل شعب في الدنيا ما يتحمله الشعب الفلسطيني اليوم، ولم يتكالب العالم على شعب كما هو متكالب اليوم على الشعب الفلسطيني، ولكن العزاء في ذلك هو ما تبشر به رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم على شعب فلسطين في رباط إلى يوم القيامة، وأن النصر آت لا محالة، وأن قلعتي الشر إلى زوال. أحداث فلسطين جسيمة، وكل حدث منها تصحبه أقوال وتصريحات، ومن الأقوال التي كانت حافلة بالدلالات – حتى وإن كان الحدث المتعلق به قد مضى – قول أحمد عبدالرحمن الأمين العام لحكومة السلطة الفلسطينية، لإحدى القنوات الفضائية العربية، لما كان الرئيس عرفات محاصرا في رام الله، إننا صامدون، وإن الإسرائيليين مهما فعلوا، لن يجدوا “قرضاي” واحدا في فلسطين. هذا القول بقي يرن في أذني رغم مضي أسابيع على ذلك لما يتضمنه من دلالات -كما قلت- يرتبط بعضها بفلسطين، وبعضها بخارج فلسطين. إننا لو ترجمنا كلام الأمين العام لحكومة السلطة إلى ما هو أوضح، لقلنا إنه يريد أن يقول إن الإسرائيليين بحصارهم لعرفات وعزلهم له، وحديثهم عن إبعاده في ذلك الوقت عن أراضي الحكم الذاتي، ومحاولتهم البحث عن بديل له شبيه بما فعله الأمريكيون في افغانستان، حينما عزلوا طالبان عن الشعب وأبعدوها عنه، وجاءوا بحميد قرضاي، بديلا للملائم، وبكلام أكثر وضوحا: إن الاسرائيليين مهما فعلوا لإبعاد عرفات الوطني الفلسطيني، فإنهم لن يجدوا خائنا يخلفه ويخدم مصالح اليهود بشكل مباشر، كما فعل الأمريكيون حينما أبعدوا حكومة طالبان الوطنية الأفغانية وجاءوا بشخص أقل ما يقال عنه بأنه خان أولئك الوطنيين. لا ينبغي أن يفهم من كلامنا هذا أننا نؤيد فلانا أو علانا أو ننتقص من قدر هذا أو ذاك، ولكن دلالة القياس الوارد في القول السابق لا تخرج عن هذا الإطار المشار إليه، ومن هنا يمكن أن نقول، إن ما حدث في أفغانستان يعتبر خيانة الشعب الأفغاني، هذا ما يوجد في ذاكرة الشعوب الإسلامية، وفي ذاكرة حكامهم، ولو في لاَ وَعْيهِم، ومما يدل على ذلك القول المشار إليه آنفا. لقد أعجبني هذا القول، وكل أملي أن يكون معبرا عن الواقع أصدق تعبير على الأقل على مستوى القيادة، وكل أملي أيضا هو ألا تكون الانتخابات التي تؤدي بها بعد رفع الحصار عن الرئيس عرفات، محاولة “ديمقراطية” للإتيان بقرضاي فلسطين. إن الواقع يدل على أن هناك من هو أقبح من قرضاي ممن يعيش مع الشعب الفلسطيني، وإلا فما معنى أن يوجد صاروخ في وقت محدد نحو هدف معين، وقد يكون متحركا، على الأقدام أو في سيارة، لولا وجود اتصال مباشر بين من يطلق الصاروخ، وبين من يدل على الهدف بشكل محدد. لكم الله يا أهلنا في فلسطين، فنحن لا نملك إلا الدعاء، فعسى الله أن يأتي بالفتح المبين، فيصبح كل العملاء والخونة على ما فعلوا نادمين، كما هو شأن إخوانهم في لبنان من الحديين. < د. عبد الرحيم بلحاج