مدخل عام
ثمة مثل شعبي شائع يقول: (العربة الفارغة أكثر جلبة للضوضاء).. والأمثلة الشعبية كما هو معروف تمثل اختزالات فطرية بسيطة، لمعاني اجتماعية كبيرة، ثبتت صحتها ببرهان التجربة التاريخية الطويلة..
والتأمل الفاحص في البناء النفسي للإنسان – أي إنسان - لن يعييه ملاحظة أن أكثر الأوقات ضياعا وتوترا وخطورة في حياته هي تلك التي يشعر فيها بالفراغ، دون القدرة على توظيفه، أو استثماره أو ترشيده، إنه يكون أكثر استعدادا للانحراف، وأكثر توترا وقابلية للإثارة.. لذلك نجد الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه يقول:>نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ<..
وما يصدق على الفرد يصدق على البناء النفسي للمجتمع، حينما تتسع رقعة الفراغ فيه، دون تخطيط راشد يضمن السيطرة على فعالياته المتنوعة في هذا الفراغ بما يضمن عدم تصادمها أو انفلاتها، أو توجهها وجهة عدوانية، وبالتالي تصبح السيطرة على وقت الفراغ شرطا أساسيا لتحقيق السلام الاجتماعي للأمة وضمان سلامة شبكة علاقتها الاجتماعية..
وعلى جانب آخر، فإن السيطرة على إشكالية وقت الفراغ تمثل شرطا ضروريا لسد منافذ الغزو الثقافي والقيمي الأجنبي للأمة، لأن طبائع النفس تميل إلى كل جديد وطريف، وكلما مالت النفس إلى الاسترخاء أو الخواء كانت أكثر انجذابا إلى هذا الذي يبدو طريفا في ظاهره.. ووقت الفراغ هذا أكثر الأوقات ملاءمة لتحقيق الاسترخاء الفكري، أو هشاشة الضبط القيمي، وبالتالي فهو أنسب الأوقات لنفاذ الطرائف والبدائع إلى النفس، وهناك تكمن خطورته إذا ما تركت هذه النفوس والعقول الخاوية المسترخية، أمام طوفان الطرائف والبدائع الوافدة بإلحاح من المجتمع الغربي، في مجالات الثقافة، الفن، الأخلاق، الأزياء، والآداب وغيرها، وعبر وسائل بالغة الجاذبية، عبر الصحيفة، أو المجلة الأنيقة، أو عبر الإذاعة والتلفزيون بمستواهما الفني الرفيع، وعبر السينما، عبر أجهزة الفيديو، عبر شبكات الانترنيت، وشبكات الإعلان والدعاية التي تحاصر الإنسان أينما ذهب..
فإذا لم يكن لدى الأمة، مشروعها الحضاري، بديلا حادا ومتفوقا يمتلك الجاذبية الفنية العالية، ويتحرك على تقنيات فنية رفيعة المستوى، أو إذا لم يكن بمقدور المشروع الحضاري أن يحقق موازنة جديدة بين النشاط العملي والنشاط الترفيهي، أو لم يكن بمقدوره إعادة صياغة المدركات العامة للأمة، بما يحقق وعيا جديدا لمفهوم الوقت، وتقسيمه وقيمته ودوره، أو تباين ذلك كله بين الأمم…أي بوجه عام إذا لم يكن لدى المشروع الحضاري الإسلامي خططه وبرامجه للسيطرة على وقت الفراغ فسيكون ذلك بمثابة تأشيرة دخول مفتوحة للتيارات الثقافية والقيمية والأخلاقية الأجنبية لكي تنفذ إلى صميم الأمة من خلال هذا الثقب الخطير: وقت الفراغ..
وباعتبار الشباب الطور الحاسم في حياة الإنسان، وهو الدور الذي تبنى فيه كل العقائد والمُثل، وتتشكل فيه النفس الإنسانية والعقل البشري بحيث تكون متأهبة لأداء دورها في حمل أمانة الحياة ومسؤولية المجتمع، وهو الذي تصاغ حوله البدائل الحضارية للمجتمعات والأمم.. باعتبار هذا وغيره فقد رأينا أن يكون التركيز في هذا المقال على مناقشة إشكالية وقت الفراغ من وجهة نظر شبابية، أي محاولة الإجابة على التساؤل التالي: أي دور للشباب في معالجة إشكالية وقت الفراغ والمساهمة في صياغة بديل حضاري راشد وأصيل لسد هذا الثقب الخطير؟
وقت الفراغ إشكالية حقيقية
لم يعد من قبيل الطرافة، أو من قبيل المبالغات الفكرية البعيدة، ذلك التوصيف الجديد للحضارة المعاصرة بأنها(حضارة وقت الفراغ) !، فإذا نظرنا إلى أن نصف الفعالية الإنسانية في المجتمع المعاصر تقوم أساسا على وجود وقت الفراغ حيث يتسع نطاق النشاط الخدمي بصورة عظيمة، إضافة إلى أن النصف الآخر(الإنتاجي) يعتمد في حركيته الاجتماعية على فرضية وجود وقت الفراغ، لأن النشاط الإنتاجي يصاب حتما بالشلل والانكماش إذا لم تواكبه حركة استهلاكية نشيطة، وهو الأمر الذي يعتمد بالدرجة الأهم على وجود وقت فراغ، الذي يسمح للجمهور بالتسوق والشراء ونحوه، إذا نظرنا إلى هذا الجانب وحسب، قد نوافق أن يكون مقبولا لدينا تصور وصف الحضارة الحديثة بأنها (حضارة وقت الفراغ)..
في هذا الصدد نقول بضرورة السيطرة على وقت الفراغ، لأن ذلك يتيح للأمة القدرة على سد منافذ الانحراف السلوكي، لأن هذا الثقب هو الأكثر ملاءمة للميل إلى المتعة، وهشاشة الضبط القيمي في النفوس.. وفي هذا السبيل يمكننا القول، بأن ظاهرة (المخدرات) واستفحالها في صفوف شباب المجتمع الإسلامي – ما زال الضمير العام فيه يحمل قيم الحلال والحرام في الإسلام- تمثل إحدى منافذ الخرق والثلم في المجتمع، ناتجة عن غياب السيطرة الرشيدة على مشكلات وقت الفراغ.. وكلامنا هذا لا يعني منه حصر أسباب هذا الانحراف السلوكي في وقت الفراغ وحده، فلا شك أن ثمة مؤثرات أخرى تربوية وقيمية ونفسية، إلا أننا نزعم أن وقت الفراغ كان الثقب الذي نفذت من خلاله كثير من المظاهر الانحرافية في المجتمع، بحيث لو أمكننا السيطرة عليه لأمكننا- بالضرورة- تحجيم أو سد أخطر منافذ الانحراف السلوكي في المجتمع..
الوجه الآخر لوقت الفراغ
إن وقت الفراغ في تاريخ التقدم الإنساني، كان بمثابة المظلة النفسية الاجتماعية الوادعة التي تتيح للفكر الإنساني قدرة أوسع وأعمق على ابتكار الجديد، وتطوير ما هو كائن، وتحسين ما هو موجود، والبحث عن صورة أفضل للحياة.. فغياب التخطيط للسيطرة على مشكلات وقت الفراغ حتى مع افتراض أننا اتقينا الاختراق الخارجي أو الانحراف السلوكي الداخلي فإنه يتسبب في إهدار طاقات الأمة الفاعلة، وحرمانها من نعمة التأمل والتفكر والبحث عن صورة أكثر إشراقا للمستقبل المأمول، وهنا تبرز حكمة الحديث الشريف الذي يبين الغبن الذي يلحق بالإنسان من جراء عدم استثماره لهذه النعمة المهداة من رب العالمين >نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ<..
ومن المفارقات العجيبة هنا، أنه بينما تتسرب في مفاهيم الكثير من أبناء الأمة اليوم أن وقت الفراغ هو من (البطالة)، فإن كافة التعريفات الغربية لوقت الفراغ تتناوله لقيمة اجتماعية إيجابية، بل إن الباحث الأمريكي ( فرانك جوبو) يعتبره شرط التقدم ونتيجة في آن واحد..
والتصور الحالي لكثير من أبناء الأمة وشبابها لوقت الفراغ، على أنه نوع من (البطالة) هو ترجمة عفوية للشعور بعبثية النشاط الاجتماعي فيه، وغياب أي تخطيط أو ترشيد حضاري له، يتيح لهم الشعور بقيمته الإيجابية..
من هنا نقول مرة أخرى إن السيطرة على وقت الفراغ ونقله من دائرة مفهوم سلبية و(البطالة) المزعومة إلى دائرة الإيجابية، تتيح للأمة ضمان تجدد حيوية الفعل الإنساني، وتنشيط طاقتها. وبالمقابل فغياب هذه السيطرة تفوت تلكم القيمة الهامة لوقت الفراغ، مما يؤدي إلى استمرارية الإجهاد الذهني العصبي العضلي لفعلها الإنساني العام، الأمر ا لذي ينعكس سلبا على إنتاجيتها فكريا وفنيا وماديا..
وفي هذا السياق، نشير إلى خطر جديد وخفي، يتمثل في أن الكثير من تقنيات وآليات شغل وقت الفراغ اليوم، لم تعد تملك مجرد ملء الفراغ، بل صناعة الفراغ كذلك ! مما ينتهي عادة بإثارة الارتباك في توازنات الحركة الاجتماعية للأمة، يرهق مجهودات البحث والتخطيط لتقدم المجتمع..
مرحلة الشباب والدور المطلوب
عبر التاريخ كان تركيز الأمم الواعية على بناء شبابها بحيث يكون قادرا على حمل التكليف والاستخلاف وحماية الكيان والإضافة إليه وتجديده، ومنهذا المنطلق فقد كان من حق الشباب أن يعرف الأمانة التي سيحملها، والدور الذي قطعه السابقون له من الأباء والأجداد حتى يستطيع أن يبدأ من حيث انتهوا، وأن يجدد مارم، ويحفظ ما صلح، وأن يواصل المسيرة على طريق الحق والخير.. ومن شأن الشباب في هذه المرحلة أن يشكل ذاتيته على أناة، فلا يكون صورة مشابهة للأجيال السابقة، لان ذلك معارض لطبيعة الأشياء، وأن يكون في نفس الوقت قادرا على الانتفاع بالإيجابيات في مجتمعه وعصره، حفيظا على القيم التي هي ميراث الأمة من عقائد وأخلاق وآداب ومفاهيم، ترتبط أساسا بوجود هذه الأمة هو زهرها اليانع وشبابها الطالع..
فإذا غفل الشباب عن هذا الارتباط بالحاضر الموجود والماضي القائم، فإنه سوف يجد نفسه في فراغ لا يستطيع معه أن يشيد بناء أو ينمي حياة، ذلك لأن الارتباط بين الأجيال قائم ومستمر، وأن الأمانة منذ أن أعطاها الله تعالى للإنسان متداولة بين الأباء والأبناء، ولكل جيل سمته وطابعه، ولكن لهذا الطابع جانب ثابت متصل بالمواريث والقيم التي تشكل الأمة كلها أساسا، والتي لا يمكن الخروج عليها..
إن أهم ما يوجه الشباب إليه من اهتمام، هو تكوين شخصيته القادرة على اقتحام الحياة، وذلك إنما يكون بالثقافة والتماس الخبرة المنثورة أمامه بين صفحات التاريخ، وبين تجارب الأحياء، وإنما تتكون الشخصية السوية بالتوسط بين العاطفة والعقل، والتعادل بين الروح والمادة دون الاستسلام للغرائز والرغبات، والقدرة على بناء الإدارة وتحريرها، والسيطرة على معطيات النفس والجسم وحسن توجيهها، فإنما هي الثروة التي إذا فقدت، عاش الإنسان بعدها عليلا ضعيفا..
إن الشباب حين يمضي يجد أمامه طريق الخير ويجد طريق الشر، أما طريق الخير فهو محفوف بالصعاب والضوابط، ويتطلب مشقة في تثبيت الخطوة عليه، ولكنه موصل جيد إلى امتلاك القوة والصحة والحياة الطيبة. أماطريق الشر، فإنه سهل يسير، وفيه إغراء وبريق، ولكنه يهدم الشخصية ويحطمها. والنجاح في الحياة ليس حظا يساق إلى الإنسان، ولكنه استعداد وعمل وإدارة وخلق، وقوة الخلق هي العامل الأول، والاستمرارو المثابرة والدأب والصبر وعدم اليأس، وليس المطلوب الوصول إلى الذروة دفعة واحدة، ولكن العبرة بالوصول إلى الوسط، والعطاء على قدر العزيمة..
إن هناك مفاهيم كثيرة، أصبحت كالمسلمات لدى شباب اليوم، علينا أن نصححها حتى تستقيم لهم القدرة على مواجهة الحياة. إن على شبابنا أن يتقبل النقد، ولا يضيق به. ما هو النقد؟ إنه وجهة النظر الأخرى التي قد يستفيد منها، فإذا جاءت من صاحب الخبرة وغير صاحب الهوى، فهي معرفة أوسع، وأفق أرحب.. فعلى الشباب حين يريد الحكم على الأمور ألا يندفع وراء العاطفة، أو الغاية الخاصة، أو رغبة الهوى، ويجعلها مصدر أحكامه، فإن ذلك ليس مقياسا صحيحا، ولا ميزانا سليما..
وعلى الشباب أن يكون قادرا على أن يربط بين التجدد والأصالة، وأن يقبل الحركة والانفتاح والتلقي مع الاحتفاظ بقاعدته الأساسية في الإيمان بالله والقيم الثابتة..
فالمسلم لا يعرف اليأس، ويعاود الكرة، فلا يتصل اليأس إلا بالنفوس المهزومة الفارغة من الإيمان بالله تعالى، أما المؤمنون فإنهم دائما آملون، ومن اليأس يأتي التشاؤم والقلق، والمسلم يعقل الأمر، ويتوكل على الله، فلا يهمل الأمر اتكالا على القدر يحفظه.. والمسلم لا يباشر عملا قبل الاستعداد له، ولا يترك عملا اتكالا على ما سيجيء به القدر، فالعاقل من عقل وتوكل..فالاعتماد على الله رأس الأمر كله، فلا تخشى مواجهة الناس ما دمت على الحق، احمل حاجتك فأنت أولى الناس بها.
وتجويد العمل مع الإبطاء خير من الإسراع فيه مع سوء أدائه، وإخلاص العمل لله تعالى شرط من شروط نجاحه وفاعليته، والعجلة تفسد العمل وتورث الندامة، والتروي مع التجويد أدعى إلى النجاح، و لا يقنط المسلم من رحمة الله، فإن أخطأ فإن الله غفور رحيم، وكل بني أدم خطاء، والإسلام يسر، وليحذر المسلم ممن يقنطه من رحمة الله، أو يجره إلى الخطأ..
إن المطلوب من الشباب عموما أن يقفوا وقفة تأمل في حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم اتجاه أنفسهم واتجاه أمتهم المليئة بالأوباء الحضارية..
الشباب وحل إشكالية وقت الفراغ
مما سبق ومن هذا المنطلق نطرح سؤالنا المبدئي: هل يمكن وجود وقت فراغ في حياة الشاب المسلم؟
ونحن نجيب على الفور: لا. وذلك، استنادا إلى القاعدة التصورية الإسلامية العامة، التي تشكل الإطار الموضح، والمرجع الحكم، لمختلف المفاهيم في حياة المسلم..
والتصور الإسلامي، ينطلق من معنى أن الزمن ليس ملك ا لإنسان، وإنما هو خلق من خلق الله تعالى ملكه {الله خالق كل شيء، وهو على كل شيء وكيل}، وهو الذي استخلف الإنسان في هذه الأرض، و(الخلافة) هي رسالة الإنسان تحتويها الآية الكريمة:{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}.. فالإنسان مطالب باستفراغ الوقت كله في عبادة الله، وهذا يعني أن العبادة اصطلاح شمولي، يتسرب في كل نشاطات الإنسان، ويعيش معه في كل أوقاته، ومن ثم: العمل والفكر والسكون والحركة، الجد والمرح، والقتال واللهو، والأكل الشرب، والنوم والعلم، وكافة نشاطات الإنسان عبارة عن تنويعات على وتر وحد، هو العبادة..
البحث عن حل إسلامي لإشكالية وقت الفراغ، بناء على ما قدمنا يصبح ضرورة حضارية، ويحتل فيه دور الشباب الدائرة الكبيرة بامتياز..
والجهد الإسلامي لحل هذه الإشكالية ينبغي أن يصرف باتجاهين: فكري، وعملي.
أولا – الاتجاه الفكري :
الأساس الأول : ترسيخ معنى ملكية الوقت/العمر لله تعالى، وأن الإنسان مستخلف فيه، لأن ذلك المعنى يعزز من حضور القيم الرسالية في ضمير الشاب المسلم في مختلف نواحي نشاطه الإنساني، ويعمقالإحساس لديه بجدية رسالته في الحياة وينفي عنها معنى العبث والتيه..
الأساس الثاني : العمل على استبدال المصطلحات الغربية في هذه الإشكالية باصطلاحات بديلة، تتوافق مع الروح الإسلامية والتصور الإسلامي، في مقدمة تلك الاصطلاحات مصطلح (وقت الفراغ)، ولا بأس بأن يطرح مكانه اصطلاح (وقت التنشيط) أو (وقت الترويح) باعتبار أن النشاط الحقيقي في هذا الوقت هو نشاط ترويحي، وفي ذات الوقت فهو نشاط إنساني، ليس (فراغا).. وهو بمثابة وقت موظف لاكتناز النشاط الإنساني وتجديده بما يعين على استمرارية مسيرة العطاء..
الأساس الثالث : تكثيف وترشيد الفكر الإسلامي في موضوع الوقت من حيث تعريفه وتنظيمه وتوزيعه..وهنا على الشباب أن يكثر المطالعة النافعة لتوفير مناعة فكرية معاصرة تكون أسسها مبنية على المذهبية الإسلامية
الأساس الرابع : توسيع آفاق التصور لدى الإنسان المسلم المعاصر فيما يتعلق بموضوع(العبادة) ومفهومها في الإسلام، لأن تحقيقنا لوجود هذا الفهم المستنير للعبادة في الضمير الإسلامي الفردي والعام، سيضفي على كافة جزئيات النشاط الإنساني نوعا من القداسة بما في ذلك وقت الترويح، إذ يشعر الإنسان المسلم أن ما يقوم به من نشاط هو عمل مقدس وقد يثاب عليه إن أحسن، وقد يجازى إن أخطأ وانحرف، وهذا كله مما يعزز حضور المعنى الوظيفي لوقت الترويح في حركة المجتمع.
ثانيا – الاتجاه العملي:
- أن يكون النشاط الذي يمارسه الشاب المسلم في (وقت الترويح) داخلا في حيز الإباحة الشرعية، ولا يكون من المحرم شرعا عمله..
- أن لا يكون نوع النشاط الترويحي الممارس ممثلا لقنطرة من قناطر الغزو الثقافي والقيمي في الأمة، لأن ذلك يثير الارتباك في توازنات المشروع الحضاري الإسلامي الذي يشترط فيه الاستقلالية والتميز والتناسق.
- أن يكون نوع النشاط الترويحي مما يعزز قيم الانتماء إلى الأمةويمهد للنائشة طريق الاعتزاز بدينها وشخصيتها الحضارية..
- أن يكون النشاط الترويحي مم يعزز القيم الإيجابية والتشاركية فيه المجتمع، ويحاصر قيم السلبية فيه، فالرياضة على سبيل المثال، نشاط ترويحي الأصل فيه الممارسة الفعلية، ليس المشاهدة و(الفرجة) لأن المشاهدة نشاط سلبي أما الممارسة فنشاط إيجابي، يفيد منه الجسم عضويا، وروحيا، وعقليا.. من ثم فإن الدعم الإسلامي للرياضة ينبغي أن يتوجه باتجاه توسيع قاعدة المشاركة بين أبناء الأمة عن طريق إنشاء وتطوير مراكز الشباب، والنوادي الرياضية في مختلف قطاعات المجتمع، أما توجيه الهم الأكبر لدعم الأندية الكبرى والألعاب ذاب الجاذبية الإعلامية، فهوإأنفاق هدر..
أن يكون النشاط الترويحي متصلا وظيفيا بالهموم المستقبلية للأمة، بحيث يكون (وقت الترويح) محققا مشاركا في تقريب الأهداف الاستراتيجية للأمة..(علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوبالخيل)..لأن هذا النشاط كان متصلا-حينها- بطبيعة الفتوحات الإسلامية ومقتضياتها، ومن ثم يمكننا اليوم أن نعزز من انتشار (نوادي العلوم) التي يؤمها الهواة من كل الأجيال، وإن أي إنفاق ولو كان متواضعا على هذه النوادي يعود بالخير الكثير على مستقبل الأمة..
مراعاة مستويات الإدراك في القطاعات المجتمعية المختلفة ونحن نوجه النشاط الترويحي، فما يناسب المثقف المسلم قد لا يتفق ومكونات العامل المسلم أو الفلاح المسلم..
هذه المعالم الأساسية التي نراها ضرورية للجهد الإسلامي الفكري والعملي في السيطرة على إشكالية (وقت الفراغ)، نأمل أن تكون هادية لشبابنا في طريقهم نحو مستقبل مشبع بالعطاء والخير..
ذ. محمد أبو يونس