يقول الله عز وجل: {والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولـئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم} (الأنفال: الآية: 74)
مع انطلاق الانتفاضة المباركة (الثانية) في سبتمبر 2000، يكون الشعب الفلسطيني المجاهد قد استجاب لنداء ربه: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} (محمد، الآية: 7). وبهذا يكون قد حمل لواء الجهاد في سبيل الله لتحرير الأرض المقدسة المباركة، أرض الإسراء والمعراج، ومهبط الكثير من الرسالات السماوية، وموقع الملاحم التاريخية بلا منازع، جهاد مقرون بالإيمان والصدق، وحب الوطن الذي هو من الإيمان فتحية طيبة مباركة لشعب فلسطين الصامد الجبار بكل مكوناته وشرائحه: أطفال وشبان، رجال ونساء.
إن انتفاضة الأقصى الحالية تعد بحق التعبير الصادق عن الإيمان، وعن الجهاد في سبيل الله، حتى يعود الحق إلى أصحابه المؤمنين الصادقين، ولن تفشل الانتفاضة -إن شاء الله- في جهادها ضد الاستبداد والاستعمار والظلم والطغيان. “ولا يمكن أن يطالها الخطأ من أمامها أو من خلفها، فهي لم تأت من فراغ ولا من عدم، ولم تأت من انقلاب ولا من تآمر، هي أتت من صيرورة تاريخية لا آنية فيها ولا ارتجال، هي أتت من اختيار ماض مر ومتمرد، ومن حاضر ملؤه اليأس ومن أمل في المستقبل يتفيأ البديل الجذري لا الترقيع المرحلي المجحف أو الحلول الوسطية المهادنة”(1).
إن هؤلاء المنتفضين من شعب فلسطين المجاهد، هم رو ح الأمة ومشعلها، وهم شمعتها ونور طريقها، هم مرجعها الروحي وملهمها… وبهذا “فقد أصبحوا عمق جهاد أكبر، سينتشر انتشار النار في الهشيم في نظام عربي مهتريء، ضعيف المناعة، مهتز البنى والمكونات”(2).
ولا ضير أن يصف عملاء اليهود (من الأمريكيين ومن والاهم من بني جلدتنا) المجاهدين في فلسطين بالإرهاب والعنف والتطرف، وما إلى ذلك من المصطلحات التي يستخدمونها في حربهم السيميائية الجديدة. فهذا “ياسر عرفات” يقول: “يجب على العرب أن يكثفوا جهودهم لمحاربة الإرهاب”. قال هذا عند حلول الكارثة على الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثلاثاء 11 شتنبر 2001. في الوقت الذي يقوم فيه الإرهابي الحقيقي جزار “صبرا وشاتلا” “شارون” بشن حملات عسكرية إرهابية، وقصف منازل المدنيين الأبرياء في فلسطين.
وطبعا فإن ما يعنيه عرفات “بالإرهاب”، ليس إلا ما يقوم به المجاهدون من أبناء الشعب الفلسطيني، الذين نذروا أنفسهم فداء لوطنهم. فأصبح المجاهد إرهابيا مشاغبا يجب القضاء عليه، والإرهابي مجاهداً يدافع عن نفسه.
فيا حسرة على فلسطين الشهيدة. التي لم تجد من المسلمين الكثر (الذين يقدر تعدادهم بالمليار ونصف المليار مسلم) من يرفع عنها الظلم والاستبداد، ولا من يجلي عنها ليلها المظلم؟ أو يفك قيودها الموجعة. فلا ضير، إذا أن يقف العالم وقفة رجل واحد في وجه الانتفاضة، ما دام العرب والمسلمون نائمين، وعن مصالحهم غافلين، فهم “يفكرون بالتحرر من القضية الفلسطينية أ كثر مما يفكرون بتحرير فلسطين “كما قال الشيخ محمد حسين فضل الله(3). وبهذا يمتثلون لإرادة المستعمر، التي عبر عنها الشاعر العراقي الكبير، “معروف الرصافي” في قصيدته: “الحرية في سياسة المستعمرين”.
يـــا قـــوم لا تتكلـموا
إن الكــــــلام مـحـــرم
نــــاموا ولا تستيقظوا
مـــا فــــاز إلى النوم
وللأسف الشديد فإن التاريخ سوف يكتب عن هذا التخاذل وعن هذا الصمت المطبق على أفواههم، وعن ضعف تحركهم واستخفافهم بشعوبهم… إنهم بعملهم هذا يساهمون في القضاء على الانتفاضة التي تعد الرؤية الوحيدة الصائبة والصحيحة الآن في العالم العربي والإسلامي، فالطفل الذي يحمل حجرا ليرمي به يهوديا مستعمرا، هو الوحيد الذي يملك رؤية وله غاية وهدف يصبو إليه.
رغم هذا كله فإن المسلم الصادق على يقين من أنه سيأتي يوم غير بعيد، تطلع فيه شمس الحرية والاستقلال، و تنكسر القيود المصطنعة، ويستعيد فيه المؤمنون المجاهدون أمجاد الإسلام الأولى، فيدخلون المسجد الأقصى فاتحين ظافرين، كما دخلوه أول مرة، فالحق سبحانه وتعالى يقول في معرض الحديث عن إفساد بني إسرائيل في الأرض وانتصار أهل الإيمان عليهم:{… فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا عسى ربكم أن يرحمكم وإن عدتم عدنا وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا}(الإسراء الآية: 7، 8).
ويقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم : >لن تقوم الساعة حتى يختبيء اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم، يا عبد الله، ورائي يهودي تعالى فاقتله إلا شجر الغرقد، فإنه من شجر اليهود< (رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه).
>(الحرب إذا قائمة، والمسلمون عنها غافلون، بينما على الجانب الآخر نجد اليهود الملاعين استعدوا لها تمام الاستعداد، حيث جاء على لسان رئيس الوزراء الصهيوني السابق “إسحاق رابين” يتعين على إسرائيل أن تكون مستعدة لخوض حرب شاملة على المدى المتوسط وعلى المدى البعيد)(4) وبالفعل فإن الدولة اليهودية ما تقوم به اليوم بقيادة السفاح”شارون” إلا تطبيق استراتيجية لسياسة “رابين” فهو على أتم الاستعداد لهذه الحرب المدمرة. بينما يرفع المسلمون رايات السلام، وينشدون المحبة والإخاء
ادريس گركين
————
1 – المهدي المنجرة: “انتفاضات في زمن الذلقراطية” الطبعة الثانية 2001 البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 13.
2 المرجع السابق، ص: 13.
3 -في حوار أجرته معه المجلة العربية ميرا، السنة الثانية العدد (21) 2001.
4 -ياسر أبو شبانة: “النظام الدولي الجديد بين الواقع الحالي والتصور الإسلامي”. الطبعة الأولى1998. دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، ص: 231.