لقد عرفنا حقوق الإنسان في النظام الدولي الجديد، إنه النظام الذي أحيى سنة الغاب القوي يفترس الضعيف، والمسلح يستعمر الأعزل، والحرب والقتل نظام سائد ووضع عام، والقوة شرعة معترف بها في القانون الدولي، ولها الحق في الحرب من غير تفريق بين حرب جائرة وحرب جائزة، فكل من استطاع أن يقتل النساء والولدان ويهجرهم من أرضهم وأوطانهم فعل ذلك من غير بأس ولا إثم. فهل رضي الإسلام هذا الوضع للحيوان الذي ارتضاه النظام الدولي للإنسان.
لقد أصدر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز قرارا نهى فيه عن ركض الفرس إلا لحاجة، وكتب إلى صاحب السكة أن لا يحملوا أحدا بلجام ثقيل، ولا ينخسن بمقرعة في أسفلها حديدة، وكتب إلى واليه بمصر: أنه بلغني أن بمصر إبلا نقالات يحمل على البعير منها ألف رطل فإن أتاك كتابي هذا فلا أعرفن أنه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل.
ومن قبل كان الخليفة العادل عمر بن الخطاب يقول: لو أن بغلة عثرت في أقصى الأرض لكنت أنا المسؤول عنها يوم القيامة، لأنني لم أعبد لها الطريق.
لقد امتلك المسلم حظا وافرا من الرفق والرحمة، فأصبح يتميز بعاطفة حية، وقلب رحيم شفيق، يخشى عواقب القسوة الظالمة و لو على الحيوان الأعجم قال أبو الدرداء رضي الله عنه لبعيره عند موته: لا تخاصمني إلى ربك فإنني لم أكن أحملك فوق طاقتك.
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل واضع رجله على صفحة شاة وهو يحد شفرته وهي تلحظ ببصرها إليه فقال: أفلا قبل هذا؟ أتريد أن تميتها موتات.؟ هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها : رواه الحاكم على شرط البخاري.
وكانت الطباع عند أهل الجاهلية غليظة لا تتحرك لألم الحيوان ومعاناته. فكانوا يقطعون أجزاء من جسم الحيوان وهو حي، فيحصل بذلك عذاب شديد للبهيمة، فحرم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ما قطع من البهيمة وهي حية رحمة ورفقا بالبهائم، قال صلى الله عليه وسلم: >ما قطع من البهيمة و هي حية فهو ميتة<(رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم).
إن ما يتميز به متزعمو الحضارة الغربية من طبع غليظ، وحس بليد، وخلق جاف هو من صفات المبعدين عن رحمة الله قال صلى الله عليه وسلم: >إن أبعد الناس من الله تعالى القاسي القلب<(رواه الترمذي).
فاللهم أبعدهم بقدرتك عن قيادة الحياة آمين.
< عبد الحميد صدوق