حظيت مسألة الخلاف الفقهي باهتمام كبير من طرف المتقدمين والمتأخرين ورغم ذلك التبس على الناس الأمر، فلبس رداء الاجتهاد، وخاض في الاشتغال بالخلاف الفقهي، من هو أهل لذلك ومن ليس أهلا، كان في محله أو غير محله بشرطه أو بغير شرطه. فاختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين.
وفي محاولة لإيقاف هذا النزيف، ووضع الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تخطيها بأي وجه، وتنبيه الناس لخطر ما سيؤول إليه الوضع بغفلتهم عن حقائق الأمور، جاءت سلسلة “اقرأ” الصادرة عن المجلس العلمي الإقليمي بفاس بأول دراسة في الموضوع بعنوان “الخلاف الفقهي: دراسة في المفهوم والأسباب والآداب”. بقلم الدكتور أحمد البوشيخي،. أستاذ الفقه المقارن بالسلك الثالث بكلية الآداب بفاس، وعضو رابطة علماء المغرب، متحملا عناء الكتابة – رغم سوء ظروفه الصحية – شاهرا قلم مسؤولية ذوي الاختصاص، مبلغا ما علمه الله إياه.
فجزاه الله خير الجزاء، وأنعم عليه بالصحة والعافية، وطول العمر إلى بلوغ المراد. ولمعالجة موضوع “الخلاف الفقهي”،قسم الباحث دراسته إلى ثلاثة فصول تتصدرها مقدمة وتنتهي بخاتمة.
ففي المقدمة رام الأستاذ الباحث الإفصاح عن أهمية هذه الدراسة في ترشيد مناهج البحث، والحجاج وأساليب المناظرات.
وفي الفصل الأول من الدراسة تناول تعريف الخلاف الفقهي، و أنواعه، وأطواره فأورد في التعريف أقوال العلماء : ما ذهب منها إلى التفرقة بين الخلاف والاختلاف أو عدم التفرقة بينهما. وما ذهب منها إلى تعريفه باعتباره لقبا لعلم خاص، أو ليس لقبا.
وفي حديث الباحث عن أنواع الخلاف الفقهي عرض للأنواع العامة والأنواع الخاصة مرجحا الخلاف الفقهي إلى نوعين: اختلاف محمود مشروع واختلاف مذموم معرفا كلا منهما ومبينا العلة في جعله كذلك.
أما في حديثه عن الأطوار التي مر عبرها الخلاف الفقهي فقد جعلها تأسيسا في عهد النبوة، واتساعا في عهد الصحابة، وازدهارا في عهد التابعين وتابعيهم إلى أئمة المذاهب الفقهية، وأقوالا في عهد المقلدين والمتعصبين.
وقد أشار الباحث إلى محاولة إعادة شهود الخلاف الفقهي من جديد على يد بعض العلماء المخلصين كأمثال محمد عبده والأفغاني ورشيد رضا وغيرهم.
وفي الفصل الثاني بسط الباحث الأسباب التي دعت إلى الاختلاف الفقهي المشروع بالحجة والدليل، وأرفق كل واحد منها بالأمثلة الموضحة.
وقد رد الأستاذ الباحث هذه الأسباب ما ذكر منها وما لم يذكر إلى أصلين أساسيين هما: احتمال النصوص الشرعية من حيث الدلالة والثبوت. واختلاف مدارك المجتهدين فيما سكت عنه الشرع أو فيما نطق به ولا قاطع فيه.
وأغنى هذا الفصل بما ألف في أسباب الخلاف من مصنفات سواء بأقلام المتقدمين أو المتأخرين، ما رأى منها النور، وما لم يزل دفين الرفوف.
وفي الفصل الثالث والأخير عرض الأستاذ بعض الآداب التي ينبغي التقيد بها في المناظرة في الخلاف الفقهي سواء منها الخلقية أو العلمية أو المنهجية. وساق مثالا عاليا في التأدب والأخلاق والعلم والمناظرة من أسلافنا الكرام وهو رسالة الإمام مالك إمام دار الهجرة إلى الليث ابن سعد يناظره في حجية عمل أهل المدينة.
وفي ختام هذه الرسالة خلص الباحث إلى استخلاص أهم النتائج المستفادة منها، وإذا تأملنا فصل هذه الدراسة نلمس غيرة الأستاذ الباحث على الموروث الفقهي بوضعه الحلقة الأولى من سلسلة بحوث تختص بالخلاف العالي كعلم يتوقف عليه النهوض الحضاري للأمة الإسلامية، في تجديد فقهها وتنزيله على الواقع المعيش.
إعداد : سعاد هيلالي