مهمة الأمة الإسلامية نشر الإسلام لا محاربته
يكفي الأمة الإسلامية إذا كانت مستعدة لتنهض أن تعرف الكفرالمتمثل في الحضارة المادية ليست له رؤية حضارية حقيقية وأنها مضطربة بين عدة مذاهب مادية، فهذا وضع مساعد لها. ولكن الأمة الإسلامية ما عندها خبر بهذا، عندها مهمة كبيرة هي قائمة بها: هي محاربة هذا الدين: محاربة الإسلام، وهي قائمة به، ويتنادى الناس إليه و تحت عناوين كثيرة وأغطية كثيرة، وهذا هو باعث الفساد، لأن الأمة يجب أن تبقى مائة سنة لتنسخ الفكر الأصولي لأن الأصوليين أو الرجعيين دائما يبقون موجودين. إذن لكي تنسخ عملا صالحا للأمة يلزمها مائة سنة. هذا المشروع قمنا به نحوا من نصف قرن، ولم يعط نتيجة، ويجب إعادة نفس الشيء، مع أن الفكرلا يستأصل. ثم إذا كان هذا الفكر هو سبب القوة لم نستأصله لماذا لا نفهمه؟ لماذا لا نسبر أغواره؟ لماذا لا نسأله إذا كان عنده شيء يمكن أن يعطيه؟ لو صحت النوايا لكان هذا هو المنهج.
أزمة أوربا خلقية بالدرجة الأولى
أوربا متأزمة فكريا و على المستوى الخلقي إنها أصبحت تكاد تصل إلى درجة الصفر (0) بل أنها تعيش شبحا مخيفا هو شبح تدمير الأخلاق. إذا طالعت وجمعت ما تحكيه صحفها تجد العجب العجاب في ابتكار التدمير، وأمريكا أيضا كل مرة تظهر موضة جديدة منحرفة في الأخلاق والفساد.
في الأسبوع الماضي تحدثوا عن ظاهرة جديدة في روسيا القديمة، وهي ظاهرة قتل العجائز، حيث وجد عدد المقتولات خنقا يتجاوز مائة ألف امرأة. لأن المجتمع أصبح لا يأوي هذه العجوز، ولا يقبلها، فتبقى في بيتها بعد تخفي أبنائها عنها. (وهذا ما لا يمكن أن يحدث في مجتمع إسلامي) و يتفطن لذلك بعض الشباب وبعض اللصوص فيقتلونها وقصدهم من القتل في الدرجة الأولى هو الاستيلاء على البيت الذي تسكنه بثمن زهيد (ليسكنوا فيه) أما السرقات والنهب فحدث ولا حرج. يعاني من ذلك أيضا الطلبة الذين يدرسون في أروبا الشرقية. كلهم تعرضوا للسرقة والنهب، قد يقال هذا بسبب سقوط الشيوعية والحقيقة أن هذا إدانة للشيوعية لأن الشيوعية لو ربت الناس لسقطت سياسيا وبقيت فكريا. هذا معناه أن الشيوعية كانت قائمة على فراغ. السلاح رفع عن الناس فظهرت بواطنهم. إنهم كانوا لصوصا في أنفسهم و الشيوعية قائمة. ولكنهم كانوا يخافون؛ فلما أزيل عن أنفسهم داعي الخوف فعلوا ما كانوا يتمنون…لو كانوا في أنفسهم طاهرين وفيهم شيء من النظافة بما فعلوا هذا. وهذا فرق بين الإسلام وما دونه.
الكفر هو سبب الفساد الاقتصادي
والأخلاقي والاجتماعي
اقتصاديا الآن أوربا متأزمة لن يعود لها بذخها وترفها. لأنه كان ترف استعمار، تر ف استغلال الشعوب، لميكن من كدحها وجهدها ولكن كان ابتزازا واستغلال شعوب ماتت من أجل أوربا، وأخرى استعمرت من أجل أن تعيش أوربا، وأخرى سخرت لتعيش أوربا فأعطى كل هذا هذه النتائج. الآن أوربا يجب أن تقوم على أساس آخر وهو أساس أنها ستعيش بإمكانيتها الذاتية. وهي لم تفهم هذا بعد وإلا فما معنى الأحداث التي تقع الآن في فرنسا.
إن فيها عقليتين: عقلية قديمة تمثلها النقابات الفرنسية التي تريد للفرنسي أن يعيش مثلما كان يعيش وقت الاستعمار. وهذا لن يتكرر. لأنهم كانوا يصنعون الطائرة، والآن الآخرون تعلموا كيفية صنعها وإن كان هناك اختلاف في الجودة وكذلك الأمر بالنسبة للسيارة والجرار أوربا على أبواب أزمة اقتصادية ولا شك في
ذلك. إذن هذه المظاهر كلها أليست لها صلة بالكفر؟ نعم إنها نتائج طبيعية وئيدة تأتي بهذه الطريقة. إن أمراض الشعوب لا تنكشف بين يوم وليلة كأمراض البشر. وأعراض الكفر والشيخوخة الآن قد بدأت تدب على أوربا وأمريكا. ما هي الصلة والرباط الذي يربط بين الكفر وهذا الفساد؟؟ أي لماذا نتصور أن الكافر دائما يصل إلى درجة الفساد؟ أليس من حقنا أن نعتقد كما يفعل المستغربون عندنا أن أوربا تمثل الأخلاق والفضيلة وتمثل العدل والديموقراطية التي هي الأصل والمحور وهي التي يجب أن نقتبس؟ هذه رؤية الغربيين ورؤية المستغربين عندنا الذين يفكرون بعقول مستعارة عندنا. هل هذا صحيح؟ إن هذا ليس صحيحا. بعض علماء المسلمين تحدثوا عن أهمية الدين بالنسبة للأخلاق لكن بعض العلماء الغربيين كانوا ينظرون إلى الأدلة التي تثبت وجود الله على أنها غير مقنعة كالدليل الخلقي كما كانوا يسمونه بمعنى أن البشر محتاج للأخلاق، لكن هذه الأخلاق ليس لها مصدر يؤصلها في نفس الإنسان ويثبتها وليس لها من منبع إلا منبع الدين. إذا أزلت الدين أزلت الأخلاق ولا يمكنك أن تلزم أحدا بشيء لأن معيار الخطأ والصواب يكون قد زال (الدين) و هذا ما حدث للأروبيين الآن. ما هو صواب اليوم يمكن أن يصبح خطأ والعكس صحيح في الغد. لأنهم لا يتوفرون على مرجع ليعودوا وليحتكموا إليه فيتبين منه الخطأ أو الصواب. مرجعهم هو الحرية مما يدل على أن الكافر لا يكون متخلقا. طبعا يمكن أن يتوفر على أخلاق مصلحية: فالأروبي إذا واعدك على الساعة العاشرة يأتي في العاشرة لأنه يفكر بعقلية مصلحية: إذا أتينا في العاشرة معا نقضي مصالحنا في عشر دقائق ونربح أنا ساعة وأنت ساعة فالكل محسوب بالدقيقة، فهو يعطي للعامل حقه حتى يحسن استغلاله. الفضيلة عنده مرتبطة بالمصالح ولكن حين ترتبط المصلحة مع الفضيلة يذهب إلى المصلحة ويترك الفضيلة كما حصل في البوسنة وفي الشيشان. وقف الأوربيون موقف المصلحة. فالواقع أن أوربا تقول لك هذا مسيحي ينتمي إلى وأنت لا، فالوداع.
أحداث الخليج كانت محكا لاختبار
ما ينادي به الغرب منالمبادئ
من حرب الخليج إلى هنا تغيرت أشياء كثيرة وظهر الأوربيون على حقيقتهم، في مدينة باريس الفرنسية أصبحت الصحون تشكل خطرا على المواطنين “خطر أمني فيجب إزالتها. صحون من تزال؟ صحون الأحياء التي يقطنها المسلمون لماذا؟ لأنهم يرتبطون بقنوات تعلمهم دينهم ويرتبطون ببرامج إسلامية. اصبح الإنسان المسلم مطاردا في بيته أن يشاهد ما يشاء. وهناك حملة الآن لإيقاف أي برنامج له طابع إسلامي. أين الثورة الفرنسية التي جاءت بالعدل والحرية والمساواة. لا حرية لا عدل لا مساواة وهذا يؤكد الطرح السابق. وهو أن ثبات الأخلاق عائد إلى الإيمان. فمن فقد الدين فقد الأخلاق ومن بقيت له بعد الدين بقيت أخلاق فإنما هي أخلاق مؤقتة ومنفعية وأخلاق مصلحة.
ونعود إلى الآية القرآنية، إنها تذكر أن الذين كفروا ذاقوا وبال أمرهم وعاقبة أمرهم. وساءت أحوالهم واختلت أمورهم واضطربوا وانتهوا في نهاية المطاف بسبب الكفر، لأن الكفر يقطع الصلة بالأخلاق. ولأن الأمة إذا فقدت الأخلاق لم يعد لها قيمة ولا سبب من أسباب البقاء والاستمرار على وجه الأرض. إذن فالكفر أكبر أسباب انهيار وسقوط الأمم.
الفصل بين الدين والأخلاق يؤدي إلى نفس مصير الكفر ونحن أيضا حينما نفصل بين الدين والأخلاق ونجعل الدين همهمات وأناشيد وتمتمات نرددها ونحرص عليها نكون قد التقينا مع الكفار في نفس الأمر. ونحن نسابقهم إلى نفس المصير. إذ ما من أزمة تبدأ عندهم هناك إلا تبدأ هنا.
هناك تبدأ بالكفر وهنا تبدأ بأننا نومن بالله إيمانا أعوج فهمنا للإسلام فهم سقيم يتحول فيه الدين إلى إنشاد وتسبيح ولا يتجاوز هذا. فننسى الفضيلة والصدق والمروءة والعفة والإخلاص وننسى وننسى… فاتورات مزورة – معاملات فيها سرقات…. هم دخلوا الانحطاط من باب ونحن من باب آخر. فالجرائم التي تعم ديار الكفر نجدها تتشابه مع الجرائم التي بدأت تظهر في مجتمعنا: امرأة في أمريكا تقتل طفليها وتضعهما في سيارة وتقذف بهما مسألة عادية في أمريكا. وفي بلدنا امرأة تقتل و لديها وتنتظر زوجها حتى يعود فتقذفه بطست من الزيت المغلى فتشوي وجهه أو تغافله وهو نائم فتشذخ رأسه بشاقور، شيء عادي أصبح عندنا، رجل يقتل زوجته، ابن يقتل أمه… محاولات انتحار… هؤلاء كلهم ذاقوا وبال أمرهم…
إن أمة مهزومة ضعيفة تحس أن ما يفعله الآخرون هو الحسن وهو الجيد. هذا من آثار الانبهار بالغربيين إنهم يقولون لأبنائهم في أربع وعشرين من شهر دجنبر أن الأب نويل قد جاءكم وأعطاكم كذا وكذا فنقلدهم مع أن هذا يكفي أن يصدنا عن هذه العادات التي لا يمكن أن تكون إسلامية أبدا. نحن نحارب الكذب والخرافات من عقول أبنائنا ما معنى أننا في صحراء ونويل يأتي عندنا. فأصل الشجرة عادة مجوسية أدخلت في المسيحية. فالمجوس يقدسون الشجرة وهجموا على أوربا بهذه الأشياء. ثم إن الاحتفال عندهم عبارة عن توقف عن العمل وشرب لترات من الخمر حتى أن السياقة في بعض الأماكن تصبح ممنوعة. إذن ماذا يعجب في هذا؟
إن هذا عمل تافه، المسيحيون حاربوا المسلمين في البوسنة وغيرها ويقتلون آخرين في أفغانستان، والفليبين، ويدعمون الصهاينة لإبادة الفلسطينيين. وينشرون الفساد والتخريب في مناطق أخرى إذن على الأقل من باب الحفاظ على الشخصية والكرامة… يجب أن يكون لنا جانب من التميز.
د. مصطفى بنحمزة