إن البحث عن النص التراثي ذو أهمية بالغة في حياة الأمة ،فهو الماضي البعيد الذي تكاد تُفقد الصلة به،وهو الحاضر الغريب الذي هُجر التعامل به،وهو المستقبل المأمول لإعادة ما فُقد .
والنص التفسيري جزء لا يتجزأ من هذا التراث ،والكشف عنه وتكشيفه ،وتصنيفه وتوثيقه إسهام في إعادة الأمل الى الأمة.
وهو ما سعيت إليه في هذا العمل الذي عنونته ب:”مدرسة مكة في التفسير “جمع وتحقيق ودراسة”.
* عنوان يحتاج مني الى بيان ،فالقصد بمدرسة مكة في التفسير:ماروي من نصوص تفسيرية مسندة كانت أو غير مسندة عن جهابذة أعلام هذه المدرسة (ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وعطاء وطاوس) أسهموا في تشكيلها بناء ومسارا.والقصد بدراستها نوعين من الدراسة:
الاولى تفسيرية من خلال دراسة الشخصيات المكونة للمدرسة نشأة وتعليما وتأثيرا ومنهجا.
والثانية حديثية موثقة من حيث أسانيدها ومتونها لتمييز صحيحها من سقيمها مع بيان المصادر التي نقلت منها.وقد ركبت هذا المركب الصعب لجملة أسباب أذكر منها:
1- أهمية مدرسة مكة في التفسير :
ومكة لا تحتاج الى بيان أهميتها،إذ منها تخرج الأرقميون والرواحل الذين تعهدوا القرآن وعلموه،وساحوا في بقاع الأرض ينشرونه،ليتفرق العلم بتفرقهم،فتتوفر الدواعي على تطلب الأخبار الراجعة الى التفسير وغيره من العلوم الشرعية .
-وقد عرف رجال بأنهم أثبات الأخبار وحجج الآثار تفاوتوا قلة وكثرة فيما روي عنهم ليتفوق في هذا المجال مؤسسو المدارس التفسيرية المشتهرة في هذا العهد، ابن مسعود في العراق، وأبي بالمدينة ،وابن عباس بمكة.
-وتعد مدرسة مكة الأولى في هذا الحقل العلمي بفضل مؤسسها وخريجيها،فابن عباس المؤسس هو حبر الأمة وبحرها،اعترف له كبار الصحابة بطول الباع في التفسير وغيره،فيه قال مؤسسمدرسة العراق:”نعم ترجمان القرآن ابن عباس”،وقال فيه أيضا:”لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا أحد”،وفيه قال علي بن أبي طالب:”كأنما ينظر الى الغيب من ستر رقيق”،أما تلامذته وخريجو مدرسته فعددهم لا يحصر ولا يحصى،ولكن اشتهر منهم خمسة عدوا من الجهابذة الأول قال فيهم ابن تيمية:”أعلم الناس بالتفسير أهل مكة،لأنهم أصحاب ابن عباس كمجاهد وعطاء وعكرمة وطاوس وسعيد بن جبير وغيرهم.”
2- جدة الموضوع:
فحسب علمي القاصر واستقصائي للموجود من الدراسات والأبحاث في الجامعات العربية المشهورة التي تهتم بمثل هذه البحوث مثل:جامعات مصر والسعودية،وبعض الجامعات المغربية أيضا هو بحث جديد لم يتناول ؛لم يتناول بعد بالاستقصاء العلمي الصحيح والدراسة الممنهجة المنظمة المعتمدة على التوثيق العلمي للنصوص لا التوثيق الذي يحتاج الى توثيق آخر،عمل مثل هذا ولمدرسة بكاملها لما يتم.
لكن رُبَّ سائل عن جدوى هذا البحث ،خاصة بعد ظهور بعض هذا المطلوب ،وخروجه للوجود،فلماذا التكرار.؟.وللجواب أقول:
الموجود من تفاسيرابن عباس.
-كتاب “تنويرالمقباس من تفسيرابن عباس” جمعه أبوطاهر محمد بن يعقوب الفيروزأبادي صاحب القاموس المحيط وهو تفسير جل مروياته تدور على محمد بن مروان السدي الصغير،عن محمد بن السائب الكلبي عن ابي صالح عن ابن عباس،وهوسند تكلم فيه نقاد الرجال،فالسدي يضع الحديث ومتروك،فإذا انضم إليه الكلبي فتلك سلسلة الكذب،وقد ورد عن الكلبي قوله لأصحابه في مرضه:”كل شيء حدثتكم عن ابي صالح كذب”،ومن هنا يتبين أنه لا يمكن القطع بأن تفسير هذه المدرسة موجود في مثل هذا الكتاب لأن أغلبه موضوع،وإن لم يطعن في قيمته الذاتية،وإنما في قيمة نسبته ليس غير..وهو استنتاج توصلت إليه بعد تحقيق هذا السند،وتبين لي بما لا يدع مجالا للشك أنه سند مرفوض جملة وتفصيلا.
كما سعى الباحث إبراهيم محمد عوض النجار،تحت إشراف د:النعمان عبد المتعال القاضي،حسب ما قرأته في إحدى المجلات المتخصصة يصدرها مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات،الى دراسة هذا الكتاب وتوثيقه،سنة:1980م.لما أتمكن من الاطلاع عليه.
-كتاب”تفسير ابن عباس ومروياته في التفسيرمن كتب السنة”،للدكتور عبد العزيز بن عبد الله الحميدي، وهو عمل مهم قام صاحبه باستخراج كل النصوص التفسيرية المنسوبة لابن عباس مسندة كانت أو غير مسندة،من عدد لا بأس به من كتب السنة حيث قام بدراسة المسند منها مبينا معنى الآيات والأحاديث الـتي أوردها،كما حاول الجمع بين الروايات التي يظهر وجود تعارض بينها،وإن تعذر رجح بالاسناد أو بمناسبة الأثر لسياق الآيات،كما أنه يذكر الآية كاملة وإن كان تفسير ابن عباس هو لجزء منها فقط معللا ذلك بأن معنى الآية لا يظهر إلا بذكرها كاملة.
والملاحظ على التفسير المجموع أنه لا يضم كل سور القرآن،بل اقتصر صاحبه فقط على (77)سبع وسبعين سورة،وهو بهذا تفسير ناقص لعدم استيعابه القرآن كله،ولأنه أيضا لم يشمل كل المظان التي تحتوي على النصوص التفسيرية لهذا الصحابي الجليل،وقد صرح الباحث في مقدمته برغبته في إتمام هذا العمل مستقبلا بقوله:”وأملي إن شاء الله أن أكمل فيما بعد دراسة تفسير ابن عباس من بقية كتب السنة ثم من كتب التفسير” .
-كتاب”تفسير ابن عباس المسمى صحيفة علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في تفسير القرآن الكريم”لراشد عبد المنعم الرجال،وهو عمل يُعنى بجمع تفسير ابن عباس الذي رواه عنه علي بن أبي طلحة جمعه الباحث من مجموع من المظان (كتب التفسير والحديث والتاريخ والرقائق وغيرها)مع عدم تمكنه من الاطلاع على تفسير ابن أبي حاتم الذي يحوي عددا هائلا من النصوص التفسيرية لابن عباس المروية عن طريق علي بن ابي طلحة ،وهذا الكتاب من مصادر الاطلاع والمقارنة التي اعتمدتها في بحثي.
يقول صاحب البحث:”إن منهجي في هذه الدراسة الذي حددته لنفسي منذ البداية هو أن أجمع هذا الشتيت المبعثر في ثنايا الكتب الأصيلة،وأرتبه وأوثقه،مقدرا أن هذا الأمر ليس سهلا ولا هينا…”.
- وهكذا يتبين للقارئ أيضا أن هذا العمل عمل جزئي،لا يهتم إلا بالمرويات التي رويت عــن طريق علي بن أبي طلحة وهي لا تمثل في نظري إلا العشر أو أقل من مرويات هذا الجهبذ الفذ.
أما الموجود من أعمال تلاميذ المدرسة الذين اخنرتهم لدراسة تفسيرهم بناء على شهرتهم واعتراف العلماء بتلمذتهم وإسهامهم في تأسيس المدرسة فقد استقرأته أيضا وهو:
-تفسير سعيد بن جبير “جمع وتحقيق ودراسة”:
هو موضوع بحثي لنيل شهادة الماجستير وقد جمعت فيه كل النصوص المسندة إليه أو المنسوبة، وحاولت تقديم دراسة لها؛ دراسة تفسيرية وأخرى حديثية،وقد ضم هذا التفسير (2264) رواية،بلغ المسند منها)1425) رواية،.والجديد في هذا البحث هو أني قمت بفهرسة كتب أخرى لم أتمكن من تكشيفها في البحث السابق إما لأنها كانت مخطوطة أو لتقصير مني،مثل تفسير ابن أبي حاتم الذي طبع أخيرا في عشرة مجلدات،وتفسير عبد الرزاق الصنعاني،والمعجم الأوسط للطبراني،ومصنفات ابن ابي الدنيا ،وقد أضافت هذه المصادر نصوصا كثيرة وهامة،بل أسندت لي الكثير من النصوص لم تكن مسندة.في البحث السابق،فمثلا أخذت من تفسير ابن ابي حاتم (344)رواية،أسندت منه حوالي: (254)رواية.وأكدت حوالي)173)رواية،ضف الى ذلك،فعند زيارتي لبعض جامعات السعودية -الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة-اطلعت على بحث في نفس الموضوع موزع على شهادتين :ماجستير 1403هـ، بدراسة ثلث التفسير،ودكتوراة،1408هـ،بإتمام البقية الباقية منه،لصاحبه محمد أيوب يوسف بن علي،وقد جالسته أياما وتصفحته ولا أغالي إن قلت أن ما بذلته من جهد في رسالتي السابقة ومن تنوع المصادر واستيعابها يضاهي ما بذل في رسالة الباحث محمد أيوب ..
-تفسير الامام مجاهد بن جبر( المتوفي سنة:(102هـ)،بتحقيق:د محمد بن عبد السلام ابو النيل وهو تحقيق ثان لمخطوطة في التفسير بعد التحقيق الأول الذي قام به الشيخ عبد الرحمان الطاهر بن محمد السورتي(مجمع البحوث الاسلامية أسلام أباد)،والمخطوطة كما يقول أبو النيل :”..يتيمة لا أخت لها ..وليست كلها عن مجاهد،وإنما بها قدر غير يسير عن غيره ، بل هناك سور بتمامها لم يذكر شيء فيها عن مجاهد كالمعارج ونوح والمدثر والقيامة والدهر والتكاثر والقارعة ،ولم يأت بالمخطوطة تفسير شيء من سورة الفاتحة ولا من سورة الكافرون”..
قام بمراجعتها على بعض كتب التفسير كالطبري والسيوطي وابن كثير،ثم ذكر ما زاد في تفسير الطبري على ما في المخطوطة من آراء مجاهد .
والذي تبين لي بعد الاطلاع على تحقيقَيْ المخطوطة،أنها كتبت سنة 544هـ،أي في منتصف القرن السادس،ولم تُشر الى نسخة أخذت عنها،فبين كتابة هذه المخطوطة ووفاة مجاهد حوالي أربعة قرون ونصف. وأيضا فالمخطوط لا يحمل اسم تفسير مجاهد،ولكنه تفسير ابن خيرون عن ورقاء عن ابن ابي نجيح عن مجاهـد،وكان الأولى الاحتفاظ على الاسم كماورد،إذ نسبته الى ابن خيرون أدق من نسبته الى مجاهد.ولو أسماه جامعه “المتتقى من تفسير السلف “لكان أفضل له وأقوم .
- ثم إنه من المعلوم أن فكرة جمع تفسير لمجاهد بن جبر ليست حبيسة عصر ابن خيرون،ولا هذا العصر،بل قد فكر في القيام بذلك الدكتور مصطفى زيد والدكتور فؤاد سزكين،حيث قال الأول في كتابه النسخ :”أما مجاهد…فَيُستطاع جمع كتاب كل منهم أو صورة تقريبية منه،إذا تتبع الدارس الآثار التي صحت روايتها عنهم في جميع كتب السنة،وكتب التفسير بالمأثور وكتب الناسخ والمنسوخ”..وقال الثاني في كتابه تاريخ التراث:”ويمكن إعادة جمع هذا التفسير-تفسير مجاهد-من الاقتباسات التي أخذها عنه الطبري في تفسيره”.
-مجاهد المفسر والتفسير:للدكتور أحمد اسماعيل نوفل الأستاذ بكلية الشريعة بالجامعة الأردنية عمان،نال به درجة دكتوراة من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف تحت إشراف الدكتور موسى شاهين لاشين.ومما قاله في مقدمة بحثه:”جعلت بحثي في قسمين،خصصت القسم الأول منهما لدراسة ما يتعلق بصاحب التفسير،والقسم الثاني لما يتعلق بالتفسير نفسه.”وقال عن منهجه فيه:”أما منهجي في البحث:فكان الاستقصاء والاستقراء ..،وجعلت مادتي في دراسة تفسير مجاهد حصيلة ما اجتمع لدي من تفسيره.”أما عن نتائجه فقال:”ومن النتائج المهمة التي توصلت إليها في القسم الثاني من الرسالة :إبراز الحاجة الىجمع الثروة التفسيرية المجاهدية وتخريجها بشكل مستوعب وتحقيقها تحقيقا متأنيا.
- عكرمة مولى ابن عباس وتتبع مروياته في صحيح البخاري،رسالة علمية نال بها الباحث مرزوق هياس شهادة الماجستير من الجامعة الاسلامية سنة:1398هـ.
- تفسير عكرمة مولى ابن عباس (جمع وتحقيق ودراسة)، رسالة علمية ،نالت بها الباحثة سعيدة عبد الخالق، شهادة الماجستير من كلية الآداب بوجدة شعبة الدرسات الاسلامية،تحت إشراف الدكتور محمد بالوالي..وقد اطلعت عليه بتفصيل،وقمت بمقارنته مع ما جمعت وحققت ،وأكاد أجزم بأن الرسالة لم تحترم الأمانة العلمية من حيث الجمع والتصنيف،إذ كثيرة هي النصوص التي أسقطت ولم تسجل .،وكثيرة هي المصادر المهمة التي لم تفهرس .
4- اختلاط التفسير المأثور بعضه ببعض:
لعل من نافلة القول الحديث عن هذا الاختلاط،بين ما هو ما مقبول لثبوت نسبته الى قائله،وما هو مردود لعدم ثبوت ذلك مما يجعل الباحث يقف أمام كثير من هذا التراث العظيم وقفة المتبحر والمتبصر الذي يريد الاستفادة منه لقيمته العلمية ولقيمة من ينسب إليهم،ولكنه يخشى من الاثم في نسبة ذلك لهم دون الوثوق من ثبوته عنهم.
ونظرا لما وقع وما يقع من البعض من الأخـذ بكل ما روي عن المفسرين الأوائل من غير تمييز بين ما ثبت وما لم يثبت، واطراح بعضهم لكثير من ذلــك ، والتعويل في تفسير القرآن على الفهم
والاستنباط ودلالات اللغة العربية،تأتي هذه الدراسة للاسهام في تذليل الصعوبات التي تحول دون الاستفادة من كنوزنا المأثورة.
5- الكشف عن النصوص القديمة :
مما لا جدال فيه أن النصوص تعد من أهم المشاكل التي تواجه الباحثين ،وتتحداهم من عدة زوايا.فأماكن وجودها غير معروفة،والجهود المبذولة من أجل تقصي أماكنها غير منظمة وغير ممنهجة،وأغلب شيوخ القرون الأولى لم يصلنا من عملهم المكتوب شيئ يذكر إلا ما وصل مشتتا ومفرقا عـبر تآليف التلاميذ وتلاميذهم،لهذا يأتي هذا العمل للاسهام في حل مشكلة النص،والنص التفسيري على الخصوص،بهذا التكشيف الذي سأقوم به في عديد من المصنفات التفسيرية والحديثية والفقهية والطبقات وغيرها.
6- علم ينتفع به:مما أثر عن العلامة شمس الدين البابلي ت :(1077هـ)،كلام دقيق موجه لكل من شاء التأليف قال فيه:.”لا يؤلف أحد كتابا إلا في أحد أقسام ثمانية،ولا يمكن التأليف في غيرها وهي :-إما أن يؤلف في شيء لم يسبق إليه.-وإما أن يخترعه.-أو شيء ناقص يتمه.-أو شيء مستغلق يشرحه..-أو طويل يختصره دون أن يخل بشيء من معانيه.-أو شيء يرتبه.-أو شيء أخطأ فيه مصنفه يبينه.-أو شيء مفرق يجمعه.
ولعلي ببحثي هذا ألج بعض هذه الأقسام، وخاصة قسمي الجمع والترتيب.
وإذا كان من الواجب أيضا في اختيار الموضوع العمل على إحقاق حق أو إبطال وهم أو إيجاد تسوية أوسد ثغرة أو إظهار مجهول أو تقويم مغمور،فما سأبذله في هذا البحث بإذن الله يتجه لتحقيق جل هذه الأمور،بتحقيق حق التفسير المأثور وإبطال وهم ضعفه،وإخراج ما جهل من نصوصه.
ولعلي بعملي هذا أقلد أو أتبع،فيسير أفراد أو تسير مؤسسات في هذا المنحى،فأكون ضمن من قال فيهم رسول الله(صلى الله عليه وسلم):”فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم”.والهداية هدايـات ولعلي أترك بعملي هذا علما ينتفع به،فأفوز،وهذا هو الأمل والرجاء “أو علم ينتفع به”.
منهج البحث : 1-الجمع : وهي أولى الخطوات التي سرتها،ولاختصار الطريق،وضعت قائمة بأهم المصادر التي سبق لي التعامل معها في بحثي السابق والتي خبرت ما فيها،ثم ابتدأت بجمع مرويات مفسري المدرسة .
2-التصنيف:-ترتيب الآثار التي تم جمعها وإعادة كتابتها وفق ترتيب المصحف آيات وسورا.
-تقديم الأثر الأقدم مصدرا،وتسجيل الباقي في الهامش بأسانيدها ومتغيرات متنها.
-تقديم الأثر المسند على غيره.
-عند تعدد الآثار المسندة المخرجة من مصدر واحد والمستوية من الناحية الأقدمية التاريخية،قدمت الأتم الأكمل،وأشرت الى باقي الروايات في الهامش،مع تسجيل جميع طرقها وإثبات الاختلافات المهمة إن وجدت في الهامش وإن لم تكن ختمت كلامي بقولي “بنحوه” إن كان يقترب من النص المعتمد في متن التفسير ،أو”به” إن كان لا يختلف عنه.
-ما لم أجد أثرا مسندا أثبت الآثار غير المسندة أو ناقصة الاسناد،مقدما ما رواه الأقدم تاريخيا.
-بالنسبة للدر المنثور للسيوطي ، اعتبرت الآثار المخرجة منه مسندة مماجعلني أقدمها على جميع النصوص المنقولة من التفاسير الأخرى التي ألفت قبله أو بعده،مع استثناء الآثار المسندة المتصلة.
-تدوين ملاحظات من نقلت منهم كابن كثير والبيهقي والطبراني والقرطبي وابن العربي والبخاري في الهامش.
-وقد سعيت جهدي لأن يكون التخريج تاما وشاملا لجميع مصادر الجمع التي اعتمدتها متبعا في ذلك الترتيب التاريخي لهذه المصادر ما أمكنني ذلك .
-ولست أدعي بعد ذلك الاحاطة الشاملة بكل ما روي من آثار لهذه المدرسة فكتب التراث هي أكثر من أن تعد أو تحصى،ولو شاء الباحث الاستقصاء لما وسعه عمل فرد ولامؤسسة ولا وسعته السنوات …
3- التوثيق:وأقصد به:
-أولا:استخراج أهم الطرق التي رويت بها النصوص التفسيرية المنسوبة لأعلام المدرسة.
-ثانيا:دراستها دراسة حديثية،لبيان صحيحيها من ضعيفها.
4- الدراسة:
وهي ثمرة من ثمرات الجمع والتصنيف والتوثيق ، قسمت عملي فيها الى مقدمة وخاتمة وفصول خمسة.
خُصِّصت المقدمة لبيان الدوافع الأساسية لاختيار الموضوع،مع إبراز المنهج المتبع في تحريره وصعوباته،والاجابة عن الأسئلة التي يمكن أن يضعها كل متخصص في التفسير ،من حيث الجدة أو التكرار.
وخُصص الفصل الأول لإبراز الهدف من دراسة التفسير المأثور بين الموجود والمقصود،ببيان حقيقة الموجود،وطريقة الوصول الى الموجود المفقود،وتحديد وسائل تحقيق المقصود.
وخُصص الفصل الثاني لتوثيق أسانيد تفسير أعلام”المدرسة”،بالكشف عن أهم الطرق التي نقل لنا بها النص الأثري القديم لكل علم على حدة،والترجمة لكل روادها مع بيان حكم العلماء المعدلين والمجرحين لهم.
وخُصص الفصل الثالث للحديث عن أعلام” المدرسة” وإبراز مكانتهم العلمية .
وخُصص الفصل الرابع لإبراز منهج أعلام”المدرسة” في التفسير .
وخُصص الفصل الخامس للحديث عن تفسير أعلام”المدرسة “بين التأثر والتأثير .
وخصصت الخاتمة لما تخصص له الخواتم من خلاصة ونتائج واقتراحات أرجو أن تكون شافية .
أما صعوبات البحث ،فيصعب التفصيل فيها ،لأنها متجلية في كل أطراف البحث زمانا وموضوعا.
فمن حيث الزمان،لايسعني إلا أن أقول بأن البحث العلمي الدقيق المتقن لا علاقة له بتحديد الوقت -وإن كان للوقت قدْرُُ في شرعنا-إذ البحوث العلمية التراثية – في نظري- بحوث مؤسِّسة،والتأسيس يتطلب الوقت والدقة والاتقان ، فإذا حُصر زمانا حَضر الاستعجال وغاب الاتقان.
ولكن لثقل المسؤولية أمام الله ثم أمام العلم ،صارعت الزمن وحاولت قدر الامكان التغلب على هذا التحديد والحرص على الاتقان.
أما من حيث الموضوع ، فهو عمل ضخم وكبير ،وهي أول ملاحظة سمعتها من أستاذي المشرف قبل السماح بتسجيله،ولكني قلت له بعون الله أنا به كفيل ،فخضته صابرا محتسبا،متحديا صعاب مثل هذا العمل الذي يتطلب الجمع والتصنيف والتوثيق والدراسة.
وأما المصادر فقد ُصنفت حيث هي تصنيفا يكفل الاطلاعُ عليها الاطلاعَ على ماكان منها لجمع المادة وما كان لغيره.
وأما مافات هذا البحث فكثير ،وإن كان لي من عذر فهو أني اجتهدت وما آليت، وبذلت الوسع وما كللت ، أسهرت الليل وأنصبت النهار،وليس لي من رجاء إلا أن يكون عملي لبنة في صرح العلم المتتفع به.
النتائج التي توصلت إليها :
بعد مسيرة علمية استمرت سنوات،وبعد تجوال في مدرسة مكة في التفسير المأثور،وتعرف على أساتذتها واطلاع على مناهجها ،يجدر بي الوقوف قليلا لأتساءل مع المتسائلين ،وأدقق النظر مع الناظرين في التعرف على الثمار التي جنيتها ، والنتائج التي توصلت إليها؟.فأبدأ وأقول:
-بأن هذا البحث لم ينته بعد،لأنه دراسة لبعض تراث الأمة،ودراسة التراث كما هو معلوم عند الباحثين لا تنته ببحث بل تبتدئ به، وإني قد ابتدأت وسرت ،وأرجو أن أتبع لينتهى من هذا العمل ويبدأ البناء والتشييد،إذ نحن التراث ،وليس كما ألف البعض (نحن والتراث)،فانطلاقتنا منه وفيه وبه ،وإلا فالمسيرة لن تسير والطريق سيصبح جد عسير .
-هذا البحث هو عمل مؤسسة ،ولكني بحمد الله تحملت هذا الأمر الصعب وذللته ،فاستطعت أن أجمع المرويات من بطون الكتب ،وأن أجمع العبارات وألم الشتات ،لأرسم صورة واضحة عن هذه المدرسة، وأبين جدة هذا العمل وضرورته وأهميته، وإن كنت على علم تام بأنه لم يبلغ حد الكمال ولكنه جهد فيه بذل وعطاء ،والكمال لله وحده.
-إن التعامل مع شخصيات فذة ،حوت من الخصائص ما يبعث الشخص من الهمود،ويوقظه من الغفلة والجمود،والتعامل مع تفسير مدرسة حاز أعلى مراتب الثناء وغاية التقدير ،لا تفي بحقهم كلماتي ولا تعطي ولن تعطي-مهما كنت بليغا ومعبرا-صورة صادقة عنهم هذه الصفحات،وكيف يحصل ذلك ،وقد انطلق العلم منهم وانتشر.
-خصوصا،وأن بحثي تحدث عن النص الأثري ،وعن صاحب النص الأثري،وهذا أمر صعب مستصعب،إذ كل ناحية من هاتين الناحيتين تتطلب بحثا مستقلا.،وإن كنت قد ألقيت بعض الضوء على الأشخاص وعلى النصوص،فالشخصيات موسوعية، عرفت تجلياتها في عدة علوم،في التفسير والقراءة،وفي الفقه والحديث،وفي اللغة والشعر،وفي السيرة والتاريخ،وعظيمة،خلقا وخلقا ،
وتعلما وتعليما،وأخذا وعطاء،فرسان في كل ميدان بل وأبطال له ،الكل أخذ عنهم وتمثل علمهم،ووثقهم ووثق بهم.
-أما النص ،فالتفسير المجموع يحدثنا عنه،والمنهج الدراسي يحلل لنا المعطيات،ولعل قارئ البحث سيجدني كثيرا ما أعقب بعد الانتهاء من دراسة بعض المباحث ،بأن كل مبحث يستحقأن يخصص كبحث مستقل،ومن المؤكد أن دراستي لمنهج المدرسة،لم يأخذ مني الوقت ولا الجهد الذي أخذه جمع المادة العلمية،وإن حظي مني بجهد فكري أكبر مما حظي به العمل الآخر،لأن البناء العلمي الصحيح والدراسة السليمة لايمكن أن تبنى من فراغ،لهذا سعيت جهدي لأوجد البناء والهيكل الذي يتمثل في النص ،الذي أخذ مني سنوات طويلة من الجمع والتنظيم والتصنيف ،ثم جاءت الدراسة فيما بعد.
-فمن حيث الجمع ،سعيت جهدي للكشف عن تفسير أعظم مدرسة أسست في الاسلام،من خلال المصادر والمراجع القديمة التي سعيت جهدي الى تنويعها ،من تفسير وحديث ومصنفات وطبقات وتاريخ وسير ،جعلت هذا التفسير يخرج في صورة متكاملة .
ولا أدعي لهذا الجمع الكمال المعرفي والعلمي،إذ ما خبأته من جذاذات تحت ضغط الكم والوقت،ليعد بالمئات من النصوص،لكن ما شجعني على عدم تسجيلها والاحتفاظ بها،هو أنها نصوص غير مسندة،وكلها نقلتها من تفاسير العلماء الأثريين وغيرهم ،مثل تفسير الرازي والثعالبي والجصاص والكياهراسي وغيرهم، وكذا نصوص سجلتها من المصنفات الكبرى لابن ابي شيبة وعبدالرزاق الصنعاني التي تعبرعن رأي في النص وتفسير له ،لكن دون ذكر للآية المفسرة أو موضوعها،مما يتطلب من الباحث التدقيق الجيد في كل نص نص ،ولكن بحسبي ما سجلته من نصوص في هذا التفسير .
-ومن حيث توثيق النص ،فقد سعيت للكشف عن أقوال أبناء المدرسة من حيث المتن والسند،وهو عمل جعلني أغوص في بحر لا ساحل له ،فجلت مع معاني الأقوال ،واصطحبت فحول الرجال ،فتعرفت على اللين والصدوق والعابد والمقبول ،والضعيف والمتروك،والثقة وثقة الثقة،وكانت رغبتي العلمية هي الوصول الى تحقيق جميع نصوص التفسير التحقيق الحديثي المطلوب
ولكن بعد السير مع كتب الرجال ورواة المدرسة ،اخترت العمل في هذا الفصل بمنهجية تقرب الدارس من النص وتسهل عليه الوصول الى معرفة صحيحه من ضعيفه ،وتمييز غثه من سمينه،وذلك ببيان أهم الطرق التفسيرية عند المدرسة والتحدث عن كل طريق بالتفصيل العلمي المطلوب الذي يزيل كل لبس وغموض.
-ومما يمكن إبرازه عظمة النص الأثري عند مدرسة مكة،وغياب هذا النص عن واقعنا وسلوكنا وأفهامنا،في شتى الميادين المعرفية ،وعظمة التفسير المأثور الذي لا نعرفه كثيرا،وعرف به هذا التفسير المجموع،حيث بين التفسير اهتمام “المدرسة” بالتفسير الأثري الذي هو أصل التفسير وأدق طرقه وأحسنها،حيث استشهدوا بالقرآن الكريم،وفهموا السنة النبوية وتعاملوا معها وبها في تفسيرهم،بل وأشربتها نصوصهم التفسيريه،وفسروا بالقراءات بكل أقسامها وتفريعاتها،متواترها وشاذها،سواء بعرضها أو بتوجيه معانيها،كما بينوا أهمية اللغة وضرورتها في تفسير القرآن بل وفي فهم الكتاب،وانها أصل الأصول للوصول الى معاني الألفاظ القرآنية والوقوف على دلالاتها ومقاصدها وتحسس مواطن الجمال فيها،حيث جعلوها عمادهم في التفسير،واستخدموها في بيان المعاني واشتقاقها والاحتكام إليها،ولعل ما سقته من أشعار وجمعته من استشهادات شعرية لبيان مجموعة من الألفاظ القرآنية لخير مبين لهذا الامر،وإن بدت ظاهرة اهتمامهم متباينة ومتفاوتة بين مقل ومكثر.
-أما موقفهم من الاسرائيليات فهو موقف يجيب عن كثير من الاسئلة التي تبث في الكثير من الكتب التي تسعى للطعن في النص الأثري ،بل هو موقف يستحق كل الشكر والثناء ،إذ عبروا عن طريقة تعاملهم معها واستفادتهم منها ،التعبير الصريح من خلال مجموعة من النصوص الدالة على منهجهم في تلقيها واستعمالها.حيث أخذوا عنهم مالا يخالف شرائع الاسلام ،استيفاء لقصص لم يخبر بها القرآن من موضوعات خاصة ببدء الخلق والخليقة وأخبار الانبياء السابقين والملوك الاسرائيليين،في حدود ما تميل إليه النفس وتتشوف إليه العقول.
-أما عن التأثير والتأثر بين أعلام”المدرسة”فالنصوص والجداول التي قدمتها لتغني الدارس المطلع عن البيان،حيث أثروا التفسير بمعارفهم وعلومهم،وصدقهم في العلم وإخلاصهم،فأثروا وتأثروا،واستفادوا وأفادوا،وصححوا ونقحوا ،ومثلوا بحق المنهج العلمي الرصين المبني على الدقة العلمية وحسن الاستدلال .
وفي الختام ،فإن المفسرين المكيين،شكلوا بحق مدرسة جامعة ،تحوي بحق كامل التخصصات العلمية،ففيها اللغة والتفسير والقراءات والحديث والفقه والشعر والموعظة البليغة.
إعداد : ذ. أحمد العمراني