….استبشرنا خيرا، وما أصعب البشرى في زمن التردي والتشرذم العربي الرسمي أمام غطرسة ومجازر شارون ضد الشعب الفلسطيني الأعزل إلا من إيمانه بالله وبعدالة قضيته.
المهم استبشرنا خيرا لما أعلن أخيرا عن الترخيص للمظاهرة الضخمة بمدينة الرباط تضامنا مع الشعب الفلسطيني في محنته. وذلك تحت إشراف الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وبمشاركة كل الأحزاب والهيئات والجمعيات المغربية.
انتظرنا كثيرا ووضعنا أيدينا على قلوبنا حتى جاء اليوم الموعود وتقاطر آلاف المغاربة على العاصمة الإدارية يحملون عواطفهم الجياشة وكل ما لهم من نخوة تضامنا مع إخوانهم في فلسطين…
وبدأت المظاهرة الضخمة تتحرك ببطء شديد نظرا لكثرة المتظاهرين حيث بلغ عددهم ثلاثة ملايين حسب مصادر المنظمين.
كانت المظاهرة هادرة وصاخبة جدا كما لم تشهد مثلهاأية عاصمة عربية ولا عالمية هذه الأيام، واستطاع المغاربة أن يعبروا فعلا على ما يكنونه من تعاطف ومحبة للشعب الفلسطيني في محنته، وكراهيتهم للعدو الصهيوني ومن يسنده وكذلك لتذمرهم من الخنوع والصمت العربي والإسلامي المريب. هكذا بدت الأجواء في مظاهرة الرباط، إلا أن قناة 2M وكعادتها أبت إلا أن تفسد علينا فرحتنا وحماسنا من خلال نقلها البارد والجاف جدا لوقائع المظاهرة، من خلال مذيع يولد الكلمات بحثا عن أساليب منمقة وجافة تفسد حماسة الموقف، وأيضا من خلال ضيوف “باردين” لا يمثلون حقيقة نبض الشارع المغربي في ذلك اليوم المشهود. وإلا فما معنى استضافة كاردينال الكنيسة الكاتوليكية بالرباط للتعليق على مظاهرة بلغة فرنسية منمقة تذكرك بأسلوب فولتير وموباسان. وحتى صور المظاهرة يبدو أن قناة 2M كان الله في عونها لا تملك سوى كاميرا واحدة أو اثنتين ظلتا مركزتان على مقدمة المظاهرة فقط وعلى جماعة مبعثرة من الناس يضحكون و “يفرقوا الغا” مما يوحي بأن المظاهرة لم تكن جدية بما فيه الكفاية. وحتى المستجوبون من وسط المظاهرة يبدو أ نه تم انتقاؤهم بطريقة عجيبة غريبة، بحيث تم الاقتصار على البعض دون البعض الآخر لحاجة في نفس 2M. فقد كان من البديهي استجواب مواطنين عاديين ليعبروا بتلقائية عن مشاعرهم وارتساماتهم، كما تفعل جميع القنوات في أرض الله الواسعة.
…كل هذه اللقطات المقصودة أعطت للمتابع ارتساما غير حقيقي على مستوى وحرارة المظاهرة الضخمة التي طالما انتظرناها. فهاهنا يكمن الدور الخطير للمذيع و الإعلامي بصفة خاصة في مثل هذه الأحداث، تنقل مظاهرة لا يزيد عدد المشاركين فيها عن بعض المئات، فتبعث في جسدك قشعريرة غريبة وتلهب قلبك وجوانحك حماسا. بينما تتابع مظاهرة من أضخم المظاهرات في العالم على الإطلاق، فلا تشعر بشيء بل تشعر بالغثيان وخيبة الأملوتدب في جسدك قشعريرة من البرد والبؤس، فتجزم حقا وصدقا بأن المظاهرة إياها كانت رسمية أكثر من اللازم وباردة أكثر من اللازم. فتدير زر الريموت كونترول بنرفزة إلى قنوات أخرى، فتتابع نفس المظاهرة الضخمة على قناة المنار من خلال مذيع حيوي واستجوابات حقيقية وصادقة فتشعر بالاطمئنان والنخوة فيعود إليك الدفء والحماس من جديد. وتعلم أن انتظارك للحدث وتحمسك له لم يذهب هذرا، تغطية حية لأهم مراحل المظاهرة، واستجوابات تلقائية مع عامة الناس تعبر فعلا وصدقا عن نبض الشارع المغربي، ولا أنسى تلك المرأة العادية جدا وهي تصرخ في ميكرو القناة: واإسلاماه ! واعروبتاه! ! إنه تعبير صادق يخرج من الأعماق الصادقة ويعبر أصدق تعبير عما يجيش في نفوس المغاربة كلهم من ألم وحسرة عما يجري في أرض فلسطين الحبيبة هذه الأيام.
وما أدري والحالة هذه أهي الرسالة الإعلامية التي أرادت قناة 2M تمريرها للمشاهدين في يوم تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. أهي مجرد أخطاء إعلامية وقلة خبرة لدى مذيعي القناة، أم هو الإصرار والإمعان على تبريد المظاهرة وصب الماء المثلج عليها إعلاميا مع سبق إصرار وترصد بحيث يتم ضرب عصفورين بمظاهرة واحدة :
إرضاء الشارع المغربي والعربي عموما من جهة. وطمأنة الأمريكان بأن المظاهرة لم تتعد خطوطها الحمراء التي رسمت لها سلفا من جهة أخرى. هذا الاعتقاد -وأرجو أن أكون مخطئا فيه – ترسخ لدي بعد قراءتي لخبر نشر في الشرق الأوسط مفاده أن الأحزاب والهيئات السياسية المشاركة في المظاهرة تعهدت للسلطات بعدم إحراق العلم الأمريكي، وترسخ لدي ثانيا بعد اطلاعي على توجيهات مديرة الأخبار في القناة الثانية لمجموعة من الصحافيين والمذيعين بـ “ضرورة التخفيف من حدة بعض التعاليق التي تتسرب من وجدان الصحافيين إلى الريبورتاجات التي يقدمون” أثناء تغطيتهم لما يجري في فلسطين من مجازر. اللهم لا تعذبنا بما فعل السفهاء منا، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ذ. عبد القادر لوكيلي