يحكى عن أشعب – الذي كان مشهورا بشدة طمعه – أنه قال لبعض الأطفال المتجمعين حوله: اذهبوا إلى دار فلان فإن فيها وليمة، ولم تكن فيها وليمة ولكنه أراد تفريقهم عنه، وعندما ذهبوا مصدقين له، داخله الشك فيما قاله، فلحقهم ظانا أن ما قاله ربما يكون صحيحا.
حكاية تحكى للتسلية وإبراز بعض رموز الطمع والحمق والسفه، ولكنها صالحة للاستدلال بها على حمق المهزوزين إيمانا وسياسيا الذين لا يعرفون ماذا يريدون، ولا يفكرون في ماذا يريدون، وكيف يحققون ماذا يريدون. فمصيرهم بيد غيرهم الذي يخطط لهم ويقنعهم بسلامة الانجرار الأعمى وراء القادة المهرة، والمخططين المكرة، وإن كان الانجرار يقود إلى الهاوية المدمرة.
هذه قصة كبار قومنا مع فرية الإرهاب، فهم لكي يسلموا من تهمة الإرهاب، عليهم ألا يسمحوا بصوت الجهاد النفسي والسياسي والمالي يعلو في ربوع الأوطان الإسلامية، وعليهم أن يحاربوا التجمعات الإسلامية، والمؤسسات الإسلامية، والتعليم الإسلامي، والتاريخ الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي، والتوحد الإسلامي، والتضامن الإسلامي، وباختصار عليهم أن يكونوا حراسا أمناء فاتحين أعينهم وأسماعهم وحواسهم ومشاعرهم على كل ما هو إسلامي وإلا ألصقت بهم تهمة الإرهاب.
فكبار قومنا لا يستطيعون أن يجهروا بالحق، ويجابهون الإرهابيين الحقيقيين بأنهم هم الإرهابيون حقا. ويقولون لهم بالصوت العالي المجلجل: إن الإرهابي هو من يَدُكُّ الشعوب الضعيفة المتخلفة دكا، ويزيل الحكم الذي ارتضته لنفسها، ويأتي له بحكم مصنوع يسمع ويطيع، وإن الإرهابي الحقيقي هو من يحاصر الشعوب ويجوعها ويمنعها من امتلاك السلاح الذي تستطيع الدفاع به عن نفسها ودينها ووطنها وثروتها، وإن الإرهابي الحقيقي هو من يدمر المدن على أصحابها ويدفن أحياءها وأمواتها على مرأى ومسمع من العالم كله بدون حياء أو وجَل أو خوف من حسيب أو رقيب. وإن الإرهابي حقا هو الذي يقتحم أحياء المدن بحثا عن الشرفاء والمجاهدين والأحرار الذين يقاومون الظلم ويقفون في وجه شراسة الاستبداد العنصري الدولي الذي لم يسبق له مثيل. وإن الإرهابي حقا هو من يحبس الرؤساء ويجوعهم ويذلهم ويهينهم حتى يوقعوا على ما يريد ويشتهي.
لماذا لا يملك كبار قومنا الشجاعة الإيمانية للمجاهرة بهذا فرديا وجماعيا؟ لماذا لا يصرخون بهذه الحقيقة في المحافل الدولية والمنظمات الإنسانية؟ ولماذا لا توحد كبارَ قومنا هذه المصائبُ التي تنهال على رؤوس أشرف الشعوب، شعوب الإسلام، شعوب الحضارة الإنسانية الراقية، شعوب المبادئ الطاهرة مظهرا ومخبرا.
يظهر أن كبار قومنا لم يكبروا بعد، ويصلوا إلى مستوى رسالة دينهم، وطموح شعوبهم. فهم بالتوطيد لكرسيهم مشغولون، وفي غمرة التهريج السياسي غارقون، وبخداع شعوبهم لاهون، ومنتهمة الإرهاب خائفون، {فَعَسَى اللّه أَنْ يَأتِي بِالفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ منِ ْعنِدْهِ فَيُصْبِحُوا علَىَ ماَ أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ ناَدِمِين}(سورة المائدة.