أعد هذا الكتاب للنشر قبل أحداث 11 أيلول بأيام قليلة وقد كتبت مقدمته في 4/ أيلول/ 2001 ويبدو واضحا من عنوان الكتاب ومقدمته أنه يسعى لمواجهة انتشار الأفكار النمطية المزيفة عن الإسلام في أميركا وعلاقة ذلك بتواطؤ الحكم في أميركا (كما يقول المؤلف) مع العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، “ولو تسنى (يقول المؤلف) للشعب الأميركي أن يدرك حقيقة الإسلام لانتهى هذا التواطؤ المميت”.
المؤلف عضو سابق بالكونغرس
والمؤلف بول فندلي كان عضو الكونغرس الأميركي عن ولاية ألينوى لمدة اثنين وعشرين عاما، وعمل محررا صحفيا، وقد أصدر بعد خروجه من الكونغرس خمسة كتب حول قضايا الشرق الأوسط والصراع العربي الإسرائيلي، منها “من يجرؤ على الكلام” ويلقي الضوء على القوى الصهيونية النافذة في الولايات المتحدة، و “الخداع” الذي يناقش الأساطير الصهيونية واليهودية والعلاقات الأميركية _ الإسرائيلية، ويركز على الأضرار التي تلحق بالولايات المتحدة بسبب انحيازها لإسرائيل.
بدأت علاقة المؤلف بالإسلام والعرب بدون تخطيط عندما سافر عام 1974 إلى عدن للتوسط في إطلاق سراح مواطن أميركي معتقل هناك، وفتحت تلك الرحلة عيني فندلي على “ثقافة مستندة إلى الشرف والكرامة، وقيمة كل إنسان، والتسامح وطلب العلم” ويقتبس عبارة للأمير تشارلز ولي العهد البريطاني “يمكن للإسلام أن يعلمنا طريقة للفهم والعيش في عالم كانت المسيحية هي الخاسرة عندما فقدته ذلك أننا نجد في جوهر الإسلام محافظته على نظرة متكاملة إلى الكون، فهو يرفض الفصل بين الإنسان والطبيعة والكون وبين الدين والعلوم وبين العقل والمادة، وقد حافظ على نظرة ميتافيزيقة وموحدة عن أنفسنا وعن العالم من حولنا”.
أرقام ومعطيات عن مسلمي أميركا
يلاحظ بول فندلي أن نسبة المسلمين المتدينين الذين يحافظون على أداء الواجبات الدينية أكثر منها بين أتباع الديانات الأخرى، ويقدر عددهم في الولايات المتحدة بسبعة ملايين، وتقدرهم مصادر أخرى بثمانية ملايين وبعضها بعشرة ملايين، وبعض التقديرات تصل إلى 17 مليونا، وتقدر المساجد بألفي مسجد، ويقدرها مركز البحوث في مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية بستة آلاف، ويعيش حوالي مليون مسلم في كاليفورنيا ومثلهم في نيويورك.
وكان المسلمون حوالي 25% من الأفارقة الذين جلبوا إلى القارة الأميركية وبيعوا عبيدا، وقد أجبر هؤلاء على التخلي عن دينهم، وقد وصل البحارة المسلمون إلى أميركا عام 1178م أي قبل كولومبوس الذي وصل إلى أميركا بمعونة بحارة مسلمين بثلاثة قرون، وهاجر عدد كبير من عرب إسبانيا إلى أميركا هربا من محاكم التفتيش الكاثوليكية، وكان ثمة مسلمون بين الصينيين الذين استقدموا للعمل في بناء شبكة السكك الحديدية، وكانت أضخم هجرة للمسلمين في أواخر ستينات القرن العشرين وأغلبها من جنوب آسيا والدول العربية. ويمثل السود 30% من المسلمين ومثلهم من جنوب آسيا، والعرب 10%، والأتراك10%، والإيرانيون 3%.
مشاهير وقادة
ومن أشهر المسلمين الأفارقة محمد علي بطل العالم في الملاكمة، وكريم عبد الجبار لاعب كرة السلة، ولويس فرقان زعيم أمة الإسلام التي يزيد أتباعها على خمسين ألفا، وقد نظم عام 1995 مظاهرة من مليون شخص، وللمسلميين الأفارقة جمعية أخرى هي الجمعية الأميركية الإسلامية وتضم في عضويتها سبعين ألفا وفي تقديرات أخرى مائتي ألف. ولا تزيد نسبة البطالة بين المسلمين على 2% أي نصف المعدل القومي، وأما نسبة الجرائم بينهم فهي متدنية.
ومن المسلمين غير الأفارقة يبرز عدد كبير في العلوم والهندسة والطب والكمبيوتر والتجارة، منهم أحمد زويل المصري عالم الكيمياء الحائز على جائزة نوبل عام 1999 وصافي قرشي أحد المسؤولين الكبار في شركة كمبيوتر عملاقة، وراي إيراني من قادة شركة “أوكسدنتال” النفطية، وعلي مازوري أستاذ العلوم السياسية الكيني، وألبرت شفايترز مدير معهد الدراسات الثقافية العالمية في جامعة بنغهامتون في نيويورك، وإبراهيم أبو لغد رئيس دائرة العلوم السياسية في جامعة نورث ويسترن، ورشيد الخالدي الأستاذ في جامعة شيكاغو، وهشام شرابي من جامعة جورجتاون ومدير مركز تحليل السياسات في واشنطن، ومصطفى العقاد المخرج السينمائي، ويخدم في الجيش الأميركي سبعة آلاف جندي مسلم، وقد بني لهم مسجد في قاعدة بحرية في نورفولك بولاية فيرجينيا، وإذا استمر معدل نمو السكان المسلمين كما هو الآن فإنهم سيتضاعفون بحلول عام 2027.
تمييز عنصري واضطهاد
ويواجه المسلمون (قبل أحداث 11 أيلول) قدرا كبيرا من الإساءة والتشهير والاضطهاد والتتمييز وسوء الفهم، ويرصد فندلي كثيرا من الممارسات الرسمية والإعلامية أو التي تقوم بها جماعات متطرفة، وفي هوليود حيث تنتج معظم الأفلام الروائية والوثائقية يستمر إبراز صورة “الإرهاب” المسلم، ففي أوائل عام 2000 حققت شركة “باراماونت” السينمائية أرباحا طائلة (43 مليون دولار) من فيلم Rules of Engagement الذي يفتري على المسلمين واليمنيين بخاصة، فقد تضمن الفيلم مشهدا لمجموعة هائجة من المسلمين في اليمن تهاجم السفارة الأميركية في صنعاء وتستطيع قوة من البحرية الأميركية إنقاذهم وفي المحكمة العسكرية الأميركية التي تعقد لمحاكمة الجنود الذين أطلقوا النار على المسلمين يعرض تسجيل لقائد الجماعة الإسلامية يحض أتباعه على قتل الأميركيين.
وفي تقرير وزارة الخارجية الأميركية عن الإرهاب العالمي عام 1999 يرى فندلي أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أولبرايت تحتاج إلى دروس في اعتماد الحقيقة في عرض الأمور، فالتقرير يعلن بصراحة أن مصدر التهديد الرئيس في الشرق الأوسط برغم أن معظم الحوادث التي يسردها وقعت في أميركا اللاتينية وشرق آسيا وآوروبا وليس منها إلا القليل مما وقع في الشرق الأوسط وحتى هذه المذكورة في التقرير عن الشرق الأوسط فإن إيراد بعضها في قائمة الأحداث الإرهابية غير صحيح.
يصف جين بيرد أحد الموظفين السابقين في الخارجية الأميركية والذي يترأس مجلس المصالح القومية في واشنطن استخدام الصورة النمطية الجاهزة عن “الإرهاب الإسلامي” بمثابة “زر ساخن” يستخدم لتسويغ الممارسات الإسرائيلية القاسية في فلسطين ولبنان، وتمرير المساعدات الأميركية لإسرائيل، وهذا التنميط (يقول بيرد) يشجع على اتخاذ قرارات مكلفة على الشعب الأميركي ويسهل الانحياز إلى إسرائيل، وإقرار هبات سنوية تبلغ 4.7 مليار$.
طالبان وتشويه صورة الإسلام
وقد ساهمت المعالجات الإعلامية الموسعة لأداء حكومة طالبان (قبل 11/9) على تقديم صورة مشوهة عن الإسلام والمسلمين كما أن طالبان نفسها لم تقصر في الإساءة إلى نفسها وإلى المسلمين، ويعتقد المؤلف أن معظم الأميركيين لا يدركون الروابط المشتركة بين الحكم بالشورى وإسناد السلطة إلى الأمة المنصوص عليها في القرآن الكريم وبين الدستور الأميركي، ولا يعرفون أن النظامين يتوافقان ويتكاملان من حيث البنى الديمقراطية، ويفضلون الانسياق وراء إيحاء الإعلام بأن أفغانستان طالبان هي نموذج المسلمين في دولتهم وأنظمة الحكم والسياسة لدى المسلمين، وبالطبع فإن عامل طالبان بعد أحداث أيلول سيبقى طاغيا وربما يكون من الصعب تصحيح صورة الإسلام أو حتى إعادتها إلى ما كانت عليه من قبل برغم سوئها.
وينبغي أن ننحو بكثير من اللوم على المسلمين ( يقول فندلي ) الذين يبتدعون تصورات غير دقيقة ومقلقة حول الحكم أو المجتمع اللذين يريدون تأسيسهما، ويرتكبون أعمالا تعصبية مشينة، فقد أضرم مسلحون في إندونيسيا النار في عشرات الكنائس وأحرقوا محلات تجارية ومنازل يملكها مسيحيون، وهناك الكثير من الأمثلة التي لا يعرفها بول فندلي، ولكن تبقى المشكلة في منهجية فهم الإسلام ودراسته، فالمواقف المسبقة يمكن دعمها بكثير من الأدلة والشواهد الصحيحة، فهناك طرفان في معادلة فهم الإسلام يبدوان وكأنهما يعتمدان على بعضهما، المسلمون الذين يتبرعون بتصريحات وممارسات تؤكد عداوة الإسلام للديمقراطية والحضارة ويقابلهم الذين ينتقصون من قدر الإسلام ويسعون إلى تلقف هذه الأقوال والممارسات وعرضها في وسائل النشر والإعلام.
ويناقش فندلي قضايا جدلية تثار عادة حول موقف الإسلام من المرأة والديمقراطية وعقوبة الزاني والسارق ( الجلد أو الرجم وقطع اليد ) وثمة اعتقاد لدى الأميركيين أن الإسلام منحاز ضد المرأة، وبخاصة في قضايا المساواة والطلاق وتعدد الزوجات، ويذكر أن تعدد الزوجات بين المسلمين فيأميركا نادر جدا يقتصر على بعض الأفارقة في مدن داخلية ومعزولة، ولكن هناك حوالي 35 ألف مسيحي يمارسون علنا تعدد الزوجات.
ويعرض تجربته في العمل التلفزيوني لقناعته أن الكتابة الصحفية ونشر الكتب لا تكفي للوصول إلى جميع الأميركيين، فقد كلف ابنه كريغ الذي يملك شركة علاقات عامة إنتاج رسالة تلفزيونية عن مسلمي الولايات المتحدة مدتها ثلاثون ثانية بالتنسيق مع جيمس زغبي، وأخيه جون زغبي الذي يدير شركة عالمية لاستطلاعات الرأي، وأكدت الرسالة المكونة من عبارات وصور على أن مسلمي الولايات المتحدة تجمعهم قواسم مشتركة كثيرة مع جيرانهم غير المسلمين، وقد بثت الرسالة في حملة تجريبية محدودة في صيف 1998 في واشنطن، وأجرت شركة الزغبي قبل البث التجريبي اتصالات هاتفية بثلاثمائة وثمانية أشخاص طرحت عليهم مجموعة من الأسئلة، ثم أجريت اتصالات هاتفية بعد بث الرسالة مع ثلاثمائة وثمانية أشخاص شاهدوا الرسالة، وأظهرت الاستطلاعات تطورا مهما في نسبة التأييد الإيجابي لأفكار الرسالة عن المسلمين، وتبين أن الشباب أكثر تسامحا مع المسلمين من المسنين، وأن النساء أكثر تسامحا من الرجال. وقد قفزت نسبة من يملكون انطباعا عاما إيجابيا عن المسلمين من بين مشاهدي محطة CNN من 42% قبل الحملة إلى 65% بعدها.
وثمة جهود كثيرة يقوم بها أميركان غير مسلمين من أجل علاقة طيبة بين المسلمين وسواهم مثل وليم بيكر أستاذ الآثار والرئيس المؤسس لمنظمة المسيحيين والمسلمين للسلام ومؤلف كتاب “الجسر بين الإسلام والمسيحية: ثمة ما هو مشترك أكثر مما تعتقد” و”والاش” الصحفي اليهودي الذي يسعى لإقامة صداقات وتفاهم بين العرب واليهود، والبروفيسور جون إسبوزيتو مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي ومحرر موسوعة أوكسفورد للعالم الإسلامي الحديث وأستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون, وريتشارد كورتيس وأندروكيلغور الدبلوماسيين المتقاعدين اللذين يصدران مجلة تعرف الأميركيين بسياسة المسلمين الداخلية والخارجية “واشنطن ريبورت أون ميدل إيست أفيرز” وجيمس ويني أحد كبار المتبرعين الكاثوليك والراعي الرئيس لبرنامج الدراسات الكاثوليكية _ الإسلامية والذي قال مرة بعد زيارة له إلى فلسطين “إن الناس في الشرق الأوسط من أتباع الديانتين الذين لا يعرف بعضهم عن بعض شيئا يقودهم ويؤثر فيهم أشخاص هامشيون”.
إن تصحيح الأفكار النمطية عن الإسلام هو برأي فندلي لصالح جميع الأميركيين المسيحيين منهم والمسلمين واليهود، فالأفكار الخاطئة السائدة في أميركا حول الإسلام تشكل ضيقا وقلقا لمسلمي الولايات المتحدة، وتحول دون رسم سياسة حكيمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وتستدرج حكومة الولايات المتحدة إلى انتهاج سياسات منحازة.
ثمة ربط بين العادات والتقاليد والثقافات المختلفة في أوساط المسلمين من المغرب إلى إندونيسيا وبين الإسلام وهذا يجعل كثيرا من المعتقدات والممارسات متناقضة أو مختلفة ولكنها جميعها تنسب إلى الإسلام وقد ناقش فندلي هذه المسألة بذكاء مستخدما تجربته ومشاهداته الشخصية في أنحاء العالم الإسلامي إضافة إلى مقابلاته مع مسلمين من مختلف الدول الإسلامية، ومن الأمثلة في هذا المجال كيفية وشكل حجاب المرأة، وختان الإناث، وجرائم الشرف.
ويملك المؤلف غزارة مدهشة في عرض الأمثلة والقصص والحالات التي احتاج جمعها وحشدها إلى جهد كبير وذاكرة قوية ومثابرة وجدية عالية المستوى وقد يحتاج المسلمون كتابه وأمثلته وقصصه مثل غير المسلمين وأكثر، وقدم فهما موضوعيا للإسلام وتفسيرا لأحكامه باحترام حتى تكاد تظنه مسلما، ويعرض بجرأة ما يبدو تناقضا مع الحريات والمساواة ثم يعرض تفسيرات ومعالجات مستمدة من شخصيات إسلامية ولا يزعم في كل ما يعرضه أنه مؤهل لتفسير الإسلام وشرحه.
ويرىفندلي ضرورة زيادة مشاركة المسلمين في الحياة السياسية والعامة في أميركا، وقد بذل المؤلف جهدا شخصيا لردم الهوة بين المسلمين والمؤسسات الرسمية والعامة في أميركا، وكل ما يحتاجه الأمر برأيه أن يضطلع المسلمون بواجباتهم كمواطنين في الولايات المتحدة.
ويستشهد بمقولة لأحد أساتذته (مالكوم ستيوارت) الذي كتب له رسالة بصدد إحدى مقالاته عن الإسلام في أميركا “لن يكون سلام في عالمنا حتى يتحقق السلام بين الأديان، ولن يكون سلام بين الأديان حتى يتوصل أتباعها إلى أن يتفهم بعضهم بعضا، إن نقطة البداية تكمن في التشديد على الجوانب المتشابهة لا الاختلاف، فالهدف المعلن لكل ديانة هو السلام والوحدة والتآلف أو كما قال الشاعر روبرت بيرنز “أعجبك أم لم يعجبك فنحن كلنا نعيش على هذا الكوكب وليس هناك مكان آخر نذهب إليه”.
- المؤلف : بول فندلي
المصدر : الجزيرة نت