بينما تسحق الآلة العسكرية عظام أبناء فلسطين لا تزال أصوات وإن بدت خافتة تؤمن أن السلام مع اليهود المفسدين أمر ممكن، وفي الوقت الذي جاء فيه رد العصابات الصهيونية على المبادرة السعودية على شكل تصعيد للهجمة الإرهابية على شعبنا الأعزل ما زالت هناك آمال عربية تتحدث عن السلام، وفي الوقت الذي وجد اليهود من بين الفلسطينيين والعرب من يعترف بهم ويتنازل لهم عن أرض المسلمين، يزداد تنكر الصهاينة لحقوق الشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي يتوسل فيه بعض القادة إلى أمريكا، يزداد الانحياز الأمريكي للعدو الصهيوني وضوحا.
من كل ذلك ندرك أن مطامع العدو الصهيوني التوسعية في ظل ما يملك من ترسانة تقليدية وغير تقليدية، مع تعطشه الفطري لسفك الدماء، حال دون قبوله بكل المغريات العربية والتي تجسدت في ما يطرح الجانب العربي من مبادرات لا تحمل في طياتها إلا المزيد من التراجع العربي أمام الصلف الصهيوني، وموقف العدو المتصلب كان – بلا شك – من الأسباب التي حالت دون وقوع كارثة سياسية تتمثل في إقرار عربي بالهزيمة وبيع جماعي لفلسطين، بينما ضربات المقاومة الفلسطينية الموجعة التي صفعت أكبر شخصية يهودية مفسدة على وجه الأرض جعلت الكيان الصهيوني وجها لوجه أمام الحقيقة المرة، والتي تقول لا مكان لليهود في فلسطين.
فلا يوجد الآن من بين قادة العصابات الصهيونية المفسدة من يتمنى أن يكون مكان شارون الذي حصل يوم انتخابه على أعلى نسبة من الأصوات وصل إليها قائد صهيوني من قبل بينما يتراجع الآن دعم الصهاينة له من خلال استطلاعات الرأي إلى مستويات متدنية جدا، وقد أدرك شارون الذي استنفذ كل ما لديه من وسائل وخطط إرهابية أنه أمام شعب لا يثنيه الإرهاب الصهيوني عن هدفه في تطهير فلسطين من بحرها إلى نهرها من المفسدين اليهود، فالمقاومة الفلسطينية التي جعلت من حقبة شارون أسوأ فترة عاشها الصهاينة حيث الارتفاع الحاد في عدد القتلى والجرحى، والتي تمكنت من قتل وجرح العشرات من المفسدين اليهود في أقل من أربع وعشرين ساعة ردا على مجازر مخيمي جنين وبلاطة قد تجاوزت مرحلة توازن الردع، وأصبحت تخطو وبسرعة نحو تفوق نوعي على جيش يعيش حالة من الانهيار، فمعنويات جنود شارون الذين هم أداته في ممارسة الإرهاب قد انهارت تماما، فحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية يتم كل 51 دقيقة الإعلان عن فرار جندي من الجيش، ومن لا يفر من الجيش يلجأ إلى المخدرات ليفر من واقعه، ففي كل ثماني ساعات يتم التحقيق مع جندي بتهمة تعاطي المخدرات.
وإذا أضفنا إلى ذلك الهزيمة التي لحقت بالعصابات الصهيونية في مخيمات الصمود الفلسطينية في جنين وبلاطة، مما أدى إلى ارتفاع الأصوات المنتقدة لسياسة شارون، فقد نقلت يديعوت أحرونوت عن مصادر عسكرية قولها “أنه من الواضح منذ البداية أن الدخول لمخيمات اللاجئين سيشعل كل المناطق وسيؤدي إلى عمليات”، مضيفة تلك المصادر قائلة “من الواضح أن عمليات الجيش نسفت كل فرصة للتوصل إلى هدوء”.
وإذا أضفنا إلى انهيار الجيش معنويا حالة الرعب التي يعيشها المغرر بهم من اليهود الذين تركوا أوطانهم ليغتصبوا فلسطين، ثم أضفنا إلى ذلك الانهيار الاقتصادي حيث تسبب شارون بكارثة اقتصادية، وقد انهارت السياحة، وازدادت البطالة، وسجلت الاستثمارات انخفاضا بنسبة 60%، فقد بلغ حجم الاستثمارات في العام 2001، 4,55 مليار دولار مقابل 11,2 مليار دولار في العام 2000.
فبقدر ما كان انتخاب شارون يشكل أملا للصهاينة للقضاء على المقاومة وتوفير الأمن، بقدر ما أصبح الآن سببا لليأس والإحباط الذي يعشش في قلوب الغزاة من الصهاينة من إمكانية العيش في فلسطين، ولذا فنحن أمام مرحلة مهمة جدا في تاريخ مقاومة الشعب الفلسطيني، وهذه المرحلة تحتاج إلى تنسيق بين مختلف القوى المجاهدة، وتشبث بالثوابت، وصبر على الجهاد، وإصرار على اعتباره خيارا وحيدا لتحرير الوطن والمقدسات، ووقف كل أشكال التفاوض مع العدو، والمبادرات، واللقاءات الأمنية منها والسياسية، فمطامع العدو في التوسع والعدوان من جانب، وبسالة المقاومة الفلسطينية من جانب آخر، وما نملك من حق تاريخي في كامل ترابنا الفلسطيني من جانب ثالث، جميعها تؤكد أن زوال الكيان الصهيوني هو الحل الوحيد العادل والممكن.
د. عبد العزيز الرنتيسي