تعيش المرأة المسلمة الآن حالة من التناقض بين تيارين متعارضين يتجاذبانها، فيجعلانها تعيش نوعا من الاستلاب لايؤهلها لمواجهة التحديات الحضارية المعاصرة :
- تيار يجذبها إلى الماضي بعاداته وتقاليده ويشجعها على الركون والاتكال وعدم الإبداع، وضعف الشخصية، فجعلها بذلك تفقد دورها الإيجابي في الحياة.
- وتيار آخر يشجعها على اتباع النموذج الغربي، وتقليده تقليدا أعمى ضاربة عرض الحائط خصوصياتنا الحضارية وقيمنا الثقافية والدينية.
فأصبحت المرأة بذلك تعيش تخلفا فكريا وثقافيا يعوقها عن مواجهة كل التيارات الهدامة، إنها تتعلم، وتذهب إلى الجامعات وتشغل مناصب كبيرة، ولكنها في نفس الوقت تعاني من أمية مختلفة الأبعاد؛ أمية جعلتها مستلبة، مغتربة، تابعة، غير فاعلة ولا خلاقة في ظل مفاهيم وتصورات خاطئة أبعدتها كليا عن مبادئها وأصولها ورسالتها كأم وزوجة وابنة؛ أمية جعلتها لا تشعر بما يحاك حولها من مؤامرات وخطط هدامة.
إن معاول الهدم الماسونية والصليبية والشيوعية والصهيونية خططت لهدم الإسلام، فلم تجد منفذا أسهل من المرأة لتتسرب عبره إلى عمق الحياة الإسلامية، لأنها واعية بدورها الخطير سلبا وإيجابا على المجتمع، فوجدت في المرأة أرضا خصبة تعمل فيها لتحقيق مخططاتها الخطيرة، ذلك أن المرأة المسلمة عانت الكثير من مظاهر الحيف والظلم الاجتماعي فحرمت من التعليم والعلم، ومن الخروج من البيت، ومن المشاركة الاجتماعية الفعالة، وحرمت في بعض المناطق من الإرث، فأصبحت تحكمها الأعراف والتقاليد الظالمة البعيدة عن التصور الإسلامي الذي أنصف المرأة. فسادت بعض المفاهيم الخاطئة عن المرأة ظن أًصحابها أنها من الإسلام وما هي من الإسلام في شيء، فتعطلت وظيفة المرأة، ولم تعد تقوم بدور البناء بعد أن حرمت من إنسانيتها، ووقع تراجع في الوعي نتيجة هذا الغلو والتقصير، والمرأة في وضعيتها هذه قد لا تُلاَمُ إذا اتبعت كل ناعق يعدها بالتحرر من قيودها وأغلالها الثقيلة، لأن هذه الأفكار والدعاوى المتزمتة هي التي دفعت بالمرأة دفعا إلى الارتماء في أحضان الغرب المنحل، والانسلاخ نهائيا من قيمها ومبادئها الإسلامية، التي أدت بالتالي إلى تخلفها وانعدام فاعليتها.
فإذا أردنا أن نخاطب دعاة الغلو والتقصير، الذين ضيقوا على المرأة، وأفقدوها إنسانيتها ووضعوها على هامش الحياة الاجتماعية حتى أدوابها إلى الثورة والانفجار، نقول لهم إن الله سبحانه وتعالى أثبت إنسانية المرأة وكرامتها في كتابه الكريم حين قال : {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء}(النساء : 1) ويقول كذلك : {ولقد كرمنا بني آدم}(الإسراء : 70). ونقول لكل من أراد لها أن تتقوقع على نفسها، وأن تقبع في بيتها دون أن تكون فاعلة أو خلاقة، إن الله سبحانه جعلها مسؤولة ومكلفة مثلها مثل الرجل في الحقوق والواجبات والأوامر والنواهي، وحتى في الأجر والجزاء، يقول الحق جل شأنه : {والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم}(التوبة : 71) وجعل كما قلت جزاء الرجل والمرأة واحداً في ميزانه تعالى حيث قال : {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض}(آل عمران : 195). فكل هذه النصوص تدل على أن المرأة يجب أن تكون فاعلة في المجتمع وبالتالي مساهمة في البناء الحضاري ككل، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إذا حكمنا عليها بملازمة بيتها وبالعزلة التامة عن هذا المجتمع. وعليه فعلى هؤلاء الاحتكام للقواعد الشرعية التي نص عليها القرآن والسنة الشريفة، وعدم تعطيل مهمة استخلاف المرأة في الأرض لأن الله سبحانه حينما أناط مهمة الا ستخلاف بالإنسان لم يعزل المرأة من المسؤولية بل جعلها مسؤولية تضامنية مشتركة بين الرجل والمرأة. وقد أثبتت المرأة منذ أول يوم بزغ فيه نور الإسلام أنها حاضرة ورائدة في البناء والعطاء المتميز، فآمنت وآزرت وبايعت وهاجرت وجاهدت واستشهدت. ولم يحْكِ عنها التاريخ أنها لم تكن مشاركة في يوم من الأيام في بناء لبنات المجتمع المسلم، ولنا في أمهات المومنين رضي الله عنهن، وفي الصحابيات الجليلات أسوة حسنة، ثم أقول للذين نادوا بعدم تعلم المرأة وحكموا عليها بالجهل المدقع إن المرأة شاركت في رواية السنة عن رسول الله صلى عليه وسلم وشاركت في تعليم الناس أصول الدين والشريعة لأنها تعلمت ذلك من رسول الله صلى عليه وسلم فكانت المرأة تقوم بدورها الرسالي الفعال منذ عهد الرسول الأعظم، ولازلنا نحبها أن تكون كذلك، لا يمكن أن تكون كذلك إذا حكمنا عليها بالعزلة وحرمناها من التعليم لأن مساهمتها في تنمية المجتمع لا يمكن أن تتحقق بدون علم، وثقافة ووعي.
أما إذا أردنا أن نخاطب دعاة التغريب الذين يريدون للمرأة أن تنسلخ من هويتها الإسلامية وأن تتحلل من كل مبدإ ومن كل التزام، وأن تعيش كيف تشاء لتنسجم مع الحياة المعاصرة، نقول لهم إن أول من كرم المرأة وأنصفها هو الإسلام، وإن أول من ساوى بين المرأة والرجل هو الإسلام وجعل التمييز بينهما على أساس واحد هو التقوى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(الحجرات : 13) فلم يكن التفريق على أساس الأفضلية كما يدعي هؤلاء لأن الذي خلق الرجل والمرأة هو الأعلم بفطرة كل واحد منهما، وبذلك راعى خصوصية وطبيعة كل منهما، هذه الخصوصية التي ضُرِب بها عرض الحائط الآن، ولم تعد المرأة تراعي وظيفتها التربوية لأنها تناست أن جزءا كبيراً من العملية التربوية يقع على عاتقها، وأصبحت تتصور أن اهتمامها بأسرتها وببيتها ما هو إلا استعباد واستغلال، وتناست بالتالي قوله صلى عليه وسلم : >كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته<.
إن المرأة الآن في ظل هذا التعتيم لم تعد واعية بفطرتها، فلم تعد بالتالي قادرة على إعطاء القدوة الحسنة لأبنائها على جميع المستويات لأنها لم تعد هي نفسها تملك تلك المناعة الدينية التي يمكن أن تصد بها التيارات الهدامة، والتي نستقبلها يوميا عبر وسائل الإعلام المختلفة. تلك المناعة التي فقدتها بتخليها عن دينها وعن مبادئها التي وقع التشكيك فيها من طرف العابثين الذي حاولوا إقناع المرأة بأن الدِّين لم ينصفها، بل تعدَّوْا ذلك إلى اتهام النصوص الشرعية بظلم المرأة وبالاعتداء على إنسانيتها وازدرائها، لأنهم أوّلُوها كما راق لهم لخدمة مصالحهم وأهدافهم والواقع أن هذه الكرامة قد أهْدِرَت لأن الأحكام الشرعية قد أهْمِلَت تماما، ولأن المرأة استُغِلّت استغلالا بشعا لما توجر بأنوثتها وعُرِضَت كسلعة رخيصة لمن هب ودب.
إننا نقول لدعاة التغريب الذين يريدون زرع بذور الفتنة في عقلية المرأة بتحسيسها أنها مهضومة الحقوق، وبالتالي تشجيعها على التخلي عن دينها، والذين يريدون اختلاق صراعات وهمية تُسْتنفَدُ من أجلها طاقات هائلة كان من المفروض أن تُسْتغلّ في البناء لا الهدم، والذين يريدون إصلاح وضعية المرأة سيرا على الأسلوب الغربي، واتباع منهج الإباحية والتحرر وتفكيك الأسرة التي تحمل في الإسلام أسمى معاني السكينة والمودة والرحمة والتضامن و المسؤولية، نقول لهؤلاء انظروا إلى ما آل الغرب إليه من تفسخ وإجرام وانحراف وعزوف عن الزواج وشذوذ جنسي وجرائم التحرش بالنساء حتى أصبحت معظم الولادات عندهم تتم خارج نطاق مؤسسة الزواج. فهل هذا هو النموذج الأمثل لبناتكم وأخواتكم وأمهاتكم؟ هل إلى هذه المحطة المأساوية تريدون أن تصلوا بهن؟ فاتقوا الله في أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم، واحتكموا إلى كتاب الله وسنة رسوله، وتذكروا دائما قوله تعالى : {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا}.
< ذة. أسية الحياني طيب <