فاجتعتنا في إخواننا بمكناس، لقد ودعنا زمرة من الرعيل الأول لأبناء الصحوة المباركة ببلاد المغرب الأقصى العزيز، وودعنا معهم ذكريات لا تبلى، ذكريات الجلسة الإيمانية المليئة بدفء قوة الأخوة في الله، وبركات فيض الصدق في الدعوة إلى الله، والعامرة بنقاء إخلاص العهد على التآزر على نصرة دين الله، والمتميزة بإشراقة أشعة الذكر والفكر، واللذيذة بذوق الإيمان، في رياض الجنان، في بيت أخينا المهدي، أو المساوي، أو الأخ عبد الجبار، رحمهم الله وأسكنهم فسيح الجنان.
ياللمتعة بأواصر الحب في الله الذي بلغ من القوة بحيث جعلنا نعيش شعور النفس الواحدة، التي يتَوحّد فيها الإحساس بالآلام والآمال. إنها نفوس صنعتها دروس الإيمان المتدفق عبر أسلوب الإلقاء فتنطلق أنواره الساطعة بقوة الإخلاص إلى القلب، وتستقر في أغوار الروح، في رحاب لقاءات متواضعة كُنا نتطلع إلى أنس الصحبة فيها ونحن نعيش فيها مع حوار القلب الصافي الشفاف، وهو يوحي إلى قلوب إخوانه ويخاطبهم بلغة الحب والشوق والإقبال إنهم فتية كانوا لا يدركون أنهم يشكلون جيل البعث والتأسيس لصحوة إسلامية مباركة نفع الله بها البلاد والعباد، ويُعَبِّدون طريق العودة إلى حياة إسلامية، تسودها مضامين لا إله إلا الله، إنها الفترات الأولى في بداية الصحوة الراشدة ببلادنا، فترة لايدرك حقيقتها، ولايتذوق عسيلتها إلا الذين خاضوا غمارها، وعاشوا جهادها، وسلكوا طريقها المفروش بالعقبات والصعاب، إنها فترات يزداد حنين المنتمين إليها كلما فقد واحداً من إخوانهم الذين عايشوهم فيها.
قال تعالى : {والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم}(الحشر : 9).
قال صلى عليه وسلم : >ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار<(متفق عليه).
< عبد الحميد صدوق