ما من شك أن الإعلام اليوم يسهم بشكل عام في تسيير العالم، بل إن الإعلام صار أداة قهر ووسيلة لتضليل العقول. وليس معنى ذلك أن الإعلام غايته الشر، بل على العكس من ذلك، غير أن واقع الإعلام في عالمنا المعاصر هو الذي أفضى إلى مثل ذلك الحكم. فمع ازدياد التطور الهائل في الوسائل المعلوماتية الدقيقة، بات واضحا اليوم الانعكاس الإيجابي والسلبي لوسائل الاتصال على حياة الناس، وآثار ذلك على الوعي، حتى أنه يمكن القول : إن الإنسان أصبح ابن إعلامه، لما يشكله هذا الأخير من بيئة يصنعها المتحكمون في آلياته ووسائله.
كل هذا يجعل من وجود وقيام إعلام يعنى بتجذير هوية وأصالة الأمة الإسلامية ويعبر عن اهتمامات وهموم أبنائها، أمرا في غاية الأهمية، بل أضحى حاجة وضرورة ملحتين. خصوصا وأن الإسلام والمسلمين أصبحا مستهدفين من كل الديانات والمذاهب الوضعية، بل أصبح يطلق عليهم وصف “الخطر الأخضر”، الذي ينبغي التصدي له ومواجهته.
لذلك ينبغي التساؤل أولا عمّا إذا كان الموجود الآن من ممارسات إعلامية للمسلمين هو الإعلام الإسلامي المطلوب؟ وهل يحتل الموقع الصحيح؟ بمعنى آخر : هل الإعلام الذي تنتجه الدول والهيئات الإسلامية إعلام إسلامي؟ فيكون التعريف جغرافيا، أم هو الإعلام المتخصص الذي يسمى عادة الإعلام الديني؟
من المفترض أن يكون الإعلام الصادر عن الدول الإسلامية إعلاما إسلاميا في جوهره، ولكننا نعلم أن هذا الإعلام ما يزال تبعيا في توجهاته.
أما الإعلام الذي يصح أن يسمى إعلاما إسلاميا فهو الإعلام الذي يتخذ الإسلام منطلقا وهدفا، ويحكم الإسلام في الوسائل والتوجهات. وعلى هذا لا يكون الإعلام المسمى “إعلاما دينيا” غير جزء من الإعلام الإسلامي الشامل.
خصائص الإعلام الإسلامي
الخصيصة الجامعة الشاملة للإسلام -في نظرنا- وللعمل الإسلامي، ومنه العمل الإعلامي، هي خصيصة الربانية، ولكن يمكن تقسيمها -تقسيما منهجيا- إلى أربع خصائص هي :
أ- الصدق : الصدق في كل شيء، صدق النية والوجهة (الإخلاص)، الصدق في العمل (الإتقان)، الصدق في صياغة الرسالة الإعلامية (خبرا كان أو معلومة أو فكرة..) وفي نقلها.. قال تعالى على لسان الهدهد في قصة سليمان عليه السلام : {وجئتك من سبإ بنبإ يقين}(النمل: 22)، فالنبأ لابد أن يكون صادقا، صدق اليقين، لا صدق التردد ولا الغفلة. ومن شروط المبلغ أن يكون خبيرا ومتقنا لمهنة الإعلام، قال تعالى : {ولا ينبئك مثل خبير}(فاطر : 14)، كذلك، ينبغي التحري والتبيّن قبل التسليم بالخبر، قال تعالى : {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين} (النمل : 27)، وقال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا}(الحجرات : 6).
ب- الشمولية : الإسلام دين تشمل عنايته وتوجيهاته كل مناحي الحياة وكل عناصر الإنسان : الروح والجسد. قال تعالى : {ما فرطنا في الكتاب من شيء<}(الأنعام :38)، لذلك ينبغي على الإعلام الإسلامي أن تعنى رسالته بكل ما يهم وما يمس الناس. وهذا الأمر لا يعني أن على كل المنابر الإعلامية أن تطرق كل المجالات وتستهدف كل الفئات وكل الملل، بل إن التخصص في الإطار التكاملي لا التبعيضي مطلوب وواجب أيضا. فهناك حاجة إلى أن يخاطب الإعلام الإسلامي المسلمين وغير المسلمين، أن يستعمل اللغة العربية ومختلف لغات العالم، أن يخاطب النخبة وكذلك العامّة، أن يستهدف كل الفئات العمرية من الجنسين معا. وهناك حاجة إلى منابر متخصصة وإلى برامج وفقرات وأركان متخصصة في المنبر العام، فالمطلوب إعلام علمي، وإعلام سياسي، وإعلام اقتصادي، وإعلام تعليمي، وإعلام ترفيهي…
جـ- العالمية : الإسلام جاء للناس جميعا، قال تعالى : {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} (الأنبياء : 107)، وقال عز وجل أيضا : {تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}(الفرقان : 1)، لذلك فعلى الإعلام الإسلامي أن يشمل الناس جميعا، المسلمين وغير المسلمين، مع تمييز كل فئة بنوع خاص من الخطاب لأن الاحتياجات تختلف.
د- الحكمة : وهي خاصية تدخل فيها الواقعية والوسطية والثبات والمرونة، إلى غيرها من الخصائص التي اعتاد المفكرون أن يلحقوها بخصائص الإسلام، ومن تم بخصائص العمل الإسلامي، ومنه الإعلام الإسلامي. ولكن -في نظرنا- أن المصطلح الأقرب للصواب هو مصطلح الحكمة الذي ورد في القرآن عند ذكر كيفية الدعوة وكيفية التعليم. قال تعالى : {يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم}(البقرة : 129)، وقال أيضا : {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة}(النحل :125)، والحكمة كما هو معلوم تعني إصابة الحق ووضع الشيء في مكانه الصحيح.
إذن المطلوب في الإعلام الإسلامي تبليغ رسالته بالحكمة، والتعامل مع الخبر والمعلومات بحكمة، خصوصا في عملية التحليل والتعليق.
> التحرير