… ما كنت أتصور أن يصل الاسفاف والاستخفاف بقناة 2M إلى درجة أن تدرج في أخبار الظهيرة وفي ذروة المشاهدة ليوم الاثنين الماضي، خبراً “مهما” مفاده أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلنتون يتلقى التعازي من رؤساء الدول الصديقة والشقيقة على إثر وفاة كلبه في حادث مؤلم، ويضيف الخبر -الذي نقل بالصوت والصورة وأعطي له حَيِّزمُهم- بأن التحريات تجري من أجل معرفة ملابسات الحادث الأليم. ما أغاظني وأغاظ غيري في الخبر ليس هو كلنتون وكلبه المذلل. وإنما الذي يغيظ فعلا أن يأتي الخبر بهذا الشكل في وقت يسّاقط فيه الأبرياء بالالاف في أفغانستان وفي فلسطين والشيشان، ولا تتحدث عنهم القناة المذكورة بنفس الحرص واللوعة. فخبر هلاك كلب كلنتون ربما يكون عند أهل 2M أهم من كل مآسي الأمة وهي في أحلك ظروفها بين عدو يتجهمها وصديق يسخر منها وابن عاق يتشفى فيها وينتشي بمآسيها.
فهذا زمن الكلاب فلا نامت أعين المنافقين والذئاب..
وقناة 2M ما فتئت تقدم كل ما يغيض هذه الأمة من برامج تافهة ومناقشات ملغومة يُسْتَدْعى لها كل نكرة وناعق يسبح بحمد الفكر الغربي العلماني آناء الليل وأطراف النهار..
إن على مسيري هذه القناة أن يتذكروا -وهم في حاجة إلى التذكير- بأن “لحم أكتافهم” من عرق جبين هذا الشعب المسلم الغيور على دينه وعلى قيمه وأخلاقه، عليهم أن يتذكروا جيداً أن الشعب المغربي هو الذي أنقذ قناتهم من الإفلاس منذ سنوات عن طريق ما سمي يومها بدعم المجال السمعي البصري والذي فرض على شكل ضريبة شهرية تؤديها كل أسرة مع فاتورة الكهرباء، بما في ذلك بيوت الله، وحتى البيوت التي لم يصلها بث هذه القناة إلا مؤخراً.
كان على هذه القناة، من باب رد الجميل وشكر المغاربة على أياديهم البيضاء ونعمهم عليها بعد الله، أن تبادر إلى الاستجابة لطموحاته وذلك بالحفاظ على هويته وخصوصياته الثقافية والحضارية وقيمه الدينية الرّفيعة من خلال أعمال جادة وبرامج بناءة هادة تخدم هذه الأهداف بدل الإمعان في تبليد الأذواق واستفزاز المشاعر والضحك على الذقون من خلال ما تقدم من برامج تافهة ومسلسلات ساقطة وأفلام رقيعة، يُغبط فعلا من يقوم باستبضاعها من أسواق خُرداوات الانتاج الساقط (كالمسلسلات البرازيلية والمكسيكية)، إضافة إلى مسلسل طوله سبع سنوات عجاف من الفسوق والإباحية وغيرها الكثير من التفاهات أربأ من ذكرها على صفحات هذه الجريدة.
وفي شهر رمضان الماضي، لم تُشعرنا القناة بأننا في بلد اسلامي…مسلسلات تافهة صُرف عليها الملايين كمسلسل “لالاّ فاطمة” (أكثر من 70 مليون سنتيم) وغيرها من الأعمال التافهة..
كل هذا ضداً على أذواق الناس الذين استنكروا مثل هذه الأعمال على صفحات كل الجرائد تقريباً ولكن “لا تحين” نصيحة ولا حياة لمنتنادي!! بالإضافة إلى الأفلام والمسلسلات التافهة، هناك برامج “ثقافية” على المقاس يُستدعى لها كل من دبّ وهبّ من نكرات الأدب والفكر أو كل ناعق ومغرد خارج سرب هذه الأمة من أدعياء الفكر العلماني الاستئصالي المتهافت، ولذر الرّماد في العيون يُؤتى ببعض أدعياء الفكر الإسلامي وأصحاب التنظير والترف الفكري حتى لا يحتج عليهم مُحتج لاعتماد أسلوب الاقصاء وتغييب الصوت الإسلامي! وعودا على بدأ ، فلا ينبغي ولا يحق لنا أن نعجب إذا رأينا اعلاماً بهذا المستوى، يأتينا من الأخبار التافهة مالم نُزوّدِ (كما قال طرفة) وهو يحسب أنه قد حقق بذلك قصب السبق.. فخبَر وفاة كلب كلنتون في نظر قناة 2M أهم من خبر آلاف القتلى من المسلمين في كل مكان.
وأهم من خبر البؤس والضياع والتيئيس الذي بات ينخر جسد هذا الشعب المسلم الغيور، ليفضي بخيرة شبابه إلى قوارب الموت وبطون الحيتان ومن بقي منهم فدونه البطالة والتيه والضياع في مستنقعات الفحشاء والرذيلة حتى أن ظاهرة تفشي تعاطي المخدرات والدعارة الاحترافية قد وصلت حتى إلى المؤسسات التعليمية بدءاً من الاعداديات وما خفي أعظم، كل هذا وغيره مما جناه علينا الإعلام التافه والساقط.. وما جنينا على أحد وكل عام وأنتم في نفس العام.
فلا نامت أعين الكلاب والأغنام.
ذ. عبد القادر لوكيلي