كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدولة الفلسطينية، وحق الفلسطينيين في دولة قادرة على الحياة، وذلك منذ أدلى الرئيس الأمريكي جورج بوش “الابن” بتصريح أمام الصحافيين في تشرين أول 2001م قال فيه: إن الدولة الفلسطينية تقع ضمن الرؤية الأمريكية للسلام في الشرق الأوسط. و كرر الرئيس الأمريكي حديثه عن حق الفلسطينيين في دولة في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في مطلع شهر تشرين ثاني 2001م.
وفي حديث لاحق تحدث الرئيس الأمريكي عن وقف الاستيطان “الإسرائيلي” في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعن ضرورة انتهاء الاحتلال “الإسرائيلي” كسبب للتوتر في المنطقة، كما أشار إلى ضرورة وقف (العنف) الفلسطيني ضد “إسرائيل” حتى يتسنى للأطراف المعنية العودة إلى المفاوضات.
وكلل وزير الخارجية الأمريكي “باول” الدعوات الأمريكية بخطاب له بتاريخ 19/11 تحدث فيه عن إقامة دولة فلسطينية بجوار دولة “إسرائيل” مطالباً الدول العربية بأن تعترف جماعياً بالكيان الصهيوني كجزء من المنطقة ومن حقه العيش ضمن حدود آمنة بجوار دولة فلسطينية قادرة على الحياة.
وسارع الأوروبيون لتأييد قيام دولة فلسطينية، حيث أشار رئيس الوزراء البريطاني ‘توني بلير’ إلى حق الفلسطينيين في دولة، كما عبر وفد الاتحاد الأوروبي بقيادة رئيس وزراء بلجيكا- الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوروبي- أثناء زيارته للكيان الصهيوني ولمناطق السلطة الفلسطينية عن أمله في وقف ‘العنف’ بين الأطراف تمهيداً لاعادة إحياء عملية السلام.
خلفيات ودوافع الإعلان الأمريكي
الموقف الأمريكي من تأييد إقامة دولة فلسطينية ليس موقفا جديدا ولعل مفاوضات كامب ديفيد برعاية الرئيس الأمريكي ‘كلينتون’ كانت أكثر تحديداً من مجرد تصريحات للرئيس جورج بوش ‘الابن’ لم يتبعها خطوات عملية مما يشير إلى تراجع الدور الأمريكي في البحث عن حل للصراع العربي – الصهيوني وليس تقدماً لحد الآن .
- لا يمكن فصل هذه التصريحات والتحركات عن الجو السياسي الدولي السائد ، فهي تأتي في ظل الحملة الأمريكية ضد ما يسمى بـ “الإرهاب” وفي وقت يوجه العالم الثالث اتهاماً للولايات المتحدة الأمريكية بأنها تمارس ازدواجية المعايير والمواقف خاصة تجاه الإرهاب الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، فلذلك يرجح بأن هذه المواقف تأتي حرصاً من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا على إبقاء سمة التأييد الدولي وخاصة العالم العربي والإسلامي للحملة الأمريكية ضد أفغانستان وما يسمى بـ “الإرهاب” ، ومن ناحية أخرى نفي ما تُتهم به الولايات المتحدة الأمريكية من ازدواجية وعدم اكتراث بقضية الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لإرهاب الدولة المنظم بأسلحة وتأييد ودعم أمريكي.
- وتستهدف هذه التصريحات التغرير بالسلطة الفلسطينية وبعض الأطراف العربية أملاً في وقف الانتفاضة الفلسطينية التي ألّبت الكثير من الشعوب على الكيان الصهيوني والسياسات الغربية المنحازة لهذا الكيان، وبالتالي فإن تلك المواقف محاولة لإجهاض الانتفاضة خدمة للمصالح المشتركة للغرب والكيان الصهيوني ، وإنقاذاً للكيان الصهيوني ، ومحاولة لتحميل السلطة الفلسطينية مسئولية العنف ومطالبتها بوقفه ، أي تبني وجهة النظر الصهيونية
مواقف الأطراف من الدولة الفلسطينية
- الطرف الفلسطيني :
1- السلطة الفلسطينية
رحبت السلطة الفلسطينية بهذه التصريحات معتبرة إياها نقلة وخطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح وباتجاه تطبيق توصيات ‘ميتشيل’ وعودة المفاوضات.
من ناحية أخرى حرصت السلطة الفلسطينية على التهدئة من خلال الضغط على المقاومة لمنعها من مواجهة الاحتلال وغطرسته بالتهديد تارة بمعاقبة كل من يخالف تعليمات السلطة، وتارةأخرى عبر الإقدام على اعتقال بعض المقاومين مثل اعتقال المسئول العسكري في حركة الجهاد ‘محمود طوالبة’ في منطقة جنين فضلاً عن شن حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجبهة الشعبية في أعقاب اغتيال الوزير الصهيوني “زئيفي”، الأمر الذي يشير إلى حرص السلطة على وقف المقاومة وتهدئة الانتفاضة أملاً من الاستفادة من التصريحات الأمريكية والأوروبية حول الدولة الفلسطينية، إضافة إلى أن جزءً آخر من السلطة يرغب في وقف الانتفاضة كلياً معتبراً إياها حالة مضادة لمشروع التسوية الذي ينادون به كحل وحيد للصراع العربي – الصهيوني، وأن استمرار الانتفاضة سيؤدي إلى كشف فشل مشروعهم وبالتالي خسارتهم لمكاسبهم وتهديداً حقيقياً لمصالحهم ووجودهم المهدد من الطرف الصهيوني في حال فقدانهم لدورهم الوظيفي .
2- القوى الفلسطينية :
اعتبرت معظم القوى الفلسطينية التصريحات الأمريكية والأوروبية بشأن الدولة الفلسطينية ذراً للرماد في العيون من أجل الحفاظ على التأييد العربي والإسلامي لما يسمى بالتحالف ضد “الإرهاب”، ومن ناحية ثانية لأجل الالتفاف على الانتفاضة وإجهاضها خدمة وإنقاذاً لشريكها الاستراتيجي الكيان الصهيوني الذي باتت الانتفاضة والمقاومة تشكل تهديداً حقيقياً ووجودياً له.
- موقف الكيان الصهيوني :
الموقف الصهيوني يتجسد في عدم رفض قيام دولة فلسطينية انطلاقاً من رؤيتهم بأن هذه الدولة أصبحت حاجة طالما أنها ستنهي الصراع العربي – الصهيوني ، ولن تشكل في نفس الوقت خطراً حقيقياً على الكيان الصهيوني لا سيما وأن الطرف الفلسطيني أبدى موافقته على تقديم تنازلات جوهرية وأساسية للطرف الصهيوني حول المستوطنات واللاجئين والقدس والأمن ..ولذلك أعلن ( شارون ) ووزير خارجيته ( بيريز) تأييده لإقامة دولة فلسطينية انسجاماً مع التصريحات الأمريكية والأوروبية في هذا الصدد، هادفاً في ذات الوقتإلى تلميع صورة كيانه الإرهابي أمام الإعلام الغربي وتغطية جرائم حكومته وكيانه بحق الشعب الفلسطيني، إضافة لكسب التأييد الغربي في (حق) الكيان الصهيوني لاستهداف الشعب الفلسطيني بحجة مقاومة الإرهاب.
- الموقف العربي :
رحبت العديد من الأطراف العربية بالتصريحات الأمريكية والأوروبية حول إقامة دولة فلسطينية آملة في أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية خطوات أخرى أكثر جدية للضغط على الكيان الصهيوني لوقف اعتداءاته بحق الشعب الفلسطيني وصولاً لإيجاد حل عادل ولإنهاء الصراع العربي – الصهيوني، غير أن تصريحات سابقة لأمين عام جامعة الدول العربية’عمرو موسى’ أثناء انعقاد لجنة المتابعة العربية في دمشق أعرب فيها عن خشيته من أن تكون تلك التصريحات عبارة عن ‘نصب سياسي’ أكدت رغبة الموقف العربي في رؤية الفعل الأمريكي على الأرض والتخوف من عدم قدرة الإدارة الأمريكية على فرض تصور خاص بها لحل الصراع..
فرص نجاح التحرك الأمريكي
من الواضح أن التصريحات الأمريكية والتحركات الأوروبية لحد الآن لم تخرج إلى الإطار العملي، ووتيرتها تارة ترتفع، وتهدأ تارة أخرى مما يدل على أنها رهينة حسابات لم تتضح بعد،، ومن الراجح أن يطرح “شارون” أجندته وشروطه التي ستصبغ أي مشروع أمريكي ستقدمه الإدارة الأمريكية لمعالجة القضية الفلسطينية – هذا إن قررت الولايات المتحدة الأمريكية التدخل وطرح مشروع تسوية – .
ولكن في ظل ازدياد الوضع تعقيداً، وفي ظل حكومة “شارون” الذي يؤمن بالحل العسكري لإخضاع وإذلال الشعب الفلسطيني، وفي ظل جنوح المجتمع الصهيوني إلى أشد أشكال التطرف وفي ظل التراكمات الأليمة التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني من إرهاب واعتداءات، هل يمكن عودة الأوضاع إلى الوراء إلى ما قبل الانتفاضة أو أن تشهد المنطقة هدوءاً يهيئ لعودة المفاوضات؟
مما لاشك فيه أن الأمر في غاية ا لصعوبة ، فالشعب الفلسطيني ما زال يصر على المقاومة ودحر الاحتلال تحقيقاً لاستقلاله الوطني إضافة إلى أن الطرف الصهيوني بقيادة “شارون” يؤمن بالخيار العسكري لإخضاع الإرادة الفلسطينية ، ولا يؤمن بالحل السياسي مما سيرفع وتيرة المواجهة التي ستعيق أي مشروع سياسي للتسوية.
وإذا أمكن تهدئة الأجواء ، فما ملامح الدولة الفلسطينية المقترحة؟
إن “شارون” ما زال يصر على أن القدس ستبقى موحدة تحت السيادة الصهيونية، وما زال يرفض إزالة المستوطنات التي تضاعفت أعدادها، بالإضافة إلى رفض حق الفلسطينيين في العودة.
من جانب آخر فإن العقيدة الأمنية والعسكرية التي تؤمن بها حكومة “شارون” ستصبغ أي حل سياسي مرتقب بصبغة أمنية، التي ستشكل هدراً وإجحافاً بعنصر السيادة للدولة الفلسطينية المقترحة أكبر مما كان في عهد حكومة الإرهابي “باراك” الأمر الذي سيضيف عنصراً آخر من عناصر الإعاقة لتمرير المشروع السياسي وسيزيد في دفع المفاوضات للدوران في حلقة مفرغة أكثر اتساعاً وتعقيداً مقارنة بما قبل انتفاضة الأقصى.
يبقى أن الطرف الأمريكي في ظل حملته على ما سماه بـ “الإرهاب” وفي ظل التقدم الذي أحرزه في أفغانستان معني بالعمل على وقف الانتفاضة تسهيلاً لأي مهمة جديدة يقصدها في المنطقة العربية تحت ذريعة محارة “الإرهاب” .
ومن المؤكد أن أي حل أو أي مشروع سيطرح إنما سيهدف في حقيقته وجوهره للنيل من رأس الانتفاضة والمقاومة للتخلص من عقبة كأداء ليخلو الأمر لأمريكا وللكيان الصهيوني لتصفية حساباتها مع من يوصفون بالإرهاب ويدعمون الإرهاب – حسب المعايير الأمريكية- .
موقع : المركز الفلسطيني للإعلام
www.palestine-org