طريق الدعوة طريق النو ر والخير، والرشد والفلاح، إنه طريق يوصل الناس إلى الله وإلى رضوانه وجناته، إنه سبيل ينتهي إلى الفوز والنجاة، والدعاة إلى الله هم فأل الخير وسبب الخلاص داخل المجتمعات.
عن جعفر بن سليمان، قال مررت أنا ومالك ابن دينار بالبصرة، فبينما نحن ندور فيها مررنا بقصر يعمّر، وإذا شاب جالس يأمر ببناء القصر. فقال لي مالك بن دينار : أما ترى إلى هذا الشاب وحرصه على هذا البناء؟ ما أحوجني إلى أن أسأل ربي أن يخلصه، فلعله يجعله من شباب الجنة! يا جعفر أدخل بنا إليه. قال جعفر : فدخلنا، فلما عرفنا الشاب قال لمالك : حاجة؟ قال مالك : كم نويت تنفق على هذا القصر؟ قال : مائة ألف درهم. قال : ألا تعطيني هذا المال فأضعه في حقه، وأضمن لك على الله تعالى قصراً خيراً من هذا القصر، بولدانه وخدمه، قبابه وخيمه من ياقوتةحمراء، مرصع بالجواهر، ترابه الزعفران، وملاطه المسك، أفيحُ -أي أوسع- من قصرك هذا، لا يخرب، ولم يبنه بناء، قال له الجليل : كن فكان؟ قال الشاب : أجلني الليلة وبكّر علي غدوة.
قال جعفر : فلما أصبحنا غدونا، فإذا بالشاب جالس، فلما عاين مالكاً هش إليه فقال : أحضر الدواة والقرطاس لنكتب العقد، ثم كتب : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما ضمن مالك بن دينار لفلان بن فلان : إني ضمنت لك على الله قصراً بدل قصرك بصفته كما وصفت والزيادة على الله؛ واشتريت لك بهذا المال قصراً في الجنة أفيح من قصرك في ظل ظليل بقرب العزيز الجليل. ثم طوى الكتاب ودفعه إلى الشاب وحملنا المال. فما أمسى مالك وقد بقي عنده مقدار قوت ليلة. فما أتى على الشاب أربعون ليلة، حتى صلى مالك ذات يوم الغداة -الصبح- فلما انفتل، فإذا بالكتاب في المحراب موضوع، فأخذه مالك فنشره، فإذا في ظهره مكتوب بلا مداد : هذِه براءة من الله العزيز الحكيم لمالك بن دينار : إنا قد وفينا الشاب القصر الذي ضمنت له وزيادة سبعين ضعفاً. فقال مالك لأصحابه، قوموا بنا لنبشر الشاب، فلما وصلوا إلى الدار سمعوا بكاءً فقالوا : ما فعل الشاب؟ قالوا : مات بالأمس. فقام شاب آخر فقال : يا مالك خذ مني مائتي ألف درهم واضمن لي مثل هذا، فقال : هيهات! كان ما كان، وفات ما فات؛ والله يحكم ما يريد!
أخي الكريم إن الدعوة الصادقة، تصادف نفوساً مُخلصة فتثمر الربح الكبير عند الجليل.
< عبد الحميد صدوق
————-
المرجع : كتاب التوابين لابن قدامة المقدسي ص 245.