التلفزيون خطف الكثيرين والكثيرات، قضى على عادات واهتمامات رئيسية أهمها القراءة؛ فهل يتغير ذلك في شهر رمضان، أم أن تركيز المحطات التلفزيونية على البرامج الترفيهية لم يترك فرصة لغير الجلوس أمامه ومشاهدته؟
أَنشطُ في المسجد
تقول وهيبة حفني (مديرة دار الإفتاء بالقاهرة سابقا): إنها -احتراما لهذا الشهر الكريم- تلغي مشاهدة التلفزيون تماما إلا الأخبار والبرامج الدينية؛ ليكون هذا الشهر الكريم شهر عبادة؛ فلا تضيع لحظة منه في غير ما يرضي الله -عز وجل-؛ فتجمع أسرتها على قراءة القرآن الكريم حيث يحرصون على ختمه مرتين أو ثلاثًا خلال شهر رمضان، كما تحرص على تعليمهم شرائع الإسلام عن طريق حلقة علم كل يوم بعد الإفطار؛ حيث يقرؤون قصص الأنبياء لربطهم بالتراث عن طريق قراءة القصص وإجراء المسابقات الدينية بديلا للفوازير التلفزيونية، وتشجيعا لهم على القراءة للبحث عن الإجابات، كما تشجعهم على قراءة الأدعية وحفظ دعاء كل يوم؛ بحيث يحفظون خلال الشهر كله ثلاثين دعاء، وفي نهاية الشهر تُعطى جائزة لمن يحفظ أجمل الأدعية.
يتأخر الطعام.. يتقدم العلم
وتقول الداعية “سمية رمضان”: “إن المرأة المسلمة لو فهمت شهر رمضان الكريم، وعاشت معانيه السامية، وتنسمت نفحات الله -عز وجل- التي يمُنُّ علينا بها في هذا الشهر الكريم لأدركت أن شهر رمضان هو شهر الراحة والأنس بالله، وهو الشهر الوحيد الذي تطلب فيه العلم؛ لتقترب من الله -عز وجل-؛ فيجب أن تقرأ ما يزيدها معرفة بالله، وهذا يقوي عقيدتها. وهو شهر يكون العبد فيه أقرب ما يكون من ربه، كما يكون لدينا متسع من الوقت للقراءة؛ حيث لا نعد إلا وجبة واحدة للأسرة، ونتأخر حتى المغرب؛ فلا نبدأ في إعدادها إلا بعد صلاة العصر، فأحب القراءة عن صفات الله -عز وجل- وأسمائه، ووحدانيته، ووصف رحمته التي نستشعرها في هذا الشهر الكريم، كما أحب قراءة الكتب العلمية وعلوم الفلك للدلالة على قدرته -عز وجل-، وأفضل الأوقات للقراءة بعد صلاة التراويح وبعد الفجر حتى الساعة العاشرة صباحا”.
إدارة الوقت في كل وقت
وعن عادة القراءة في شهر رمضان الكريم، تقول الدكتورة “وفاء عبد الجواد” مدرسة علم النفس التربوي بكلية التربية جامعة حلوان: “إن المشكلة ليست في شهر رمضان الكريم، وإنما المشكلة في كل الشهور في إدارة الوقت؛ فالمرأة عليها أعباء كثيرة؛ فإلى جانب العبء البيولوجي (الإنجاب) ومسئولياتها كأُمّ عليها أيضا عبء العمل ومسئولية البيت؛ فهي في دوامة نتيجة الضغوط الاقتصادية، ولكن المرأة الناجحة القادرة على إدارة الوقت تستطيع أن تكفي جميع مسئولياتها، وتمارس عادة القراءة؛ فالقراءة حاجة للإشباع المعرفي، وتجديد وبناء شخصية المرأة بها يتلاءم مع ميولها واتجاهاتها وثقافتها؛ وهو ما يساعدها على أداء دورها، أيضا القراءة وسيلة تخرج بها من إطار الضغوط واسترخاء وجداني؛ فهي علاج لما تمر به في حياتها من ضغوط؛ فنحن ننصح دائما بأن يفكر الإنسان فيما يسعده حتى إذا لم يحقق هذا الشيء ليعيش وهلة من الزمن في سعادة، والقراءة تحقق ذلك، خاصة القراءات الدينية؛ لأنها تحقق الاسترخاء الروحي؛ فتنمي الجانب الوجداني والجانب المعرفي، وتنمي القيم، وأيضا تنمي الجانب السلوكي؛ حيث تتفاعل المرأة مع القراءة؛ فتصبح سلوكياتها وفقا لما تقرأ، أيضا القراءة تنظم طرق التفكير، وتصل بنا إلى أسلوب أمثل لحل المشكلات، والتغلب على الصعوبات”.
وتضيف د.وفاء “أن التدريب على القراءة من مرحلة الطفولة المبكرة (رياض الأطفال) بأسلوب مناسب؛ كأن أعطيه صورة يعلق عليها، ويعبر عما فيها، وأقرأ أو أحكي له؛ ليعرف قيمة الكتاب والقراءة؛ فإذا ما تعلم القراءة والكتابة تصبح القراءة قيمة ثقافية بالنسبة له ومكوِّنًا أساسيًا في بناء شخصيته، أما بالنسبة للشخص الكبير فيمكن تنمية عادة القراءة لديه إذا كان لديه استعداد ودافع من داخله للتعلم”.
العبادة بمعناها الواسع
ويرى الدكتور “محمد جمعة” الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالأزهر: “إننا يجب أن نفهم العبادة بمفهومها الواسع؛ فهي أعم من أن تكون صلاة أو صياما فقط؛ فقراءة القرآن الكريم ومدارسته والتفقه في الدين عبادة؛ فالمرأة التي تتفقه في الدين تكون في عبادة من أعظم العبادات؛ فطلب العلم عبادة، وقد جرت العادة على أن الناس يؤثرون القرآن بعناية كبيرة في رمضان حفظا وتلاوة ومدارسة، وهذا في حد ذاته عبادة؛ فعندما نعايش القرآن ثم نسمعه في قيام الليل نشعر بمعايشته طوال اليوم. وتحتاج المرأة إلى مدارسة أحكام الصيام، وإن كان هذا أفضل قبل الصيام حتى تقدم على رمضان وهي عالمة بأحكام الصيام، ولا تنتظر حتى تقع في خطأ،أيضا تقرأ في سلوكيات الصيام؛ فعليها أن تهيئ نفسها لهذا الشهر الكريم قبل دخوله. أما في الصيام فيجب عليها القراءة العامة؛ فتقرأ في السيرة النبوية؛ لأن النساء أكثر ميلا إلى السيرة والقصص، خاصة أن النساء في رمضان قراءتهن أكثر ما تكون في غيره؛ فكثير من الدول الإسلامية تخفف ساعات العمل للموظفين في رمضان. فعلى المرأة أن توازن بين مسئولياتها في البيت وطلب العلم، ولتجتمع مع الجارات بعد التراويح أو بعد الظهر والعصر أو صباحا حسب ما يتوافق لهن، ويستفتحن بقراءة القرآن، على أن تكون منهن مَن تجيد الأحكام لتُسَمِّع لهن، أو يستمعن إلى قراءة مسجل، ثم يقرأن حديثا واحدا ويحفظنه.. وهكذا في نهاية الشهر الكريم يكنَّ قد حفظن ثلاثين حديثا، وتُجرى لهن مسابقة في آخر الشهر، وليقرأن أيضا في جوانب الفقه المختلفة”.
رمضان.. فرصة تربوية
ويقول الدكتور “محمد المختار محمد المهدي” -وكيل كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالأزهر، والوكيل المحلي للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة-: “إن شهر رمضان عند المسلمين جرت العادة على أنه شهر استهلاك وأكل وشرب وكسل، وليس هذا هو المطلوب في هذا الشهر الكريم، وإنما الهدف أن يتذكر المسلمون فيه الصبر والكرم والجود؛ لأن الروح تتغذى بالعبادة وقراءة القرآن؛ فالمرأة يجب أن تشغل نفسها في هذا الشهر الكريم بقراءة القرآن ومدارسته وقراءة الأحاديث النبوية، وتقف على معانيها حتى تخرج من هذا الشهر المبارك وهي متزودة بطاعة الله -عز وجل-؛ فرمضان شهر التقوى، كما قال الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبِلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
وعلى المرأة أيضا أن تدرب أولادها على الصيام، وتزويدهم بقدر كبير من قراءة القرآن وحفظه وترتيله وتجويده، والاستماع إلى الأحاديث النبوية في وسائل الإعلام، وتدربهم على قراءة الكتب الإسلامية النافعة المفيدة التي تشحذ همتهم، وتصقل مواقفهم، وتجعلهم جنودًا للإسلام، كما أن واجبها أن تشغلهم عن المسلسلات والبرامج التي لا هدف لها إلا ضياع الوقت، وقتل الروح الإسلامية في نفوسهم؛ وبهذا يتعودون على طاعة الله عز وجل.
وفاء سعداوي
إسلام أون لاين-نت