كلما أمعنت النظر في أحوال المرأة المغربية والعربية بوجه عام تيقنت أنها تعيش في ظل أزمة تفكير مزمنة وعدم ا ستعمال للعقل بشكل يدعو للخجل والخيبة، وتتجلى مظاهر هذه الأزمة خاصة في ممارساتها اليومية ا بتداء من تربية أطفالها وانتهاء باتخاذ قرارات ا جتماعية معينة. وفي كل الأحوال نرى أنها في ذلك تتبع ثلاثة مفاهيم :
1- مفهوم نابع من الفهم الشعبي الخرافي للدين، وانطلاقا من ذلك نجد إصرار المرأة على اعتبار الدين الإسلامي مقوما أساسيا في تلك الممارسات والقرارات إذا كانت ثقافتها ترتبط بالعادات والتقاليد، فتؤدي العبادات تأدية آلية مقلدة ما وجدت عليه آباءها، وتعتبر ما عندها من معلومات ناقصة استقتها من هنا أو هناك أو بالوراثة كافية لاعتبار نفسها مسملة معتزة بدينها مع أنها جاهلة بأحكام الإسلام التي نزلت بالأساس من أجل تنظيم الحياة بمنهج رباني وإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة. وجهلها يدفعها إلى الاستكبار والتجبر وممارسة أفعال منافية للشريعة أو تسقطها في الشرك، من ذلك مثلا إصرارها على أن تدق محفة العروس في أبواب المساجد أو الزوايا وهو تصرف له معان وثنية فاسقة دون أن تدرك أن الله عز وجل يقول : {أفمن كان مومنا كمن كان فاسقا لا يستوون، أما الذين آمنوا وعلموا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلا بما كانوا يعملون، وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون}-السجدة : 18، 20-. ومن الإنصاف أن نعلن أن تلك المرأة رغم الجهل والاستكبار فإنها تؤمن بما تعتقده، ولا تظن مطلقا أنها تنجرف إلى تعطيل الفكر، وتجميد أحكام الإسلام مع أنها كذلك.
2- مفهوم يعتبر الدين سلوكا شخصيا بين المرء وربه ولا علاقة له بضبط الحياة وما وصلت إليه من تعقيدات في الوقت الراهن، خاصة إذا ارتبطت ثقافة المرأة بفتات الفكر الغربي، فهي تمارس حياتها بمعزل عن الدين وأحكامه، على اعتبار أن ما لله فهو لله وما لقيصر فهو لقيصر، وعلاقتها بربها شأن شخصي بينها وبينه، فتكرس بذلك الفهم السلبي للدين الذي لا يرى فيه سوى طقوس وعبادات لها أهداف فردية، متناسية بذلك قوله تعالى : {أفتومنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض، فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب}-البقرة : 85-. فتقع في ازدواج الشخصية وفي هوة التنكر للهوية الحضارية، الأمر الذي ينعكس على كل ممارساتها الحياتية ويخل بتوازنها، والمرأة بمثل هذه الممارسات تسعى إلى تعطيل الشريعة في الحياة وتهميش أحكامها، مما يؤدي إلى إعاقة دورها الحضاري الذي يجب أن تمارسه بوصفها امرأة مثقفة. وفي كلا المفهومين (الأول والثاني) يتعطل الفكر ويعيش في تبعية مطلقة إما لما توارثناه من عادات وتقاليد تلصق غالبا بالدين رغم تعارضها معه، وإما لكل ما يأتي من الضفة الأخرى دون تمييز أو فرز.
3- ومفهوم ثالث نابع عن فقه بالذات الحضارية والواقع وإحساس متجذر بالمسؤولية عن الأعمال الدنيوية والجزاء الأخروي، وموجه بوعي بأحكام الإسلام ومبادئه ومقوماته (سواء كان هذا الوعي بسيطا أو معمقا)، ينتج عنه استخدام المرأة للفكر والعقل ولو بشكل نسبي، والأخذ بأحكام الشريعة باعتبارها كُلاًّ واحدا لا يتجزأ، وفي أغلب الأحيان تكون ممارساتها الحياتية متزنة تقوم على أسس صلبة، رغم الإحساس بالغربة (فطوبى للغرباء)، وفي بعض الأحيان قد تسقط في التصلب والتحجر الأمر الذي يدفع ا لمتعاطفين معها إلى النفور والخوف من اقتحام منبع قناعتها.
فأي المفاهيم أدعى إلى التأمل واستنباط أسسه ومقوماته، وأقرب إلى الفطرة السوية والمعرفة الحضارية؟؟؟. أعتقد أن جميعها تحتاج من المرأة إلى وقفة متأنية مدروسة بمنهج موضوعي وإلى استقراء واقعي وشمولي، خاصة والإنسان المسلم اليوم، بصفة عامة، يعيش في خضم هجمات شرسة تستهدف وجوده بالأساس.
ذة. أم سلمى