يؤدي الإعلام دوراً كبيراً في توجيه الرأي العام وتأطيره في قضية من القَضَايا التي تكون مثار اهتمام من جانبه. لأن الإعلام لا يقتصر على نقل الخبر فقط وإنما على توجيهه إما بالحذف أو الإضافة، أو استعمال تعبير مكان آخر أو تحليله والتعليق عليه.
وموضوع أفغانستان فرض نفسه في هذه الأيام على العالم الإسلامي بصورة خاصة، حتى غطّت أحداث هذا البلد على قضية المسلمين الأولى، قضية القدس.
وأفغانستان بلد إسلامي، أهله يدينون بالإسلام، وكان يحكمه حكام مسلمون، وسيحكمه إن شاء الله حكام مسلمون، شأنه في ذلك شأن باقي دول العالم الإسلامي، مما يعني أن حكام طالبان حكام مسلمون حتى وإن أخطأوا كما يخطئ باقي بني البشر حكّاماً ومحكومين، ولا حقّ لأحَدٍ أن يخرجهم عن دائرة الإسلام، أو أن يجعلهم مغتصبين للأرض معتدين على أهلها لأنهم أبناء أفغانستان وهم الذين استطاعوا أن يحققوا الأمن لأهلها رغم انتشار الأسلحة في أيدي الناس، ورغم سلطة القبائل ورغم ورغم… وهو أمر عجزت عن تحقيقه فصائل المجاهدين بعد أن سيطرت على كابل.
إلا أن إعلامنا العربي يأبى إلا أن يصور الوضع بشكل آخر؛ فهو يجعل استيلاء عناصر قوات الشمال على مختلف المدن الأفغانية “تحريراً” لها وما بقي تحت سلطة طالبان “احتلالا” وكأن طالبان أجانب غزاة لا علاقة لهم بأفغانستان. وحينما يريد هذا الإعلام أن يكشف عن الجوانب “المظلمة”طالبان وعن الجوانب “المضيئة” لقوات الشمال يتحدث عن المرأة التي كانت ترتدي النقاب والتي أصبح بإمكانها الآن أن تضعه، كما يتحدث عن المدارس والمستشفيات ويتحدث عن الحركة التجارية وعن الأسواق العادية. وكان الناس في عهد طالبان كانوا لا يأكلون ولا يشربون ولا يتغوطون،،، وكأنهم لم تكن لديهم أسواق تجارية ولا مستشفيات… وكأن المدارس والمستشفيات والسلع ألقيت من الطائرات مع القنابل التي دكّت أرض أفغانستان والتي أحرقت الأخضر واليابس والحي والجامد.. وكأن المرأة الأفغانية كانت قبل طالبان متبرجة ترتاد المقاهي و الحانات وعرض مفاتنها في الشوارع، ويريدون منها الآن أن تعود إلى سابق عهدها.
كنا ننتظر من إعلامنا أن ينبه الرأي العام العربي إلى مخاطر هذه الحرب القذرة التي ستترك آثاراً نفسية وجسدية على الشعب الأفغاني كما تركته من قبل. كنا ننتظر من إعلامنا أن ينبه ويركز على الضحايا الأبرياء الذين كانوا يسقطون يوميا تحت انفجار القنابل الملقاة على رؤوسهم. كما ننتظر من إعلامنا عوض أن يستدعي الخبراء الاستراتيجيين ليفصلوا القول عن الحرب وعما بعد الحرب وسقوط طالبان، أن يستدعي خبراء في شأن العالم الإسلامي ليفصلوا القول عن آلامه وآماله وعن معاناته وشجونه وعن تخلفه وتشرذمه وسبل علاج ذلك والخروج منه. كنا ننتظر منإعلامنا أن يربط أفغانستان بفلسطين، كما ربطتها أمريكا زمنيا وعمليا، وأن يحلل الإنعكاسات التي يمكن أن تنعكس بها هذه الحرب على الشعوب الإسلامية، وخاصة في فلسطين والمناطق المجاورة لأفغانستان وخاصة باكستان.. الآن وقد “انهارت” طالبان و”تحررت” أفغانستان ننتظر مع المنتظرين من سيكون البلد الموالي الذي ينتظره “التحرير”.
د. عبد الرحيم بلحاج