مدير مجلة رسالة المعاهد
قال الله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون}-الحجرات : 2-.
الأدب مع رسول الله أمر واجب، أمر به الله تعالى في كتابه وأوجبه النبي في سنته، وأجمع المسلمون على القول به، وقد تميز الصحابة رضي الله عنهم بالتزام أسمى أنواع الأدب معه ، شهد بذلك الأعداء والأصدقاء على حد سواء، ومع ذلك فقد كانت تصدر منهم بعض الهفوات، حيث إنهم ليسوا معصومين من الخطإ رضي الله عنهم، من ذلك ما وقع فيه بعضهم من رفع الصوت بحضرة النبي ، وهو أمر لا يليق، فجاء القرآن الكريم يعلمهم أدب الكلام بحضرته ، ونزل قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} فكانت لهم مع هذه الآية مواقف تعجز الكلمات عن التعبير عنها، مواقف عظيمة عظمة أصحابها، كبيرة كبر صانعيها، أذكر منها ثلاثة مواقف :
1) موقف أبي بكر الصديق ] :
عن أبي بكر الصديق ] قال : >لما نزلت {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} قلت يا رسول الله : والله لا أكلمك إلا كأخي السرار< أي بصوت منخفض جدا، قريب من السر، (رواه البزار وابن مردويه.
2) موقف عمر بن الخطاب ] :
عن ابن أبي مليكة قال : >كاد الخيران أن يهلكا : أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- رفعا أصواتهما عند النبي حين قدم عليه ركب بني تميم فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر رضي الله عنهما : ما أردت إلا خلافي، قال : ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى {ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} قال ابن الزبير : فما كان عمر ] يُسمع رسول الله بعد هذه الآية حتى يستفهمه<(رواه البخاري).
3) موقف ثابت بن قيس ] :
عن أنس بن مالك ] أن النبي افتقد ثابت بن قيس، فقال رجل : يا رسول الله أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه، فقال له : ما شأنك؟ فقال : شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي ، فقد حبط عمله وهو من أهل النار، فأتى الرجل النبي فأخبره أنه قال كذا وكذا -فقال موسى- فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال : >اذهب إليه فقل له : إنك لست من أهل النار، إنك من أهل الجنة<(رواه البخاري).
وفي رواية للطبري وابن مردويه من طريق زيد بن الحباب قال : >حدثني أبو ثابت بن ثابت بن قيس قال : لما نزلت هذه الآية قعد ثابت يبكي فمر به عاصم بن عدي فقال ما يبكيك؟ قال : أتخوف أن تكون هذه الآية نزلت في، فقال له رسول الله : أما ترضى أن تعيش حميدا أو تموت شهيدا؟< وقد مات بالفعل شهيداً في معركة اليمامة، وفي بعض الروايات أنه أغلق عليه بابه ].
امحمد العمراوي