اهتز العالم لما وقع في أمريكا، وارتاع من ارتاع وطرب من طرب واعتبر من اعتبر وقل من لم يكترث والأقل القليل من سارع إلى إثارة أسئلة وتساؤلات وراح محاولاً التحليل والتعليل والمقارنة وا ستذكار ما يفيد في الموضوع مما يُعبره النسيان وتخون فيه الذاكرة العامية الغوغائية..
إن أمريكا دولة عُظمى تحكمها قوى ظاهرة وأخرى خفية، ومنها كبريات الشركات البترولية والمالية والاقتصادية. وتسودها ديمقراطية “خاصة” وعدالة “خاصة” وحقوق إنسانية “خاصة” ولها أجهزة مخابراتية جبارة كما أن ظلها أو ظلالها المستقبلية تمتد أمامها في الآتي عقوداً ومسافات طويلة فهي تهتم بالمستقبل اهتمامها بالحاضر، لذلك ولحرصها على استهرارية قيادتها للعالم وضمان الرفاهية لشعبها، تقوم لاصطناع علوم مستقبلية متطورةوتطويرالخطط والاستراتجيات المتعددة الواجهات وابتداع الأساليب والوسائل لتحقيق ذلك وضرورة تعزيز أمورها بأجهزة إعلامية هائلة تُحكم الإحاطة بالبشرية في الداخل والخارج وتستخدم في سبيل ذلك : جا معات ومعاهد ومراكز وإعلاماً وخبراء وشبكات مخابرات مترابطة عبر الكرة الأرضية. إننا أمام مكر هائل وعملاق وهو ما وصفه القرآن الكريم : {وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}.
إن أمريكا تؤمن بصراع الحضارات، ومن هذا الإيمان تنطلق، وهي لا تأمن أي دولة في العالم، ولا تستهين بأي قوة فردية كانت أم دولية، لذلك فقد عملت على تفكيك الاتحاد السوفياتي ثم تعمل الآن على تركيب روسيا وما حولها تركيبا يناسبها وتحسب ألف حساب للصين والهند واليابان، كما تحسب مائة حساب لغيرها من الدول التي حاولت أن تتجرأ على تجاوز الخطوط الحمراء مثل أندونيسيا وايران والعراق، وهناك دول مثل القدور المنصوبة على كانون السياسة الأميركية تنضج وفق خطتها أو مثل لعب تتحكم فيها أزرار السياسية الأمريكية.
إن أمريكا لايهما إلا أمريكا في المقام الأول ومجالها الاستراتجي الأول ” الدولة الأوربية الموحدة” التي هي صنيعتها. إن أوربا لا تتوحد من تلقاء نفسها لولا “المكر” الأميريكي، وحتى روسيا الاورتوذكسية قد تنضم إلى هذه الوحدة الأوروبية في مواجهة ياجوج وماجوج بالصين.
لذلك ألا يحق لنا أن نتساءل وإن كان من قبيل تساؤل السدج والبلهاء، لماذا تفكك الاتحاد السوفياتي؟ ولماذا لم يقع الإجهاز على ر وسيا؟ و لماذا لم يسمح لشعوب إسلامية بتقرير مصيرها وتركت تحت السيطرة الروسية؟! ولماذا الإسراع بتفكيك أندونسيا وتأسيس دول نصرانية هناك برعاية أستراليا؟
ونقترب أكثر لنقول : ماذا حدث في أمريكا الآن؟ هل هو حادث اعتباطي انتقامي قام به “ثلة” من الشرق الأوسط أو من كولومبيا أو الجيش الأحمر الياباني. أم هو حادث داخلي اضطلعت به نِحْلة دينية مهوسة؟ أو مافيا أمريكية أو كلومبية أم هو من تدبير “القوة الخفية” الأمريكية لتحقيق أهداف كثيرة منها :
إنشاء دولة جديدة في آسيا الوسطى على غرار دولة اليهود في المحيط العربي الإسلامي، أو من أجل إنشاء حلف عالمي في المحيط العجمي الاسلامي بقيادة أمريكا يضم دولاً “إسلامية” للقضاء على الإرهاب! ومن هذا “الإرهاب” الانتفاضة وجيش تحرير مقدونيا وكوسوفا وغيره، في حين يعترف بشرعية تقرير مصير تيمور الشرقية وأمثالها لتمزيق وحدة الدول الاسلامية..
إن ما حدث لأمريكا في الواقع سبق أن حدث في الخيال الأمريكي عبر أفلام كثيرة ومقالات متعددة وندوات وأبحاث وتحريات وتحقيقات، فهل كان ذلك مجرد محاضرات فردية أو تخيلات جماعية أم خطة محكمة لإعداد الرأي العام الداخلي حتى يتقبل مقتنعاً، بل متحمساً لاتخاذ أي قرارات وإجراءات، والقيام بأعمال ما كان ليقبل بها أو يرضى عنها لولا أنه وقع ما وقع. ثم إن اشتغال السينما الأمريكية بأفلام تتعلق بهجوم إرهابي على “مركز التجارة العالمي” وعلى البانتاغون وعلى البيت الأبيض وأفلام عن الجهاد الإسلامي في أمريكا، هل كان ذلك من قبيل العبث وتخيلات صبيانية، أم كان يهيء لما حدث بالأمس القريب؟؟
على كل حال، فإن التصريح بقيام “جماعة إرهابية إسلامية” أو غربية بهذا الهجوم ينبغي ألا ينطلي على أي عقل صحيح..
ثم ما علاقة ما حدث بأمريكا بصدور رواية كاتب فرنسي يشتم الإسلام ويصف المسلمين بالإرهاب،ويصور ذلك في روايته التي روجت لها وسائل الإعلام مما جعله نجماً كبيراً في سماء الرواية بأوروبا، ثم ما علاقة ما وقع بأمريكا بالدعاية الواسعة لتضخيم صورة بن لادن منذ سنوات وإفزاع العالم “المتحضر” منه. هل كان ذلك إعداداً للرأي العام الأمريكي ليقتنع بما وقع، ثم ما علاقة ما وقع باغتيال شاه مسعود بأفغانستان.
إن أمريكا عودتنا اغتيالات رؤسائها مثل كنيدي وزعماء عالميين والانقضاض عليهم مباشرة أو بواسطة.
كما عودتنا أن تتآمر على رؤسائها وآخر ذلك : وترغيت وإيرانغيث وفضيحة لوينسكي، لكن كلينتون لم يحاكم كما كان منتظراً لأن موت الملك حسين، وما وقع من تغييره ولاية عهد الأردن أخّر هذه المحاكمة وأسكت وسائل الإعلام الأمريكية والخارجية.وهناك في الأفق البعيد بل القريب الذي يلفه الدخان حقائق ستنكشف قريبا جملة وتفصيلا.
لذلك على المسلمين بدل أن ينساقوا وراء هذه السيناريوهات ويستجيبوا لما يحقق مقاصد “المكر السيء” أن يغيروا ما بأنفسهم فيصلحوها وأن يعودوا إلى ربهم ويتوكلوا عليه حق التوكل وأن يسألوه سبحانه وتعالى أن يرزقهم قيادات عالمة خبيرة ناصحة مؤتلفة القلوب موحدة العزائم مسددة الخطوات وأن تكون الجماعات الاسلامية قدوة صالحة للجماهير الاسلامية التائهة.
{يا أيها النبيء حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين}، {ولا تحسبن الذين كفروا سبقوا، إنهم لا يعجزون وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل يرهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين لا تعلمونهم الله يعلمهم}.