الهجرة في سبيل الله إذا توفرت شروطها، وتحققت سلامتها، وتأكدت ضرورتها، من أهم خصائص الدعاة الصادقين، ولسنا أقل جهداً وتضحية من الصليبية التي ينتشر المبشرون بها في جميع أنحاء الأرض. يقول الإمام الغزالي : “واجب على كل فقيه فرغ من فرض عينه، وتفرغ لفرض الكفاية : أن يخرج إلى ما يجاور بلده من أهل السواد ومن العرب والأكراد وغيرهم، ويعلمهم دينهم وفرائض شرعهم” (الإحياء ج 2 ص 342).
وقال ابن تيمية في قوله تعالى : {يا أيها المدثر، ثم فأنذر} واجب على الأمة أن يبلغوا ما أنزل الله، وينذروا كما أنذر. قال تعالى : {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم، لعلهم يحذرون} والجن لما سمعوا القرآن : {ولوّا إلى قومهم منذرين}(الفتاوى ج 16 ص 327).
وقدشرع النبي سنة الخروج إلى البلاد المجاورة لتبليغ دين الله وتعليم عباد الله.
ألا ترى أخي المسلم إلى الأعرابي الذي قدم إلى المدينة فوقف بين يدي رسول الله فقال : يا محمد، أتانا ر سولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، وذكر أن المُرْسَل علمهم أركان الإسلام<(رواه مسلم).
وبعضهم توهم أن الزهد والاعتكاف والعزلة هو مقام الكمال، يقول الإمام بن الجوزي : “الزهاد في مقام الخفافيش، قد دفنوا أنفسهم بالعزلة عن نفع الناس.. أما الشجعان فهم يتعلمون ويعلمون، وهذه مقامات الأنبياء عليهم السلام”(صيد الخاطر ص 223).
وهل يقل المسلم إخلاصاً لدينه ولدعوة نبيه من النصارى لضلالهم وسخافتهم، لابد من جهد وجهاد.
كان اليوم الذي سطرت فيه هذه الكلمات يوم جمعة وكنت أخطب في المسجد الجامع بمدينة افريتاون بسيراليون، فرأيت جماعة من المصلين متميزة بِسَمْتها، فلما انحرفنا من الصلاة تعرفت على القوم فإذا هم جماعة التبليغ من الباكستان خرجوا في سبيل الله أربعة أشهر، وفي المساء قمنا بزيارة لمركز الجماعة، فرأينا هِمَماً عالية، وحماسة متدفقة، وأخوة قوية، حركت في خاطري نخوة الجهاد الدعوي، وقدسية العمل الإسلامي، فكان الخطاب محفزاً ومحرضاً على القيام بتكاليف الدعوة، وواجب التبليغ.
وكان الشباب في هذه البلاد إذا أراد أن يطلعني على قوة نشاطه في الدعوة والالتزام يخبرني أنه ينتمي إلى جماعة التبليغ، وكم أعجبني أسلوبهم الذي يعتمد في الدعوة على الفضائل نظراً لقلة العلم عند بعض الأفراد حتى لا تتورط الجماعة في متشابه الحلال والحرام، قال الإمام أحمد : “إذا كان الكلام في الفضائل تساهلنا في الأسانيد، وإذا كان الحلال والحرام شددا الأسانيد”.
عبد الحميد صدوق