الوطن مريض… والورم الصهيوني حاضر ومصر على نشر سمومه وآلامه اتجاه كل أعضاء الجسم . إنها حالة الوطن المستباح الذي تخترقه كل الأعاصير وجريمة الصهيونية التي تفسد كل جميل. لهذا فكل تعامل مع الصهيونية أو قبول بمظاهرها اليهودية الإسرائيلية هو تطبيع مرفوض ومدان. وكل سلوك من هذا القبيل مهما كان قديما في الزمن أو مستورا في الخفاء هو مستجد جديد متجدد لا مجال لنسيانه أو تناسيه، إنه منطق الوعي السوي الذي يرفض التطبيع مع الأزمات والاسترخاء أمامها كلما دار الزمن وهو كذلك منطق التفكير المنهاجي الذي يرى ان كل دعوة للتطبيع مع ازماتنا المحلية مهما صغرت أو كبرت بدعوى البحث على الاستقرار أو التراضي أو التوافق أو ترتيب الاولويات أو غيرها من المسكنات والمخدرات، هي تهييء واعداد للعقل المغربي والنفسية المغربية للتطبيع مع الأزمات الوافدة وعلى رأسها الغزو الصهيوني والاختراق اليهودي.
فلكل تاريخ مزبلة ولكل فكرة هامش، كما أنه لكل حضارة انحرافات قد توسع هذه المزبلة وتعمق ذاك الهامش، وقد ساهمت الانحرافات الحضارية الغربية في مجال العقيدة والمال والأخلاق والإنتماء الى انتاج مجموعة حركات وظواهر عنصرية متطرفة تتغذى من هذه المزبلة وتمثل ذلك الهامش الفكري الذي يمجد القوة والجنس، فكانت الوطنية الضيقة والروح الاستعمارية الأمبريالية وكانت النازية والفاشية والصربية وغيرها. وقد توجت هذه الانحرافات بظهور الحركة الصهيونية بصفتها نزعة استعلائية عنصرية تعادي البشرية وتتخذ لها من الانحرافات اليهودية التلمودية مرجعية وعقيدة. فكان بهذا وقودها اليهود والمسيحيون الأصوليون وكان ضحاياها الفلسطنيون والأرض الفلسطينية. وبين الضحية والجلاد وقفت الأنظمة العربية ضعيفة بفعل تجزئتها وتبعيتها وانسجام هواجس حكامها مع مخططات الصهيونية العالمية.
منذئذ وجدت الصهيونية طريقها إلى الدول العربية بدرجات تحت غطاء الأمن الداخلي والواقعية السياسية أو تحت غطاء الجاليات اليهودية المحلية . وقد كان حظ المغرب من هذه الإنكسارات كبيرا بفعل الارتباط بالإدارة الأمريكية وهيمنة نفوذ الأقلية اليهودية وكذا بسبب الصراعات المحلية والجهوية المصطنعة.
إن الوجود الصهيوني بالمغرب متجدر على المستوي المخابراتي والأمني والسياسي والاقتصادي كما أن نشاط الأقلية اليهودية بالمغرب بصفتها كذلك جالية اسرائيلية!! تخدم الكيان الصهيوني بشكل واضح ومنظم وقد سقط الكثير من أقطاب النخبة السياسية في شباك القرار الصهيوني والنصيحة الصهيونية الملزمة والدعم الصهيوني المفروض والعاطفة الصهيونية الجياشة! لهذا عرف النظام المغربي خطوات سريعة في سباق التطبيع والعلاقات المكشوفة بعد اتفاقية مدريد 90 والتحاق الركب العربي بقافلة الخيانة حيث سقطت رداءات الاعتراف والتفاوض والحوار ونخوة الرفض علنا بعدما سقطت قبل ذلك بكثير سرّا.
إن هذا الوضع الصهيوني بقي رسميا بالمغرب مستترا بفعل الرفض الشعبي ومعارضة النخبة الشريفة لكن ما نلاحظه مؤخرا خاصة مع مجيء حكومة التناوب هو المستجدات الخطيرة التي تريد اختراق جدار الممانعة والمقاومة من أجل فرض وضع صهيوني يخون قيم الأمة وحقوق الفلسطينيين ومبادئ الانسانية.
نعم لقد تسارعت مستجدات صهيونية يربط بينها خيط رفيع جعلت الوضع الصهوني بالمغرب أكثر نشاطا من قبل الاغلاق الشكلي لما يسمى مكتب الاتصال الاسرائيلي قبل شهور، ويمكن الوقوف عند هذه المستجدات من خلال االنقاط التالية :
- الأممية الاشتراكية الصهيونية : لقد أصبح المناضل الوزير الأول الاشتراكي يلتقي بالمجرمين الصهاينة ويصافحهم ويجاملهم بل ويشاركهم المشاريع تحت غطاء للأممية الاشتراكية والانتماء المتوسطي والخيانة نفسها قام بها الكثير من الوزراء والمسؤولين وأشباه المثقفين. إن هذا التجاوز الخطير يسقط عن كل مسؤول مهما كانت صفته الرسمية المغربية وتمثيليته للشعب المغربي كما أن أي تصريحات صورية للاعلام أو بعض من الكلام المكرر الذي يقول الجميع لا يمكنه أن يغطي هذه الجريمة.
إن الأمر يتعلق بانحراف خطير يجعل توافق وتناوب الصهيونية والاشتراكية على المغرب مدخلا خطيرا يهدد أمن الوطن وتوازنه ومستقبله.
- منظمة العفو الصهيونية : أن تؤسس منظمة العفو الصهيونية فرعا لها بالمغرب أمر مثير للعجب والاستغراب فهو اعتراف بتحسن أوضاع حقوق الانسان بالمغرب رغما عن الواقع المزري الذي نعيشه. لكن هذا الاستغراب يزول إذا علمنا أن أول ملف فتحه الممثل المغربي لهذا الفرع هو البحث في التهجير الذي طال اليهود بالمغرب وضرورة تقديم تعويضات لهم؟! فهل هي مقايضة بين من يدعي الشرعية الدولية ومن يدعي الوطنية والنضال في ظل حكومة متخومة بالمناضلين؟!! مقايضة يستفيد منها العدو الصهيوني. إن أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب أكبر من أن تغطيها هواجس صهيونية لكنها أيضا أشرف من أن تدافع عنها منظمة منحازة متحيزة كمنظمة العفو الدولية أو حكومة مجتثة لا تفكر سوى في الحفاظ على وجودها.
- بحوث حول مجازر اليهود : نعم في نفس الاتجاه تذهب أقلام تقدمية حقوقية إلى تخصيص مجهوداتها العلمية الجامعية بتوصيات خارجية وتمويلات خارجية الى البحث فيما تسميه مجازر اليهود بالمغرب وكان الأولى بها أن تبحث في مجازر الفلسطينيين آنذاك إثر الاجتياح الصهيوني ومجازر اليوم وغد.
إنه الوعي الشقي لنخبة تافهة فقدت معاييرها وتوازنها وأصبحت بوقا صهيونيا تحت غطاء حقوق الإنسان.
- التطبيع الاقتصادي : التطبيع الصهيوني الاقتصادي مع الدول العربية ليس اختياراً أمنيا فقط هدفه ربط العلاقات مع الدول العربية بل هو مخطط هجومي يهدف كسر الممانعة العربية وربط التنمية العربية بالاقتصاد الصهيوني وبالتالي ربط الأمن ا لاقتصادي العربي بالسياسة الصهيونية بحيث يصنع الكيان الصهيوني الأزمات في أوطاننا ويلوح بحلوله لها كما هو حاصل في مجال الزراعة.
كما أن مختلف مداخل التبادل التجاري القائم تساهم بطريقة أو بأخرى في ارساء المستعمرات الصهيونية على الأرض الفلسطينية وتسليح الجيش اليهودي وبالتالي الاعتداء على الشعب الفلسطيني.
إن المتتبع للسوق الاقتصادي المغربي يلاحظ تغلغل الورم الصهيوني في مختلف المجالات في الزراعة باعتراف وزير الفلاحة بكل وقاحة فحسب علمه أن هناك شركات صهيونية من الكيان اليهودي تنشط بالمغرب كما أن مجال السياحة يعرف نشاط شركات عدة كبناء مركب فندقي وكازينو بمدينة تطوان إضافة إلى الوجود الصهيوني في مجال الاتصالات سواء تعلق الأمر باتصالات المغرب أو شركة ميدي.. وما خفي أعظم.
إن الورم الصهيوني ورم قاتل لا يدخل الجسم الحي إلا لينهكه ويقتله ويستبيح جميع أعضائه. وليعلم المسؤولون المغاربة والذين يضعون أنفسهم حراسا على أمنه ومصالحه أن وراءهم شعباً ورأياً عاماً يجب أن يرى طموحاته وقضاياه من خلالهم وإلا فإنهم لا يمثلون إلا أنفسهم ولا يؤمنون إلا مصالحهم ونزواتهم، فالمعادلة مع المعامل الصهيوني هي قاعدة ربانية تاريخية شاهدة، إما أن نكون نحن أو يكون هو. ووعد الحق تبارك وتعالى أن الخاتمة لمن يحارب العدو الصهيوني وليس لمن يطبع معه ويشاركه ويتاجر معه.
كما أن منهج التغيير يعلمنا أن نستعد للأزمة الصهيونية ونتقوى ضدها برفضنا لكل تطبيع وتساهل مع أزماتنا الداخلية المحلية. وما أرى من مساندة المغاربة للشعب الفلسطيني عبر مسيرة ينظمونها بإذن من حكومة التناوب إلا تطبيعا مع الأزمة وخيبة في النضال.
- ذ. مصطفى مدني