إن المغرب لن يذوق لذّة التقدم، ولنْ يشعر بنشوة إقلاعه الحضاري إلا إذا استردَّ تشبُّته بدينه وقيمه ووطنيته ولغته وتكتلت شرائحه الاجتماعية في جوّ من الثقة المتبادلة والتعاون على البر والتقوى والتكافل في السراء والضراء لأن من شأن ذلك أن يشعر الجميعُ بمنطق الواجب والعطاء لا بمنطق استنزاف الوطن بأخذ الحقوق والتمتع بخيراته وأمواله دون مقابل من عطاء وواجب وتضحية.
وإن من شأن استرداد المغرب لشخصيته وهويته وذاته أن يكون حُرّاً من القيود الاستعمارية الفرانكفونية التي لا تزيده إلا عبودية وترسيخا في أوْحال التخلف و الانحطاط؛ ومن أفظع هذا التخلف أن المغرب يَطْلُبُ عُلوم التكنلوجيا والصناعة والطب والأدب والفكر باللغة الفرنسية، وهي لغة متخلفة جداً، وقد حدثني أكثر من واحد من رجالات المغرب الأفذاذ الذين يسهمون في بعض الندوات والمؤتمرات العلمية في أمريكا وكندا والصين واليابان بل وفرنسا نفسها وأمريكا الجنوبية بأن لغة العلم هناك هي اللغة الانجليزية يكتب بها الجميع ويحاضر بها الجميع وبها يتحاورون وبها يتحدثون فيما بينهم. وفي آخر مؤتمر علمي طبّي بأمريكا حضرهُ أساتذة مغاربة في الطب شاهدوا الفرنسيين يكتبون بالانجليزية وبها يحاضرون ويناقشون وإن كانت أبحاثهم ومكانتهم العلمية أقل بكثير من الألمان واليابانيين بله الأمريكان، وكذلك الأمر بمؤتمر علمي في الميكانيك انعقد في الصين، كانت لغة المؤتمر “الانجليزية” بل إن الأمر أكبر من ذلك فإن مؤتمراً علميا عالميا انعقد بجامعة محمد بن عبد الله في موضوع يتعلق بعلم الجبر (الرياضيات) كان بالإنجليزية بل أصبح بعض المغاربة يقدمون رسائلهم العلمية الجامعية في مستوى الدكتوراه باللغة الانجليزية وأحيانا بالعربية، إذن فلماذا التشبث بلغة لا نقول إنّها شبه ميتة ولكنها ليست لغة عالمية وليست لغة علم معترف بها ثم إنها بالنسبة إلينا ليست لغتنا فلماذا الإصرار على أن تظل لغتنا الأولى في كثير من مجالات حياتنا وأخطرها التعليم والبحث. فإن كان ولابد فلنجعلها حيث يجب أن تكون أي بعد العربية والانجليزية و الإسبانية وسيكون لها شرف كبير بالرتبة الرابعة وإلا فمرتبتها الطبيعية في مجال “العلم” بعد الألمانية والصينية ولكننا قدمناها عليها احتراماً لولاء بعضنا لها ممن لا يزالون يشعرون بل يحنون لزمن العبودية والولاء لمن أعْتق، أما نحن أبناء الشعب الكادح الذي جاهد الاستعمار الأوروبي بأشكاله وأنواعه منذ قرون فإنه حرٌّ في أن يختار اللغة التي يستفيد علمياً منها بعد إ رساء قواعد وأسس لغته المقدّسة التي نزل بها القرآن الكريم، واختيار الشعب المغربي لغة الانجليزية لغة ثانية لأنها لغة العلم والاسبانية لأنها اللغة الاجنبية أو الوطنية الثانية لأمريكا المتقدمة على العالم وقائدته السياسية والعكسرية.
ومن قصد البحر استقل السّواقي
إن ارتباطنا بالفرانكفونية يزيدنا تخلفا ورجعية ويحول بيننا وبين التقدم العلمي الذي ينشده شعبنا، وعسى حكومة “التناوب” تحقق للمغرب هذا الاختيار الوطني الأول في مجال اللغة.
العربية أولا والإنجليزية ثانيا والاسبانية ثالثا والفرنسية رابعاً تقديرا لرغبة الأقلية المغربية التي ما زالت تشعر بالعبودية شفاها الله وحررها من عبوديتها…!!!
< د. عبد السلام الهراس