لقد قرأنا بعض ما نشر من المطالب النسائية المُطالبة بتغيير مدونة الأحوال على ضوئها، وكان فيها شبه اجماع على المطالبة بالتسوية فيما تستحيل التسوية فيه، لسبب بسيط وهو أن الله تعالى خلق الجنسين مختلفين ليتم التكامل واستمرار الحياة على وجه الأرض.
ومن هنا كان التعامي عن قول الله تعالى : {وللِرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَة} فهذه الدرجة ليست امتيازاً، وليست تشريفا، ولكنها درجة المسؤولية والرعاية في نطاق التعاون والتشاور وإحسان العشرة. وهذه المسؤولية أُعْطِيت للرجال بمقتضى التفسير والتوضيح الواردين في قول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُون على النِّسَاءِ بما فضَّل الله بَعْضَهُمْ على بَعْضِ وبمَا أنْفَقُوا من أموالهم}(سورة النساء).
ومن المعلوم أن الله تعالى أسند القوامة للرجال بمقتضى تحمُّلهم الأعباء المالية منجهة، ومن جهة أخرى بمقتضى الخصائص التي ميَز الله تعالى بها الرجال عن النساء، كما مَيَّز النساء عن الرجال بخصائص أخرى لا يمكن أن توجد في الرجال.
وإذا سايرنا التعديلات التي وردت في المطالب النسائية والتي تقول : إن المرأة أصبحت اليوم عاملة ومنتجة ومستثمرة، وبذلك أصبحت لها مُشارَكة في تحمّل العبْء المالي المخوّل لها المساواة، وهذا فعلا موجودٌ الآن، وكان موجوداً قبل نزول آية القوامة، ويعلمه الله تعالى، ومع ذلك أسند مسؤولية رئاسة الأسرة للرجال ليس اعتماداً على العنصر المالي في الدرجة الأولى ولكن اعتماداً على الخصائص المميزة لكل من الجنسين، حيث خصائص الرجال تسمح بتولي القوامة، وبذلك تكون المسؤولية أُسْنِدت إلى من يقوم بها، لا إلى من يعجز عن حَمْلها.
طلب المساواة في القوامة شيء مستحيل، لأن الرئيس في أي قطاع أو مؤسسة أو دولة لا يتعدَّدُ، وإلا وقعت الفتنة والفوضى وانْعَدم تحديد المسؤولية {لوْ كَان فِىهِما آلهةٌ إلاَّ اللَّه لفَسَدَتَا}(سورة الأنبياء).
وإذا كان طلب المساواة عبثيّا، فالمطلب المعقول لو كان منطقيا هو طلب إسناد القوامة للنساء بكل ما يكلّفه هذا الطلب من أعباء وخسائر وقَلْب للأوضاع والمفاهيم والموازين، وبكل ما يجرّه على المرأة وعلى الرجل من كوارث لو تحقق وطُبّق.
فالأسرة كجميع المؤسسات لابد لها من رئيس مسؤول، وهذ الرئيس إما أن يكون للرجل، أو يكون للمرأة، أما الاختباء وراء مطلب المساواة فذلك مما يستعصي على العقول أن تفهمه، لأنه مستحيل عقلا وشرعا وعرفا وطبيعة، فكيف تُطلب المساواة في شيء يستحيل تحقيقه؟؟
إن إسناد المسؤولية لأي طرف مبنية على المساءلة والحساب دنيا وأخرى، ولقد حدَّد الرسول المسؤولية : >والرَّجُلُ راعٍ في أهْلِهِ ومسْؤُول عن رَعِيَّته، والمرأةُ راعِيةٌ في بيتِها ومسْؤولة عن رَعِيَتِها..< والله تعالى قال للمومنين : {يا أيُّهَا الذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُم وأهْلِيكُم ناراً وقُودُها النّاسُ والحِجَارَة}(سورة التحريم) فقد كان الخطاب موجها للرجال بصفتهم مسؤولين عن الرعية والتي تشتمل على المرأة والأولاد والخدم وكل مكونات الأسرة.
أتكون امرأتنا اليوم أعْلَم من الله تعالى وأحْكم وأرْحم وأعدل؟ لأنها بهذا المطلب وحده تكون مُتَّهِمة الله تعالى بأنه وضع الأمور في غير مواضعها -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- حيث أسند القوامة للرجال؟؟
إن الله عز وجل يعلم أن طبيعة المرأة لا تقدر على تحمُّل مسؤولية القوامة، ولذلك رحِمَها بإعفائها منها لتتفرغ إلى ما هيأها الله تعالى له من حَمْل وولادة وإرضاع وحضانة وتربية، فوق ما تتحمله من أعباء الرعاية للأسرة وبعض الأعباء الاجتماعية.
يفهم المرء أن تطلب المرأة إحسان القوامة، لأن الكثير من الجهال لا يقدرونها حق قدرها، وأن توضع قوانين مستندة للشرع ترفع الحيف عن المرأة بسبب القوامة أو غيرها، ولكن أن تطلب المساواة فيما لا تساوي فيه فهذا مما نربأ بعقل المرأة في عصر العلم والصحو والعقل أن تنزل إلى عبثيته ، فالحقائق الكونية والشرعية والعقلية لا يمكن أن تُغيَّر بأهواء وشهوات عارضة أو مستوردة لحاجة في نفس أصحابها يريدون بها زرع ألغام من الشر في بِنْية الأسرة المسلمة، وقانا الله تعالى شرور تخطيطاتهم الجهنمية، ونوَّر الله تعالى بصائر رجالنا ونسائنا لإدراك الحق والحكمة في أحكام وتشريع ربنا الرحيم الحليم الحكيم، {فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.