حاجز الرهبة
ويقر د. عبد العظيم المطعني أستاذ التفسير جامعة الأزهر بأن الفقيهة المسلمة غائبة ومغيَّبة، حيث يقول: للأسف إن المرأة الفقيهة ليس لها دور بارز؛ إذ إن العدد الموجود منهن في العالم الإسلامي محدود وقليل بالنسبة لتعداد سكان الأمة، وهذا يمكن أن نعتبره نتاجًا طبيعيًّا لمرحلة التجهيل ومرض الأمية التي أوجدها الاستعمار وشملت قطاعًا كبيرًا من الأمة، وكان للمرأة نصيب الأسد فيه؛ حيث ترسَّخ في أذهان الناس عدم ضرورة تعليم البنات، وظل هذا التفكير مسيطرا على قطاعات كبيرة في العالم الإسلامي، فمثلاً في الجزيرة العربية المرأة هناك كانت محرومة من التعليم حتى عقودًا قريبة، والريف لدينا كان يترفع عن تعليم البنات ونحن لا نزال نكافح ذلك فيه حتى وقتنا هذا، وحتى عندما بدأ الناس يتجهون إلى تعليم البنات لم يكن متاحًا إلا التعليم المدني وهو بالطبع لا يخرج فقيهات، أما التعليم الديني فبدأ مع إنشاء معاهد الفتيات الأزهرية، وبالتالي فإن تعليم المرأة دينيًّا جاء متأخرًا بعد إنشاء كلية البنات الإسلامية التي تحولت إلى جامعة فيما بعد، وهذا اتجاه عمره قصير، ورغم ذلك فإنه رغم قرب منشئه، فإنه أخرج لنا عددًا من الفقيهات اللاتي نحترمهن ونحترم علمهن كالدكتورة سعاد صالح والدكتورة عبلة الكحلاوي والدكتورة الداغستاني وأسماء أخرى عديدة لا تسعفني الذاكرة لسردها، إلا أننا نأمل مع اتساع الحركة العلمية وتعدد منابع العلم المختلفة سواء كانت دور علم أو كتبا أو جامعات مفتوحة أو اسطوانات كمبيوتر وعلومًا إسلامية على شبكة المعلومات العالمية “الإنترنت” – أن يعالج هذا النقص؛ لأن هناك واجبًا شرعيًّا يستلزم من الأمة إعداد فقيهات متخصصات خاصة في الفقه النسائي؛ لأنه رغم الآلاف من الفتيات اللاتي يتخرجن من الأزهر سنويًّا، واللاتي تلقين التعليم الديني منذ نعومة أظافرهن وحتى التخرج، إلا أنهن لسن كلهن – أو حتى نسبة معقولة منهن – يَكُنَّ فقيهات، فتواجد المرأة الفقيهة يحتاج إلى استعداد داخلي، وتعمق شديد في العلم وامتلاك قدرة على المساهمة في الحركة الفكرية الدينية، لكن كثيرات من بناتنا الأزهريات يكتفين بالعمل الوظيفي الصامت دون أن يكون لديهن الطموح في مشاركة حقيقة في مجال الفقه والفكر، وأشعر أن إعداد الفقيهات لا بد منه، أولاً أن ينبع من داخل المرأة نفسها، وهذا يستدعي منها أن تكسر حاجزَيْ الرهبة وعدم الوعي بمدى ما هو متاح للمرأة شرعًا، وأتذكر أنه حينما حاولت إحدى الشخصيات النسائية لدينا في مصر العمل في مجال المأذونية، وهي مهنة العرف فيها عند العامة أنه لا يعمل بها إلا الرجال، إلا أنه في نفس الوقت ليس هناك في الشرع نص أو اجتهاد يحرم على المرأة أو يمنعها من العمل كمأذون؛ لذلك كنت من المشجعين والمباركين لهذه الخطوة النسائية الجريئة، واعتبرتها خطوة في مسيرة وعي وتقدم الفكر النسائي المسلم في بلادنا، وكان العكس هذا عند العامة، فقد استهجن ذلك كثير من الناس رجالاً ونساءً.
هذه الخطوة نُظِر إليها بعين التوجس والاستغراب، وربما التحريم والتجريم وطبعًا اعتمد هؤلاء العامة في نظرتهم تلك على تقاليد وأعراف جاهلية تعارف عليها المجتمع وليست من الإسلام، والخلاصة أنه على المرأة أن تكافح وتستعيد كل ما أعطاه الشرع لها من حقوق وسلبتها إياها التقاليد الجاهلية.
محددات غير شرعية
أما الدكتور عصام العريان أمين عام مساعد نقابة الأطباء، وعضو مجلس الشعب المصري سابقًا فيلقي باللوم على المجتمع بالنسبة لقضية غياب المرأة الفاعلة في ساحة العمل العام وعلى رأسه مجال العلم والإفتاء، فيقول: إن غياب المرأة الفقيهة اليوم هو مسئولية المجتمع ككل وليس مسئولية جهة بعينها، أو مسئوليةالمرأة وحدها؛ لأن الإمكانات الشخصية بمفردها لا تستطيع خلق الجو الملائم لميلاد المرأة الفقيهة، فنحن بحاجة إلى استعداد المجتمع ككل لخلق هذا الدور لدى المرأة وإعدادها وتربيتها، وخلق الجو المناسب لتخريج المرأة الفقهية، وقد بدأت كليات الدراسات الإسلامية تخرج لنا نساء دارسات للشريعة الإسلامية في مصر والسودان والأردن وبلاد إسلامية أخرى، ورغم أن هذا الاتجاه حديث فإنه أخرج لدينا أعدادًا ربما ليست كبيرة من نساء قادرات على الخوض في بحور الفقه والفتوى، إلا أننا يجب أن نُقِرّ أنه عبر التاريخ الإسلامي كان دائمًا عدد النساء الفقيهات محدودا جدًّا بالمقارنة بأعداد الفقهاء من الرجال؛ نظرًا لأن الفقه والفتيا يحتاجان إلى نوع من التفرغ لإتاحة الفرصة لفهم النصوص ومراجعة آراء السابقين، والدور الاجتماعي التقليدي للمرأة يعوقها عن التفرغ لكل ذلك إلا في حالات نادرة، ورغم ذلك لا نستطيع أن ننكر على المرأة هذا الدور؛ لأن الشرع قد أقره للمرأة والتاريخ الإسلامي يشهد بذلك، فالسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصدر الفتاوى وكان كبار الصحابة يستفتونها، وكان الإمام الشافعي رضي الله عنه يستفتي السيدة نفسية، بل هو نفسه قد تتلمذ على يدها، ونحن اليوم لدينا أسماء نسائية معروفة علميًّا وإعلاميًّا ومشهورة بالفقه.
أما تولي المرأة مهام المفتي العام فاعتقد أنه ربما لا يكون هناك مانع شرعي يحول بين المرأة الفقيهة وبين ذلك المنصب، لكن الذي يمكن أن يقف بينها وبين ذلك سيكون محددات وضوابط أخرى قد تكون وظيفية أو مجتمعية؛ إذ لا أعتقد أن مجتمعا كالمجتمع المصري سيقبل بسهولة أن يكون المفتي العام لبلده امرأة، ولا أعتقد أنه يمكن حدوث ذلك ببساطة في أي بلد إسلامي آخر، حتى في إيران التي نعتبرها صاحبة خطوات واسعة ورائدة في توسيع نطاق العمل النسائي، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو حتى الإبداعي والفني
ذة. حنان عطية