بر الوالدين من الأمور التي حث عليها الله تعالى في أيما آية، قال تعالى : {ولا تشركوا بالله شيئا، وبالوالدين إحساناً}.وقال سبحانه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}(الإسراء23).
وفي صحيح البخاري عن عبد الله قال:” سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الصلاة على وقتها قلت ثم أي؟ قال : بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله”. فأخبر(أن بر الوالدين أفضل الأعمال بعد الصلاة التي هي أعظم دعائم الإسلام، ورتب ذلك ب(ثم) التي تعطي الترتيب والمهلة.
كما قُرن عقوق الوالدين بالشرك في مواطن كثيرة منها ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي قال: {الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس واليمين الغموس(الغموس: أي اليمين الفاجرة الكاذبة التي تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال :> ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة : العاق لوالديه، والديوث، والرَجِلة(والرَجِلة: هي المترجلة المتشبهة بالرجال)[رواه النسائي والبزار، واللفظ بإسنادين جيدين، والحاكم، وقال صحيح الإسناد،وروى ابن حبان في صحيحه شطر الأول.
كما أن الإسلام بسط ما يتعلق بحقوق الوالدين بشكل لا يدع مجالا للشك أن مسألة بر الوالدين من الأمور الأساسية في النظام الاجتماعي في الإسلام ..
قال تعالى في سورة الإسراء :{(إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما. وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا.ربكم اعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا}.
فهذه الآية جامعة لأساسيات التعامل بين الولد ووالده ومعالم طريق البر للوالدين، ففيها:
< تجنب أيَّ تبرم مهما كان (فلا تقل لهما أف..) روي من حديث علي بن أبى طالب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله لو علم الله من العقوق شيئا أردأ من (أف) لذكره، فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار، وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة.وقال علماؤنا: وإنما صارت قولة (أف) للأبوين أردأ شيء لأنه رفضهما، رفضُ وكُفر النعمة، وجحد التربية ورد الوصية التي أوصانا الله تعالى بها في التنزيل..
< الابتعاد عن النهر والزجر أو الغلظة في مخاطبتهما (ولا تنهرهما..)
< التكلم معهما بكلام لين لطيف..(وقل لهما قولا كريما)مثل: يا أبتاه، يا أماه، من غير أن يسميهما ويكنيهما(قاله عطاء)..
< خفض الجناح واللين . أخرج البخاري في الأدب المفرد، وابن جرير وابن المنذر عن عروة في قوله تعالى:(واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) يقول: اخضع لوالديك كما يخضع العبد للسيد الفظ الغليظ.
وقال الطبري في هذه الآية: “.. هذه استعارة في الشفقة والرحمة بهما والتذلل لهما تذلل الرعية للأمير، والعبيد للسادة…وضرب خفض الجناح ونصبه مثلا لجناح الطائر حين ينتصب بجناحه لولده. والذل: هو اللين..”
< الدعاء لهما بالرحمة في الحياة والممات.(وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا).قال القرطبي:”خص التربية بالذكر ليتذكر العبد شفقة الأبوين وتعبهما في التربية فيزيده ذلك إشفاقا وحنانا عليهما، وهذا كله في الأبوين المؤمنين، وقد نهى القرآن عن الاستغفار للمشركين الأموات ولو كانوا أولي قربى..” ثم يقول بعد ذلك في قوله تعالى:(ربكم أعلم بما في نفوسكم). أي، من اعتقاد الرحمة بهما والحنو عليهما، أو من غير ذلك من العقوق، أومن جعل ظاهر برهما رياء. وقال ابن جرير: يريد البادرة التي تبدر كالفلتة والزلة، تكون من الرجل إلى أبويه أو أحدهما، لا يريد بذلك بأسا، قال تعالى: (إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا) أي صادقين في نية البر بالوالدين، فإن الله يغفر البادرة، ووعد بالغفران مع شرط الصلاح والأوبة بعد طاعة الله سبحانه وتعالى.قال ابن عباس رضي الله عنه: الأواب، الحفيظ الذي إذا ذكر خطاياه استغفر منها. وقال سعيد بن المسيب: هو العبد يتوب ثم يذنب، ثم يتوب ثم يذنب.
هذه بعض الإشارات حول موضوع بر الوالدين والحقوق المترتبة في هذا المجال ..والهدف من سردها هو بيان أنه إذا كان بر الوالدين من الأمور الخطيرة التي بلغت هذا المبلغ في التشريع الإسلامي، فإن المسؤولية الكبرى هي تلك ملقاة على الوالدين في مساعدة أبنائهما على تمثل هذه التعاليم وتطبيقها، وعدم الاقتراب من دائرة العقوق واقتراف المحظور..
فما حق الأبناء علينا كآباء وأمهات؟
جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه. فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، فقال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب(أي القرآن)..
فقال الابن: يا أمير المؤمنين لم يفعل شيئا من ذلك: أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلا ( جعرانا )، ولم يعلمني من الكتاب حرفا واحداً !!
فالتفت أمير المؤمنين إلى الرجل، وقال له: أجئت تشكو عقوق ابنك وقد عققته قبل أن يعوقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك؟
ففي هذا النص الحيوي، نستطيع أن نضع أيدينا على أهم ما يجب علينا أن نتمثله مع أبنائنا قبل وبعد مجيئهم !:
< فهناك نصيحة للشباب المقبل على الزواج، وهي أنه من الضروري أن يحسن اختيار الزوجة – أم أولاده -
< وهناك الاستقرار الواجب توفره داخل البيت والذي يجعل الأبناء في مأمن من كل تشوه تربوي محتمل..{خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي}الحديث.
< وهناك التربية التي يجب أن يقوم بها الأبوان اتجاه الأبناء، انطلاقا من التسمية الحسنة إلى تلقينهم الآداب النبيلة إلى تحفيظهم القرآن الكريم .
يكتبها في حلقات
ذ. أبو يونس